داعب وجه الطبيعة بلوحاته ورحل l الطراوى.. فارس الألوان المائية يودِّع «المكان»

الفنان الراحل محمد الطراوى
الفنان الراحل محمد الطراوى

هاجر علاء عبدالوهاب

بحساب السنين كانت حياته قصيرة، إذا ما قيست بحجم إنتاجه، وربما تمناها هكذا شرط أن تكون حافلة، وهو ما تحقق! وبرحيل الفنان محمد الطراوى، قبل أيام، عن عمر ناهز 66 عامًا، فقد الفن التشكيلى أحد أبرز فنانيه، الذى لم يثنِه التعب عن الإبداع، فرغم صراعه الطويل مع المرض، أقام قبل شهور قليلة آخر معارضه بقاعة الباب سليم فى متحف الفن المصرى الحديث بدار الأوبرا.

لقد كان الطراوى واحدًا من أهم مبدعى الرسم بالألوان المائية، لذا أُطلِق عليه لقب افارس الألوان المائيةب، فهى تشبهه وهو يشبهها فى الشفافية والتلقائية، غير أن تميزه كان فى إبداع المنظر الطبيعى والمكان، اللذين كانا بطلين رئيسيين فى الكثير من أعماله مع اهتمام واضح بالضوء.

كان البورتريه منافسا للمكان فى إنتاجه الفنى الغزير، ربما بفعل توازى رحلته الإبداعية مع مشواره الصحفى فى مجلة اصباح الخيرب، فيما دفعه عشقه للطبيعة إلى التجوال، فلم ينقطع من النيل وشواطئه ومراكبه، إلى الترحال نحو الدلتا، والواحات وبيوتها، ومشاهدها المفعمة بالضوء والظل وانعكاسه، وارتداداته باتساع الحيز الرحب من حول ما يرصده بريشته عبر موجات ترتفع وتهبط فى تفاصيل لوحاته، بما يحقق عامل الحركة من خلال إضاءات متموجة أحيانًا ومراوغة أحيانًا أخرى، لتظهر براعته فى استخدام الضوء والظل بما يشد الأنظار إلى تميز لوحاته.

أقام الطراوى معارضه الخاصة منذ عام 1994، فكانت الانطلاقة الأولى مع معرضه امائيات مصريةب، ثم توالت المعارض من رباعية الواقع والفعل 1995، ثم فنانى المنظر فى العام التالى، وفى 1997 أقام معرضين على التوالى، هما امائيات مصريةب وارباعيات مصريةب، أما عام 2000 فشهد ثلاثة معارض هى ارؤى المكانب، وامصر فى عيون مصريةب، واالمكان والزمانب، وفى العام التالى أطلق معرض اأمكنة وأزمنةب.

وفى عام 2007 أقام الطراوى معرضيه االحنين إلى الوادىب، واأمكنه الروحب، وفى العام التالى أقام بباريس معرض ارؤيتانب، وفى 2010 معرض االإبحار فى أعماق الأبيضب، والمتابع لإبداع الطراوى يدرك أن المكان كان دائمًا البطل بمحتوياته ومفرداته فى العديد من معارضه، مع ملاحظة التنوع فى الأماكن التى التصق بها، وكان ثمة حوار مستمر بين المبدع والأمكنة تعكس علاقة جدل لم ينتهِ إلا بالرحيل عن دنيانا.

وباستعراض نخبة من أعماله الفنية التى تداعب وجه الطبيعة وجماليتها حيث جاءت رتوشه ألوانية سريعة ومتدفقة كومضات ضوئية متتالية، أما ذكريات الطراوى وحنينه لأرض الوادى فقد عبَّر عنها بعيون العاشق، حيث جسّدها برومانسية الفنان مرهف المشاعر، وظهر ذلك فى أشكال المراكب الشراعية بلونها الأبيض النقى، وهى تقف خلف بعضها البعض، وتحيط بها السماء الزرقاء، وانعكاس ظلال المراكب على سطح الماء فى لوحة متميزة.

إلى جانب معارضه الخاصة، شارك الفنان الراحل فى العديد من المعارض الجماعية الدولية، فى الكويت واليمن والإمارات وليبيا والسعودية وإيطاليا والصين، وبالطبع فى وطنه الذى عشق كل تفاصيله.

وكان الطراوى فنانًا وطنيًا، من ثم جاءت مشاركته بتكليف من قطاع الفنون التشكيلية بأعمال تصويرية لمتحف ادنشواىب بمحافظة المنوفية، حيث عبَّر مع كبار الفنانين عن الأحداث المأساوية التى شهدتها القرية على أيدى المستعمر، والمحاكمات الظالمة التى تعرض لها الأهالى، وقد أقتنت العديد من المتاحف الوطنية ضمن جنباتها أعمالًا للطراوى، الذى حاز عبر مشواره جوائز محلية ودولية عِدة، كما قلدته الأكاديمية الفنية بطشقند الدكتوراه الفخرية عام 2005.