كنوز | مئوية تصريح 28 فبراير.. وتحول مصر من « سلطنة » إلى « مملكة »

الملك فؤاد الأول  --  إعلان استقلال مصر وتحولها إلى مملكة - سعد باشا زغلول
الملك فؤاد الأول -- إعلان استقلال مصر وتحولها إلى مملكة - سعد باشا زغلول

مرت 100 عام يوم الإثنين الماضى على ذكرى «تصريح 28 فبراير1922» الذى جاء بصيغة إعلان إلى مصر من حكومة جلالة ملك بريطانيا والذى تقول سطوره المقتضبة: «بما أن حكومة جلالة الملك، طبقا لنواياها التى أعلنت عنها، ترغب على الفور فى أن تعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، وبما أن العلاقات بين حكومة جلالة الملك ومصر، لها أهمية حيوية للإمبراطورية البريطانية.

تعلن بموجب ذلك المبادئ الآتية: انتهاء الحماية البريطانية على مصر، وإعلان مصر دولة مستقلة ذات سيادة، وحالما تصدر حكومة عظمة السلطان «يقصد السلطان فؤاد الأول» قانون ضمانات نافذ على كل سكان مصر، سوف يتم سحب الأحكام العرفية التى أعلنت فى 2 نوفمبر 1914، وإلى أن يحين الوقت الذى يتسنى فيه إبرام اتفاقات بين حكومة جلالة الملك وبين الحكومة المصرية فيما يتعلق بالأمور الآتى بيانها، بمناقشات حرة وترتيبات ودية من الجانبين.

للتوصل إلى اتفاقات بين حكومة جلالته والحكومة المصرية، فإن حكومة جلالة الملك تتحفظ بشكل مطلق على أمن مواصلات الإمبراطورية البريطانية فى مصر، والدفاع عن مصر ضد كل اعتداء أو تدخل خارجى، مباشرا كان أو غير مباشر، وحماية المصالح الأجنبية فى مصر، وحماية الأقليات، والسودان، وحتى يتم التوصل إلى هذه الاتفاقيات، تبقى الحالة فيما يتعلق بتلك الأمور على ما هى عليه»!

هذا هو نص البيان المقتضب الشهير الذى أصدرته بريطانيا منفردة منذ 100 عام، بإعلان إنهاء الحماية على مصر، والاعتراف بها دولة مستقلة ذات سيادة، ولكن.. هل أصبحت مصر بموجب هذا التصريح دولة مستقلة بالفعل وذات سيادة ؟ وكيف استقبلت الحركة الوطنية هذا التصريح، وما هى الأسباب التى أدت بالحكومة البريطانية إلى إصدار التصريح؟ 

أولا ترتب على تصريح 28 فبراير قيام السلطان فؤاد الأول فى 15 مارس 1922 بإعلان مصر «مملكة» مستقلة ذات سيادة وأصبح اسمه «الملك فؤاد الأول»، وأصدر فى 13 أبريل 1922 القانون رقم 25 لسنة 1922 الذى يحدد نظاما جديدا لوراثة العرش لينحصر فى ذريته بدلا من أكبر أبناء أسرة محمد على ليصبح ابنه الأمير فاروق هو ولى العهد بدلا من الأمير محمد على توفيق.

ومن هذا التاريخ أصبحت مصر مملكة بعد أن كانت سلطنة، ووصف عدلى يكن باشا تصريح 28 فبراير بعد تشكيل حزب «الأحرار الدستوريين» فى 4 أكتوبر 1922 بأنه أساس طيب للاستقلال فلأول مرة يتم الاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، وقال إسماعيل صدقى باشا إن وزارة عبد الخالق ثروت باشا التى كان أحد أعضائها أعلنت استقلال مصر وشكلت «لجنة الدستور»، بينما وصف سعد باشا زغلول «تصريح 28 فبراير» بأنه أكبر نكبة حلت على البلاد.

ووصف لجنة الدستور بلجنة «الأشقياء»، وأيد «الحزب الوطنى» سعد باشا والوفد فى الموقف الذى اتخذه وعبر عنه، واتجه جزء من الحركة الوطنية إلى الترحيب بتصريح 28 فبراير على أساس أنه سيدخل بمصرفى المرحلة الليبرالية التى تعنى أن الأمة أصبحت هى مصدر السلطات بعد أن تألفت لجنة وضع «دستور 1923»، واتضح أن الملك فؤاد تدخل لإعطاء نفسه بعض الصلاحيات فى الدستور، ومنها: حل البرلمان دون قيد أو شرط.

أو إقالة الوزارة مهما كانت رغبة الشعب، وأدى ذلك إلى رفض الشعب لهذا الدستور والصلاحيات التى منحها الملك لنفسه ووافقته عليها لجنة صياغة الدستور التى أطلق عليها سعد باشا زغلول لقب «لجنة الأشقياء»، وبدأ تمرد الشعب واضحا من خلال الثورات والجمعيات الوطنية واغتيال الجنود الأجانب فى وضح النهار مما أثار ذعرالجاليات الأجنبية. 

ولم يكن تصريح 28 فبراير هبة مجانية لمصر من الاحتلال البريطانى، إنما جاء بعد مخاض وجهاد متواصل من الحركة الوطنية التى كانت تسعى إلى تحرير مصر من الاحتلال البريطانى بدون الانفصال عن الدولة العثمانية والاستقلال التام عنها، لكى لا تتفتت وحدة العالم الإسلامى، ولكن هذا الوضع أخذ يتغير عندما قامت الحرب العالمية الأولى ودخلت الدولة العثمانية فى حرب ضد انجلترا، وانتهزت انجلترا الفرصة لإنهاء السيادة العثمانية وفرضت الحماية البريطانية على مصر فى نوفمبر1914، وفى الوقت نفسه كانت الظروف العالمية تتهيأ على نحو يخدم الشعب المصرى، فلكى تجذب الولايات المتحدة شعوب العالم للتحالف ضد ألمانيا وتركيا والنمسا.

أعلن رئيسها «توماس ولسون» مبدأ حق تقرير المصير، ومبدأ تأليف «عصبة الأمم» لحل المشكلات سلميا دون حرب، وبعد انتهاء الحرب وهزيمة الدولة العثمانية سقطت فكرة الجامعة الإسلامية وأدرك الشعب المصرى أنه غير ملزم بقبول السيادة العثمانية، وبرزت فكرة «القومية المصرية»، وتبلورت الحركة الوطنية حول فكرتين أساسيتين هما: «إنهاء الاحتلال البريطانى، وإعلان مصر دولة مستقلة ذات سيادة»، وتعلق أمل المصريين فى تحقيق هذين الهدفين على مؤتمر الصلح فى باريس بتاريخ 28 يونيو 1919.

واندهش المندوب السامى البريطانى عندما تحدث سعد باشا زغلول وأصحابه عن السماح لهم بالذهاب لمؤتمر الصلح، ولهذا قررت سلطات الاحتلال نفى سعد باشا زغلول وبعض أعضاء الوفد إلى جزيرة «مالطة» واندلعت الثورات التى شملت كل طوائف الشعب ردا على ذلك.

وأدركت بريطانيا أنها أمام ثورة شعبية شاملة فسارعت بالإفراج عن سعد باشا ورفاقه والسماح لهم بالسفر إلى باريس، لكن بريطانيا سدت الطريق أمام الوفد المصرى بالحصول على اعتراف دول المؤتمر بالحماية البريطانية على مصر، ولهذا فوجئ الوفد المصرى باعتراف المؤتمر بالحماية لكنه لم ييأس.

وظل سعد باشا زغلول فى باريس يقود الحركة الوطنية فى مصر من خلال لجنة الوفد المركزية التى كان لها الفضل فى إفشال خطة الاحتلال فى إقناع الشعب بما جاءت به لجنة «اللورد ملنر» وزير المستعمرات.

وشعر «ملنر» بأنه لا سبيل أمامه إلا التفاوض الذى بدأ فى مرحلته الأولى مع «سعد باشا زغلول»، ولكن المفاوضات فشلت بسبب إصرار بريطانيا على تحويل استقلال مصر لاستقلال شكلى عن طريق «حماية المصالح الأجنبية، وحرمان مصر من إقامة أى علاقات مستقلة مع دول أخرى».

ولهذا رفض سعد باشا إبرام أى اتفاقيات مع حكومة الاحتلال، فتم اعتقاله ونفيه إلى جزيرة «سيشل» تمهيدا لإعلان تصريح 28 فبراير «الذى نص على» إنهاء الحماية البريطانية على مصر لتكون مصر ذات سيادة، وإلغاء الأحكام العرفية التى أعلنت فى 24 نوفمبر1914، وتمسك سعد باشا زغلول بأن هذا التصريح البريطانى الذى صدر من جانب واحد لا يعطى مصر الاستقلال الفعلى، وبحسب كتاب « قصة الدستور المصرى» للكاتب محمد حماد.

فإن عددا من المؤرخين يذهبون إلى أنه بالرغم من أن الاستقلال الذى أرساه «تصريح 28 فبراير» جاء مقيدا بعدد من التحفظات إلا أنه من الناحية الداخلية والدولية كان استقلالا حتى لو كان صوريا، فلأول مرة تظهر على الخريطة «مملكة مصر» بدلا من «باشاوية مصر» كما كان الوضع قبل عام 1914، أو «محمية مصر» قبل عام 1922.


من «عدة مصادر» 

إقرأ أيضاً|كنوز | «الأخبار» تحتفى بذكرى «سعد زغلول» زعيم الأمة.. وخليفته في النضال الوطني