كنوز | «الأخبار» تحتفى بذكرى «سعد زغلول» زعيم الأمة.. وخليفته في النضال الوطني

سعد باشا زغلول وخليفته مصطفى باشا النحاس فى البرلمان
سعد باشا زغلول وخليفته مصطفى باشا النحاس فى البرلمان

اختار القدر أن يرحل زعيم الأمة سعد باشا زغلول فى 23 أغسطس عام 1927 ، 94 عاماً مرت على رحيل الزعيم الخالد بحروف من نور ، واختار القدر ايضاً أن يرحل فى نفس التاريخ من شهر أغسطس ولكن فى عام 1956 خليفته فى النضال الوطنى مصطفى باشا النحاس بعد 29 عاما من رحيل أستاذه ومثله الأعلى ، تحمل خلالها النحاس معارك النضال الوطنى التى تحتاج لمجلدات تستوعب مراحل كثيرة من تاريخ الأمة ، هناك أشياء كثيرة مشتركة فى مسيرة سعد باشا زغلول وخليفته فى قيادة حزب الوفد مصطفى النحاس ، نتعرف عليها بإيجاز ونتبين المشترك بينهما ، ونبدأ بسعد باشا الذى قال « الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة » . 


ولد سعد زغلول عام 1860 فى قرية ابيانه التابعة الآن لمحافظة كفر الشيخ ، تعلم فى الكتاب القراءة والكتابة وحفظ القرآن ، والتحق بالجامع الدسوقى لكى يتم تجويد القرآن ، و فى عام 1873 وفد إلى القاهرة للالتحاق بالأزهرلتأثره بجمال الدين الأفغانى الذى طبعه على حرية التفكير والبحث والتجريد والإصلاح ويرجع إليه الفضل فى تجويد لغته العربية ، فأحسن الخطابة والكتابة ، وتتلمذ على يد الشيخ محمد عبده فنشأت بينهما علاقة تفوق علاقة الابن بوالده فشب بين يديه كاتباً خطيباً ، أديبا سياسيا ، وطنيا ، وعمل فى جريدة «الوقائع المصرية» حيث كان ينقد أحكام المجالس الملغاة و يلخصها ويعقيب عليها ، ورأت وزارة البارودى ضرورة نقله إلى وظيفة معاون بنظارة الداخلية ، ثم تم نقله إلى وظيفة ناظر قلم الدعاوى بمديرية الجيزة ، وشارك سعد زغلول فى الثورة العرابية بكتابة المقالات التى حض فيها على التصدى لسلطة الخديو توفيق التى كانت منحازة إلى الإنجليز ، ونتيجة لذلك فقد وظيفته ، وقبض عليه عام 1883 بتهمة الاشتراك فى التنظيم الوطنى المعروف بـ «جمعية الانتقام» ، وعين وكيلاً للنيابة ، وترقى حتى صار رئيساً للنيابة ، ثم نائب قاض عام 1892، وحصل على ليسانس الحقوق عام 1897، وكان من المدافعين عن كتاب « تحرير المرأة» لقاسم أمين ، إلى أن تم تعيينه فى عام 1906 ناظراً للمعارف ،  وفى عام 1907 كان من المساهمين فى وضع حجر الأساس لإنشاء الجامعة المصرية ، وأسهم أيضا فى تأسيس النادى الأهلى وتولى رئاسته فى 18 يوليو 1907، وخطرت له فكرة تشكيل الوفد المصرى للدفاع عن القضية المصرية عام 1918 ضد الاحتلال الإنجليزي، وضم الوفد عبد العزيز فهمى وعلى شعراوى وآخرين . 


نتوقف هنا لنعرف كيف انضم مصطفى النحاس للوفد المصرى ومتى تعرف على أستاذه سعد باشا زغلول ؟ 


يقول صلاح الشاهد مدير التشريفات الملكية سابقاً وكبير أمناء القصر الجمهورى لاحقا فى كتابه « ذكرياتى بين عهدين » أن النحاس باشا روى له عام 1947  كيف انضم إلى الوفد المصرى ، فيقول « الشاهد » إن النحاس لفت انتباهه فى شبابه رجلان هما مصطفى كامل ، وسعد زغلول ، واسترعى انتباهه فى أسلوب مصطفى كامل اعتماده على الخديوى عباس حلمى الثانى صاحب السلطة الشرعية على الأمة الذى حاول التمكن من هذه السلطة بانتزاعها من معتمد الاحتلال الغاصب ولذلك كان النحاس يميل إلى مبادئ الحزب الوطنى ، وقد افتتن النحاس بسعد باشا الذى وصفه بالزعيم الأوحد للشعب ووكيله المفوض من كل طبقاته وفئاته ، وقال عنه  النحاس : « تتبعت آثاره محاميا وقاضيا ووطنيا أمينا وتمنيت مقامه ، وأكرمنى رب العزة فأصبحت خليفته فى قيادة هذه الأمة الخالدة على مر الزمن»، وكان هناك خلاف بين الوفد والحزب الوطنى فرأى سعد باشا التوفيق فى هذا الخلاف لخدمة قضية البلاد فأقترح على الحزب الوطنى أن ينضم مصطفى النحاس ود. حافظ عفيفى عضو اللجنة الإدارية للحزب إلى الوفد المصرى ، ، وعندما سأل محمد كامل سليم سكرتير سعد باشا عن رأيه فى مصطفى النحاس قال : « مصطفى النحاس رجل ذو قلب طيب ، ومبدأ ثابت ، يميل إلى الثرثرة ولكنه خفيف الروح به خفة ويميل إلى الخيال ، سريع الانفعال ولكنه لا يتغير بتغير الأحوال ، وطنى مخلص وهو فقير مفلس ، ذكى غاية الذكاء ، وفى كل الوفاء وله فى نفسى مكان خاص » .

بهذه العبارات تحدث سعد باشا عن النحاس ، وعرفنا كيف كان النحاس مبهورا بسعد باشا ، وقد سار النحاس على خطى أستاذه سعد زغلول ، فتعلم فى الكتاب وحفظ القرآن ، واستكمل تعليمه بمدرسة الناصرية ، ثم الخديوية الثانوية وتخرج بمدرسة الحقوق عام 1900 ، وعمل بالمحاماة حتى عام 1903، وقد لعِب النحاس دورًا مهما خلال ثورة 1919، كان وقتها يعمل قاضيًا بمحكمة طنطا ووكيلًا لنادى المدارس العليا، فنظم مع عبد العزيز فهمى إضراب المحامين، وكان الوسيط بين لجنة الموظفين بالقاهرة واللجنة بطنطا، فكان يحمل المنشورات داخل ملابسه ويقوم بتوزيعها هو ومجموعته على أفراد الشعب ، وفُصل من منصبه كقاضٍ نتيجة لنشاطه السياسي، وينتمى مصطفى النحاس إلى الرعيل الأول من مؤسسى الوفد المصرى الذين انضموا إلى سعد زغلول ، وكان الوفد عندما تأسس يضم خليطًا من السياسيين من اتجاهات مختلفة يمثلون أطياف الخريطة السياسية المصرية التى تشكلت فى السنوات الأولى من القرن العشرين، وكان من رفاق سعد زغلول الذين تم نفيهم معه للمرة الثانية إلى جزيرة « سيشل» عام  1921، وكان ضمن قيادات حزب الوفد الذى شكله سعد باشا بعد العودة من المنفى ، وأصبح سكرتيرًا عامًا للوفد المصرى ، واختاره سعد باشا وزيرا للمواصلات فى أول وزارة يشكلها برئاسته فى 28 يناير 1924 ، وبعد فشل الانقلاب الدستورى الأول الذى قاده زيور باشا تنفيذًا لإرادة الملك ، تشكلت حكومة إئتلافية بين الوفد والأحرار الدستوريين، وأصبح مصطفى النحاس وكيلًا لمجلس النواب ، وبعد وفاة سعد زغلول فى 23 أغسطس 1927 انتخبه الوفد رئيسًا له ، وحل محله فى سكرتارية الوفد مكرم باشا عبيد ، وحمل من يومها مصطفى النحاس راية النضال الوطنى والديمقراطى زعيمًا لحزب الأغلبية فى ظروف حصار مستمر للحياة النيابية على يد الملك المستبد والسفارة البريطانية ، وبعد أقل من ستة أشهر شكل النحاس باشا أول وزارة إئتلافية برئاسته فى 16 مارس 1928، وقد تولى النحاس باشا رئاسة الوزارة سبع مرات ، منها مرتان فى عهد الملك فؤاد ، ومرة فى ظل مجلس الوصاية على الملك فاروق ، وأربع مرات فى عهد فاروق ، ومجموع ما قضاه النحاس فى الحكم لا يتجاوز سبع سنوات ، فعادة ما كان حكمه ينتهى بانقلاب دستورى يدبره الملك بمباركة الإنجليز، وفى الوزارة الأخيرة التى أقالها الملك فاروق فى 27 يناير 1952، كانت مؤامرة حريق القاهرة المبرر لإقالة الوزارة.

نضال وطنى كبير خاضه زعيم الأمة سعد باشا زغلول الذى بنت له الحكومة ضريح سعد ونقلت إليه جثمانه عام 1936 ، وصنعت له تمثالان واحد بالقاهرة والآخر بالإسكندرية ، تخليدا لدوره الوطنى الذى لعبه من أجل مصر ، ونضال مشابه من خليفته مصطفى النحاس باشا الذى عاملته ثورة 23 يوليو1952 بما لا يليق بتاريخه الوطنى وزعامته للأمة ، وهناك من تعمد تشويه تاريخه النضالى والإساءة إليه من خلال زوجته السيدة زينب الوكيل « ، من خلال « الكتاب الأسود» الذى كتبه صديقه المنقلب عليه مكرم باشا عبيد ، ولابد من إنصاف الرجل فهو يستحق تمثالا يخلد وطنيته ويرد اعتباره مثل بقية زعماء مصر المخلصين ، رحم الله زعيم الأمة سعد باشا زغلول ، ورحم الله خليفته الزعيم الوطنى مصطفى باشا النحاس . 


«كنوز »