معرض الفنان أشرف رسلان l يلفت الأنظار بعالمه الخاص

الفنان خلال افتتاح المعرض
الفنان خلال افتتاح المعرض

رشيد غمرى

قدم الفنان أشرف رسلان عدة أعمال مميزة خلال الدورة الثالثة من معرض مصر الدولى للفنون آرت فير، والتى أقيمت مؤخرا. المعرض فرصة مهمة، للتشكيليين المصريين، لتأكيد حضورهم، وسط التجمعات ذات الطابع الدولى. أما أعمال رسلان المعروضة فهى امتداد لعالمه الخاص، الذى عمل عليه قرابة ثلاثة عقود، دون انشغال بسباق الانتساب لتيارات، وشطحات الفن فى الخارج، ولا محاولة إقحام رموز وعلامات شرقية أو فلكلورية فى أعماله، بحثا عن هوية مصطنعة.

يقدم رسلان لقطات أليفة لشخوص فى لحظات خاصة، أما خلفياته فهى عوالم مستدعاة من ذاكرة ما، ربما تكون ذاكرة أسلاف لنا، تسربت عبر الجينات، أو صور حياوات عشناها، أو كان يمكن أن نعيشها. وهكذا يقدم أشخاصا مألوفين، على خلفية ليست غريبة، لكن ينشأ السحر والدهشة من اختلال طفيف، والتباس فى الزمن، يجعل عالم لوحاته مستقلا بذاته، كأن أبعاده تتمدد إلى زمن آخر محتمل، رغم ارتباطه العميق بنا. هكذا، وبنفس القوة التى نتعلق فيها باللقطة التى تعكس شيئا منا، يسحبنا إلى أفق مفارق للحظتنا، والتى سنرى أنها مجرد واحدة من صور عديدة ممكنة، وهو ما يجعلنا نتشبث باللقطة التى يقدمها، عساها تقودنا إلى عالم أكثر صدقية وأصالة من عالمنا. وهو ما يتحقق حتى فى اللوحات التى تنسحب منها الأسطورة، وتبدو من حيث مكوناتها شديدة الواقعية.  

تبدو محاولة التعريف بالفنان كما لو كانت تتم عبر النفى أكثر من التحديد. فكما أنه لا يسعى لمسايرة أحدث صيحات الفن، فهو ليس سيرياليا، رغم أثيرية عالمه الذى يشبه الحلم، وليس ميتافيزيقيا عبر فتح جدار الزمن تماما، إلى عالم ما ورائى، ولا يفتعل تقديم رموز بعينها، رغم أن اللوحة فى جملتها تحمل إلغازية الرمز وإغواء البحث عن دلالاته، كما أنه ليس تعبيريا، فكل شيء لديه ينساب كما لو أنه لا يريد أن يقول شيئا، أو حتى يتصنع الثبات والصمت. وهو ليس واقعيا بالطبع، لأنه يقدم العالم من وراء حجب شفيفة، لا أحد يعرف مادتها. إنه عالم ملتبس رغم وضوحه، عميق رغم بساطته، ويلتحف بألوان هادئة، كأنها انعكاسات ضوء حنون لكوكب بعيد على طين البشر والأماكن.

لا يسبح رسلان فى أعماله، ضد التيار، ولكن فقط خارج السرب. إذ إنه لا يقصد إلا الصدق، بلا خطابية، ولا رسالة أدبية مباشرة. فقط يقدم ما نعرفه طازجا كل مرة، فيجعلنا نعيد النظر للعالم كاكتشاف رهيف. أما الجسد فى لوحاته، فليس مادة، ولا روحا، ولكنه كيان تمتزج علائقه الأرضية، مع حنين لعالم مثالى، يقع غير بعيد. ويبدو الوجود الأرضى للأشخاص والكائنات، كما لو أنه إرث، أو قدر، لم نختره، وما كنا لنختاره، ومع ذلك فنحن نحمله بكل نبل ومسئولية، وإن كان بإيماءة حزن رهيفة وعميقة. وهو لا يقدم لنا عالما بديلا، ولا يطرح أحلاما وردية، ولكن فقط يحدث فينا تلك الهزة البسيطة التى تجعلنا نفيق من عبادة الواقع، وننتبه إلى أثيرية العالم، وتعدده، وإلى كوننا عابرين فيه، ومع ذلك فوجودنا مؤثر، بل هو ما يمنح الوجود الكلى أحد معانيه.

ورغم خصوصية أسلوبه، لكنه يتنوع من مجموعة لوحات إلى أخرى، فيقدم لنا مساحات تلوين أقرب للوحشية أحيانا، وتكوينات مجسمة فى أحيان أخرى. وفى بعض الأحيان يستخدم الخطوط الواضحة المحددة الأقرب للرسم من التصوير. ومع ذلك فعلى الأغلب لا يمكن أن تخطئ العين أعماله، ولا وجوهه المتنوعة التى يكسبها على الدوام سمتا خاصا به.