إنها مصر

زعماء مصر والحروب

كرم جبر
كرم جبر

فى أوج الانتصار ونشوة الفرح وتكبيد العدو خسائر فادحة، قال الرئيس أنور السادات جملته الشهيرة «مقدرش أحارب أمريكا».
كان ذلك فى حرب أكتوبر المجيدة، عندما أدرك الزعيم المصرى بخبرته العسكرية ورؤيته السياسية، أنه سيكبد جيشه وبلده خسائر فادحة، وهو لم يدخل الحرب من أجل الحرب، وإنما لتحرير ترابه الوطني، واختار سلام الأقوياء لاستكمال مهمته المقدسة.
هكذا الزعماء الحقيقيون، الذين يولدون من رحم الأحداث وأعماق الخبرات، ويتسلحون بالوعى واليقظة، فيلهمهم الله قرارات فى صالح دولهم وشعوبهم، دون تقدير خاطئ لقوتهم فى مواجهة الآخرين.
اختار السادات السلام، لأنه يعلم جيداً أن قوته فى بلده وليست فى الآخرين ولا وعودهم ، وأن الدعم الخارجى لبلده يأتى لصالح الآخرين قبل مصلحته، وأن أمريكا ألقت بكل ثقلها بجانب إسرائيل، لتنتصر فى معركة توازن القوى العالمية، وبقائها على رأس النظام العالمي.
لم يعبأ السادات بأن يغضب منه الحليف الاستراتيجى فى ذلك الوقت «الاتحاد السوفيتي»، بلدى أولاً وأخيراً، ولم يخدع أحداً عندما قال أن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا، لأنه يعلم أنها الطرف الوحيد القادر على إجبار إسرائيل على قبول السلام.
« لو « ركب السادات رأسه واغتر بقوته واعتمد على وعود الآخرين، لكانت الدنيا غير الدنيا واستمرت مصر فى دوامة اللاسلم واللاحرب، وظلت مواردها وقدراتها مرهونة على حرب لا تنتهى وسلام لا يتحقق، ولا يمكن لدولة أو شعب أن يتحملا ذلك لسنوات طويلة.
هذه هى حكمة مصر وخبرة زعمائها.. مصر أولاً


فعل ذلك - أيضاً - الرئيس مبارك، عندما طلب منه الرئيس الأمريكى بوش الابن إرسال قوات سلام مصرية إلى العراق، لتكون بديلاً للقوات الأمريكية التى تتكبد خسائر كبيرة بسبب المقاومة الشعبية العنيفة.


أدرك مبارك أنهم يريدون استبدال النعوش الأمريكية بنعوش مصرية، وأنها لن تكون قوات سلام بل عدو جديد للعراقيين بجنسية مصرية، وسبق أن رفض دخول جندى مصرى واحد الأراضى العراقية بعد تحرير الكويت، قائلاً: جئنا لتحرير الكويت وليس لغزو العراق.


كانت فرحة السادات كبيرة وهو يسأل قادة الجيش المنتصرين فى مجلس الشعب: هل حافظتم على أولادكم وأسلحتكم، فيجيبون نعم.. فالحرب ليست استعراض عضلات أو عمليات انتحارية، وإنما مهمة مقدسة لتحرير الأرض واستعادة الكرامة والكبرياء.