دافع عن طفل فقتله الأشقاء الثلاثة

المجني عليه
المجني عليه

إيمان البلطي 

أي جرم ارتكبه "حازم" حتى يموت بهذه الطريقة.. هل لأنه فعل الخير فهذا يعد جلبًا للسوء.. هل كان عليه أن يدير ظهره ولا يعر اهتماما لطفل يتعرض للإيذاء دون أن يتدخل ويحاول أن يمنع هذا الأذى.. إن فعل ذلك المهندس الشاب فسوف يؤنبه ضميره لأنه لم يفعل الواجب، إذن فكان عليه الواجب أن يقف حائلا بين هؤلاء المعتدين والمجني عليه، لكن لم تسر الامور كما تمناها حازم.. كل هذه الأسئلة وأكثر كانت تدور في ذهن والد المهندس حازم. ضحية الشهامة بالمنوفية، بعد جلسة النطق بالحكم على قاتلي نجله. التفاصيل الكاملة في السطور التالية.

قبل أن ينادي الحاجب معلنا بداية المحاكمة، كان "أمجد حماد" والد حازم، يتكأ على ابنه حتى يجلسه في مكان قريب من منصة القاضي، الأمر الذي جلعه يقدم على ذلك هو أنه أراد أن يسمع صوت القاضي وهو يصدر حكمه على أولئك الذين قتلوا فلذة كبده لا لشئ الا انه دافع شخص مغلوب على امره، ومع أن الرجل بعد حادث ابنه وفقده أصابه الوهن، وكاد الحزن أن يعتصره، إلا أنه في هذا اليوم كانت صحته مستقرة، وحالته النفسية على ما يرام، ولوعة الأمل تراوده في كل خطوة خطاه في إتجاهه للمحكمة لحضور جلسة النطق بالحكم على من قتلوا نجله غدرا.

مؤبد

رئيس الجلسة ومعاونوه دخلوا إلى القاعة بعد ان ارتفع صوت الحاجب إيذانا ببدء المحاكمة، استقر الجميع في مكانه معلنا بداية الجلسة، لكن أثناء ذلك كانت ملامح "أمجد" شاردة، وكأنه تأئه منذ زمن، أو أنه قد فقد ذاكرته للتو ولا يعرف أين هو أو مع من اتى اليوم، لكن حالة التيه هذه كان سببها أن كل ما يقال كان يعرفه الرجل الخمسيني جيدًا، وعاشه طوال أكثر من 5 أشهر كاملة بكل تفاصيله، منذ مقتل ابنه وحتى اليوم الذي جاء ليرى القصاص في قاتليه.

لذلك لم يكن الأب يعير أى كلمة قيلت أي أهتمام، هو جاء لسماع الحكم؛ ليهدأ حرنه، وأن يرى قتلة ابنه المهندس الشاب معاقبون أذلة خلف القضبان جراء ما ارتكبته ايديهم؛ لذلك فور أن سمع الحكم، ونطق القاضي به، وقضت محكمة جنايات شبين الكوم الدائرة الأولى بمحافظة المنوفية على المتهمين الثلاثة، وأولهما "محمود" حضوريًا، وعلى أشقائه "مصطفى وعلي" غيابيًا، بالمؤبد 25 سنة جراء ارتكابهم جريمة قتل بحق المهندس "حازم أمجد حماد" بمدينة شبين الكوم نطق الرجل بفرحة غامرة "يحيا العدل" أكثر من مرة.

كان على رغم فرحته بالحكم بدا حزينا، أو هكذا كان يبدو، لأنه في قرارة نفسه كان هناك شئ أراد أن يقوله، وسؤال أراد أن يسأله، وهو لماذا لم يُحكم بإعدامهم، وهذا ما تفهمه لاحقا من أنه وفقا لظروف القضية وملابساتها كانت أقسى عقوبة موقعة هي المؤبد حسب نصوص القانون، وهو ما نطق القاضي به.

انتهت الجلسة بأمر شبه إعجازي.. الرجل الذي دخل القاعة يتكأ على عصاه خرج منها على قدمين ثابتتين مستقريتين، وكأنه عادت له حياته بعد أن رأى بعينه قاتل نجله داخل القفص يُعاقب بالمؤبد وحتمًا سيتم القبض على الآخرين اللذين ما زالا هاربين، ويرى بعينه انتقام الله منه نفذه القاضي على الأرض، مع أنه كان يأمل أن يرى بجواره إخوته الهاربين. وهو ما سيحدث في القريب العاجل.

البداية

تعود تفاصيل تلك الواقعة إلى صباح يوم التاسع من شهر سبتمبر من العام الماضي، وتحديدًا بعد ظهر هذا اليوم، حيث كان المهندس "حازم" في طريق عودته من العمل ومتجًها إلى بيته، وقتها صادف طفل صغير يلعب أمام بيته، وحين أخذ الطفل في اللعب أخذ يلهو دون إدراك منه، وحينها كان "محمود" القاتل يقود التروسيكل الخاص به بسرعة وفي غفلة منه صدم الطفل الصغير ولولا رحمة الله لكان الطفل تحت عجلات مركبته البخارية.

وقتها نزل السائق محمود بعد أن أوقف التروسيكل وأخد يتلفظ للطفل بالفاظ غير لائقة، يسب أبويه ويسبه، حتى كاد أن يهم ويضربه لولا تدخل حازم.

بمجرد ما أن تدخل حازم، والذي كان مراقبًا للموقف من البداية، ورأى بعينه كل ما جرى، أبعد الطفل عن "محمود" ووقف أمامه، وقال له أنك المخطئ، وأن القيادة بهذه السرعة وفي منطقة سكنية تعد خطورة بالغة، وأن الطفل الذي كاد أن يموت غفلة في هذه اللحظة كان يلعب بسلامة نية وبعيدًا عن الطريق.

لم يعجبه محمود هذا الكلام، ولم يحمد الله أن الموقف مر بسلام، لكن ترك الطفل ودب مع "حازم" مشاجرة لم تنته إلا بعد تدخل المارة. 

أى شخص كان يتابع الموقف سيرى أنه ليس هناك مشكلة، حادث عارض وقع والله سلّم، وليذهب الكل في طريقه دون ضرر أو ضرار، لكن "محمود" والذي أخذته العزة بالإثم، لم يلق بالأمر وراء ظهره، ولم يهدأ، بل أصر وبيت النية على ضرب "حازم" ضربًا مبرحًا عقابًا له عن الوقوف ضده؛ وعليه، وبعد أقل من نصف ساعة، وبينما كان "حازم" في بيته، إذ بالتروسيكل وسائقه محمود ومعه اثنين من أشقائه وهما مصطفى وعلي، وبحوزتهم اسلحة بيضاء أمام بيته ويطرقون الباب، وبمجرد ما أن خرج لهم والد حازم حتى افتعلوا معه مشكلة، وعلى صوت مشاجرتهم خرج حازم من البيت فزعًا، وحينها باغتوه بالأسلحة التي معهم وأحدثوا به جرحا نافذا في الصدر، لفظ على أثره شهيد الشهامة أنفاسه الأخيرة، ورحل.

ولولا تدخل الأهالي وتهدئة الأمر لكان انضم إلى حازم في رحيله شاب آخر حاول أن يقف ضدهم كما فعل حازم من قبل، لكن كانت إصابته طفيفه وتم إسعافه على الفور.

وبمجرد ما أن سال دم شهيد الشهامة، ووقع على الأرض معلنًا نهايته، وغرق في دمه، هرب الإخوة الثلاثة وكأن الأرض إنشقت وابتلعتهم، لكم لم يمر عليهم عدة أيام حتى سقط القاتل الأول، محمود، في قبضة الأجهزة الأمنية، بينما شقيقيه الأثنين، مصطفى وعلي، لا يزالان حتى الآن هاربين. وتم الحكم عليهما ايضا غيابيا بالمؤبد.

الحكم

وفي حديثه لـ "أخبار الحوادث" أكد "نضال مندور" محامي شهيد الشهامة؛ أن مدة الحكم لا ينقضي نصفها بحسن السير والسلوك، ويجري ملاحقة الشابيّن الآخرين محل الاتهام لتحقيق العدالة، واتفق معه "سيد السرس" المحامي الأخر لشهيد الشهامة، لافتًا أن القاضي قضى بالحكم من أول جلسة لوضوح القضية ويعد ذلك قصاصًا وحفظًا للحقوق.