أيقونة موائد الجنوب l «الشمسى».. جاتوه الصعايدة

العيش الشمسى
العيش الشمسى

صالح العلاقمى

فى المواويل الشعبية هناك عبارة تقول: مين ياكل عيش السلطان يضرب بسيفه، وهى عبارة يرددها الحكّائون ومرددو المواويل والسير الشعبية، ويقصدون بها العيش الشمسى الذى لا يفارق موائد بيوت أهل الصعيد..

ويعتبر العيش الشمسى من العلامات المميزة لأغلب محافظات الصعيد، بل إنه يعدُّ جزءا من التراث الصعيدي، وهناك مقولة منتشرة بين كبار السن فى محافظات الصعيد خاصة فى نجوع قنا عن العيش الشمسى وهى: لقد ورثنا هذا العيش عن أجدادنا كما ورّثونا الأرض والعادات.

بل كان الرجل فى الصعيد لا يتزوج من فتاة إلا بعد أن تتعلم طريقة صنع وخبز العيش الشمسى قبل الزفاف، وزادت معدلات اعتماد الأسر الريفية عليه، بدلاً من اللجوء إلى المخابز وسط الزحام خصوصاً خلال جائحة كورونا..

إن أجمل ما فى صناعة الخبز الشمسى أن كل امرأة تبذل كل ما فى وسعها حتى يخرج بشكل تفتخر به إذا ما قورنت بباقى قريناتها من نساء المنطقة أو العائلة، لذلك يجهز بروح تملؤها البهجة والحماسة والعطاء.

والعيش الشمسى الذى يتميز بحجمه الكبير، تتم صناعته من القمح الكامل، ومازال يعدُّ ويُخبز بنفس الطريقة التى كان الفراعنة يصنعونه بها منذ ٣ آلاف سنة، ويمر خبزه بست مراحل، وهى تحليل الدقيق، وإعداد الخميرة وتبدأ بالتخمير، وفيها يجرى تنقية الدقيق من الشوائب و(الردة)، وبعدها يُخلط بقليل من الماء الساخن وخميرة (البرباسة)، ثم يغطى بإناء محكم، لتكتمل عملية التخمير من الليل وحتى الصباح. ثم تبدأ عملية العجين عبر وضع الماء على الخميرة، ثم العجن، والتقطيع، والتشقيق أو التشريك، والتقليب، وأخيرًا الرص، ويستغرق الأمر يومين كاملين، قبل أن يبدأ اتقريص العجينب أى تقطيعه إلى قُرص صغيرة، ترص فى أطباق دائرية مصنوعة من الطين والورق ويطلق عليها اسم ادورةب وتوضع تحت أشعة الشمس حتى يأخذ الخبز الخميرة النهائية من ضوء الشمس، وتحرص السيدات خلال هذه المرحلة على نقشه وتزيينه بواسطة شوكة لعمل خط دائرى حول قرص العجين. وفى المنتصف يُرسم الرقم 11 والخط الدائرى، وهو موروث فرعونى يرمز به إلى الإله (رع) الذى يوحى إلى قرص الشمس.

وفوائد العيش الشمسى لن تقل عن فوائد العنصر الأساسى فيه وهو القمح كما تقول االدكتورة مها جعفر..الأستاذ المساعد بكلية طب قصر العينى، حيث تضيف موضحة: إن فيتامين أ،هـ يجدد الدماء فى الجسم ويعطيه ما يحتاجه من سعرات حرارية وفيتامينات ومعادن، ويمنع فقر الدم وينقيه، وله دور فعال فى تهدئة السعال والزكام.

وللعيش الشمسى قصة طويلة تضرب بجذورها فى عمق العصور الفرعونية، كما يتضح على جدران المعابد الأثرية بمدينتى الأقصر وأسوان، ويطلق المصريون أسماءً عدة عليه، فيسمونه االروغفان الصعيديب، واالعيــــــش الشـمســــىب، واالعيــــــــش البــلــــدىب، واجــــــاتــــــوه الصعايدةب.

واالخبز الشمسيب أحد موروثات الطعام الفرعوني، فجدران المعابد ونقوشها تكشف أن المصرى القديم أول من عرف طريقة تخمير الخبز، الذى يختص بصناعته الكهنة، بوصفه طعاماً مقدساً يستخدم فى القرابين.

لقد نقش االمصرى القديمب على جدران المعابد طريقة العجن والتقريص بشكل دائرى كما هو عليه العيش الشمسى اليوم، ليقدم الخبز قرابين للإله (رع) معبود الشمس لدى القدماء المصريين، علما بأن الخبز فى مصر الفرعونية تنوّعت ألوانه، فكان الدقيق يُخلط بالتوابل والملح، وأحياناً أخرى يُخلط بالبيض والزبد، بل ويُحشى باللحوم والخضراوات.. ولا تخلو مائدة فرعونية وإلا ويتقدمها الخبز، كونه طعاماً مقدساً لدى الآلهة طبقاً لمعتقدات المصرى القديم، وخلال أغلب اكتشافات المقابر الملكية بوادى الملوك والملكات بمدينة الأقصر كان يعثر بالمقابر على كميات كبيرة من الخبز التى تشبه بشكل كبير جداً الخبز البلدى الصعيدي.