مجمع اللغة العربية بين الأغلبية و«الأوليجارشية»!

الكاتب الصحفي عبدالهادي عباس
الكاتب الصحفي عبدالهادي عباس

يبدو أن علينا جميعًا أن ندفع ثمنًا فادحًا للانحيازات الثقافية، وتحويل مؤسساتنا العريقة إلى ساحات للصراع على الكرسي الذي لا تتناطح عليه عنزتان، كما تقول العرب؛ ففي الوقت الذي تسابق فيه القيادة السياسية الزمن لإصلاح الأوضاع الاقتصادية وتعمير صحرائنا بمدن الجمهورية الجديدة تُدابر بعض المؤسسات الثقافية تلك التوجهات وتنقض غزلها جميعًا في ردةٍ إلى غيابات المجهول ومتاهات الماتادور!  

أمس الإثنين كانت الجلسة عاصفة والاجتماع حاشدًا بمجمع اللغة العربية بالزمالك، حيث وقف "الخالدون" جميعًا موقفًا مُبهرًا على قلب رجلٍ واحدٍ، ربما للمرة الأولى، ليتفقوا مع كلمة د. عبد الستار الحلوجي المنافحة عن تاريخ المجمع وتراثه العريق، رافضين لما أدلى به د. صلاح فضل، القائم بعمل رئيس المجمع، لإحدى المواقع بأن المجمع إنما هو مجمع "الخامدين" وليس "الخالدين"، مواجهين إياه بأنه لم يفعل شيئًا طوال المدة السابقة، وأنه يتبرأ من مسئولياته التي اهتبلها غصبًا ويُلقي بالمسئولية على غيره؛ ومطالبين بضرورة فتح باب الترشح على المناصب الثلاثة: الرئيس، والنائب، والأمين العام، وإخطار وزارة التعليم العالي بذلك؛ والغريب أن القائم بعمل رئيس المجمع وافق على ذلك وأمر بإعلانه على الصفحة الرسمية للمجمع، ليكون كالتالي: "قرر مجلس مجمع اللغة العربية بالإجماع في جلسته المنعقدة اليوم الإثنين بتاريخ 20 رجب 1443هـ، الموافق 21 فبراير 2022م برئاسة أ.د صلاح فضل (رئيس المجمع)- قرر فتح باب الترشح لمناصب: (1) رئيس المجمع. (2) نائب رئيس المجمع. (3) الأمين العام للمجمع، لمدة أسبوع يبدأ من اليوم الإثنين ويُغلق باب الترشح في تمام الساعة الثانية عشرة ظهر يوم الإثنين 27 رجب1443هـ، الموافق 28 فبراير 2022م، على أن تجرى جلسة الانتخاب في جلسة يوم الإثنين 4 شعبان 1443هـ، الموافق 7 مارس 2022م".

عاد د. صلاح فضل ونكص على عقبيه، وحذف المنشور السابق وسحب موافقته، وأضحى وحده في مواجهة موج الأعضاء اللجب لتعود دائرة الصراع في "الخالدين" إلى الصفر، وليعلن أنه سينتظر مناقشة القانون الجديد في البرلمان؛ وهكذا يبقى الحال كما أرادت نوال!

في المراجع السياسية كتابات مستفيضة عن المفاضلة بين حُكم الأغلبية/ الديمقراطية، وحُكم الأقلية/ الديكتاتورية؛ ودائمًا ما يُبرر الدارسون رأيهم أنه حتى الديمقراطية ذات أخطاء وأخطار، ضاربين المثل بهتلر ومساوئ حُكمه النازي؛ ولكن الجهة المقابلة لا تقل خطورة ومساوئ، وهي سيطرة الأقلية، أو ما يُعرف بالقانون الحديدي للأوليجارشية، أو استبداد الأقلية، وهو مصطلح وضعه الألماني روبيرت ميكيل في كتابه الشهير عن "الأحزاب السياسية"، ويعني به سيطرة مجموعة صغيرة من المسئولين على اتخاذ القرارات المهمة وإن جاءوا بصورة ديمقراطية؛ فما بالنا لو رأى ميكيل ما يحدث في مجمع اللغة العربية الذي هو نافذة المصريين والعرب على لغتهم ونافذة اللغة على الثقافة، من سيطرة فرد واحد على الإدارة هناك دونما سند من القانون أو العُرف أو حتى الضمير الليبرالي المزعوم!  

وهنا يتساءل جمهور المثقفين عن موقف دولة رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي، من مجمع اللغة العربية، تلك المشكاة التي تستضيء بها مجامع باقي الدول العربية والإسلامية، وتُحرر قوانينها وفقه وعلى هدى ضوئه؛ "الخالدين" الذي دعمته الدولة المصرية منذ إنشائه: هل سيتدخل لإنقاذه وإمضاء قانونه ولوائحه، أم سيتركه يتحول إلى مجمع "الخامدين" كما وصفه القائم بعمل الرئيس؟!