سلامًا معلم الأجيال

لماذا كل هذا الحب؟

جلال دويدار
جلال دويدار

«غريب ارتباط أبناء الأخبار بالأستاذ جلال دويدار. حالة خاصة من الحب فى الصحافة المصرية!!»، تساؤل كنا دائما نسمعه من زملائنا بالمؤسسات الصحفية سواء خلال رئاسته لتحرير الأخبار وحتى رحيله، اليوم أعتقد أنه آن أوان إجابة مختصرة لهذا السؤال. فقد كان رئيس تحرير مختلفاً عن كل رؤساء التحرير وقتها. ربما كان أقساهم فى تعامله وعصبيته مع المحررين. لكن كان الأكثر حباً منهم جميعًا لأن قسوته كانت أبوية وعقوبته ظاهرية وعصبيته عفوية ووقتية. كنا نأمن جانبه لثقتنا فى عدله ومهنيته ومنطقية وأحقية عقوباته، فى وقت كانت قرارات معظم أو كل رؤساء التحرير الآخرين مع احترامنا الشديد لهم تطيح وتتلاعب بمرءوسيهم بين السماء والأرض وبعضها لأسباب شخصية ليست مهنية أو منطقية، وتكتشف أن شدته فى إطار حسم وحزم يحافظ على كيان الجريدة الأهم بمصر وفى كل هذا حكايات تروى منا جميعا.
أما عن تواضعه فحدث ولا حرج فى زمن كان رئيس تحرير جريدة بحجم الأخبار يعلو ربما على أعلى المناصب الحكومية. ومثلا فى الوقت الذى كان المطار يهتز لسفر أو قدوم رئيس تحرير وصالة كبار الزوار تفتح وجيش موظفين يسعى لإنهاء إجراءاته إلا أن زملاءنا بمكاتب المطار من كل الصحف يفاجأون بأستاذ جلال فى آخر الصفوف أمام الشبابيك ينهى إجراءاته مثل الجميع رافضا حتى مساعدة أحد فى حمل حقائبه رغم كبر سنه ومكانته، ورغم الأبواب التى كانت موصدة أيضا بين رؤساء التحرير جميعا ومحرريهم وجيش من السكرتارية يحول بينهما، كان مكتبه مفتوحا لأصغر محرر قبل أكبرهم و لم نجد غضاضة أن نحادثه مباشرة ولو فى منزله ونحن أصغر محررين لإبلاغه أو سؤاله عن أى شيء ويجيب بلا أى امتعاض.
وعن حبه لمهنته وإيمانه بها وبقوتها ورسالتها تكتب مجلدات. لم يخف أحدا، ولم يخش فى الحق لومة لائم، وكم منع اسم وصور مسئولين تهتز لهم جبال لمجرد تجاوزه او مسئولين بوزارتهم فى حق صحفى ولو تحت التمرين بالجريدة، علّمنا أن الصحافة رسالة وأمانة ومسئولية، علمنا معنى الصدق فى نقل الاحداث جلها وصغيرها، علمنا أن ننحاز للمواطن البسيط، وأن نسعى وراء الاحداث التى تهم المواطنين لا الحكام، أن نحترم الكلمة حتى يثق بنا القارئ، وأن يكون ولاؤنا وانتماؤنا لجريدنا ومهنتنا ووطننا لا غيرهم، وهذا ما أستطيع أنا وبعض زملائى الحديث عنه بكل ود وإجلال، فقد التحقنا بكلية الإعلام والغموض يحيط بمستقبلنا لما نسمعه عن الوساطة وغيرها فى الالتحاق بالصحف، وإذا بالأستاذ جلال يطلب من أستاذنا الراحل العظيم الدكتور فاروق أبو زيد اختيار مجموعة منتقاة للإلتحاق بالأخبار ويختار أستاذنا وصديقنا د. هشام عطية أستاذ الإعلام أول مجموعة لنلتحق بالجريدة وتتكرر التجربة عدة مرات من الأستاذ جلال ويثبت حسن وفطنة تصرفه بوجود أغلب المختارين بلا وساطة فى صدارة المشهد الصحفى حاليا.
أما وطنيته فسيذكرها تاريخ الصحافة إثباتا لقوتها ورسالتها، ويكفى موقفه التاريخى من الغزو الأمريكى للعراق عندما كانت الأخبار ترفع على الرأس بينما يتم تمزيق الصحف صاحبة المواقف المائعة، وموقفه فى مواجهة محاولات الحزب الوطنى التلاعب بنتائج الانتخابات البرلمانية فى عز سطوة جمال مبارك لن تمحى وغيرها كثير وكثير.
لهذا كله وغيره كثير كان هذا الحب من جميع الصحفيين وليس أبناء الأخبار فقط لجلال دويدار الاب والاستاذ والمعلم والملهم رحمه الله وعوضنا فى دارنا الحبيبة عن خسارتنا الكبيرة بفقده.