حديث الاسبوع

هل نحسن استثمار حسابات ورهانات الكبار؟

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

عبدالله البقالى

القمة الأوروبية، الأفريقية التى احتضنتها العاصمة البلجيكية بروكسيل قبل أيام قليلة من اليوم ليست معزولة عن مخططات استراتيجية ترتبط بالمنافسة، حتى لا نقول بالصراع على مناطق النفوذ فى العالم، وخصوصا على قارة أفريقيا التى تعتبر المنطقة الأكثر استقطابا للأطماع السياسية والاقتصادية للقوى العظمى فى العالم، بالأخص بين الاتحاد الأوروبى والصين واليابان وروسيا و تركيا، التى تتناوب جميعها على تنظيم اجتماعات و قمم دورية مع الاتحاد الافريقى الذى يضم فى عضويته جميع الدول الأفريقية.

وتفسير ذلك يتمثل فى أن القارة السمراء تتميز بالآفاق الاقتصادية الواعدة. فهى من الناحية الجغرافية تصنف ثانى أكبر قارات العالم بعد قارة آسيا من حيث المساحة بما يمثل 20 بالمائة من المساحة الإجمالية لليابسة، و تغرى هذه المساحة بإمكانيات استثمارية هامة ووازنة، و تمثل هذه القارة سوقا استهلاكية كبيرة جدا، بمجموع سكان يناهز مليارا ونصف المليار نسمة، والأكثر من ذلك وبالنظر إلى الخصاص و العجز الكبير الذى تعرفه هذه القارة فى مختلف القطاعات و فى شتى مجالات الحياة، فإن القوى العظمى ترى فى هذا المعطى مصدر إغراء كبير يوفر ضمانات كبيرة لتحقيق أرباح مالية طائلة. ناهيك عن حقيقة أن القوى الغربية تتابع باهتمام كبير التطور الاقتصادى المذهل الذى حققته العديد من الأقطار الأفريقية خلال السنوات القليلة الماضية، وكانت أبرز معالم هذا التطور الارتفاع المتواصل فى معدلات النمو السنوى فــى العديد مــن الــدول الافريقيــة والــذى تجاوز فــى بعض هــذه الأقطار نسبــة 6 بالمائة، و هو معدل عجزت الكثير من الدول الغربية عن تحقيق نصفه. كما أن هذه القوى تنتبه بتركيز كبير إلى التطور الاقتصادى الذى حققته العديد من الدول الأفريقية، خصوصا ما يتعلق بالبنية التحية والتصنيع والفلاحة. لذلك فإنه حينما يقرر الاتحاد الأوروبى أو غيره تنظيم اجتماعات وقمم دورية مع مجموع الدول الأفريقية، فإنهم لا يفعلون ذلك من أجل سواد عيون أو بشرة سكان هذه القارة السمراء، بل خدمة لأجندات اقتصادية و سياسية ترتهن إلى حسابات استراتيجية محددة بدقة متناهية.


الأكيد أن القوى الغربية برمتها مهووسة إلى حد القلق بتمدد النفوذ الصينى فى أدغال القارة الأفريقية، لذلك لم تخف رئيسة المفوضية الأوروبية السيدة أوروزولا فون دى لاين هذا الهوس حينما أعلنت قبل يومين من انعقاد القمة الأوروبية الأفريقية الأخيرة عن إرادة الاتحاد الأوروبى تعبئة مبلغ مالى ضخم تصل قيمته إلى 172 مليار دولار لتمويل استثمارات أوروبية فى القارة الأفريقية عبر برنامج (جلوبال جيتواي) الذى يهدف، حسب منطوق هذه المسئولة الأوروبية، إلى (ربط التكتل ببقية دول العالم ومنافسة برنامج الصين المتمثل فى طريق الحرير) وهو البرنامج الذى نعلم أن بكين ضخت من أجله ملايين الدولارات لتمويل مشاريع تهم البنية التحية فى العديد من دول العالم، ومن ضمنها كثيرمن الدول الأفريقية.


ومن المرجح فى هذا الصدد أن القوى الغربية متوجسة كثيرا من معطيات متعددة تعتقد أنها ترجح كفة التنين الصينى فى تحقيق اكتساح اقتصادى قوى فى القارة السمراء، وفى مقدمة مخاوفها اعتقادهم أن حكومات و شعوب القارة الأفريقية يميلون إلى تنويع شركائهم والبحث عن شركاء جدد يحترمون خصوصياتهم الثقافية والاجتماعية، بعدما جربوا شركاء غربيين عانوا معهم من خيبات كثيرة ومتعددة تجلت فى مظاهر الاستعمار الغربى للعديد من الأقطار الافريقية، حيث استنزفت الخيرات، واستعبدت البشر، وواصلت الاستنزاف بعد تحقيق الاستقلال الذى كان فى كثير من حالاته مشروطا بمواصلة نهب الثروات. وتدخلوا فى الأوضاع السياسية الداخلية، لأنهم كانوا و مازالوا يربطون بشكل وثيق بين تحقيق المصالح الاقتصادية وفرض التربة والظروف السياسية التى تسمح بتحقيق هذه المصالح بأقل تكلفة ممكنة. ولذلك فإن عنصر الثقة فى الشراكات الاقتصادية المقبلة بالنسبة للقارة الأفريقية سيكون حاسما يستند إلى الاحترام المتبادل والتخلص من مظاهر الاستعلاء وتحقيق معادلة رابح ـــــ رابح بين الجانبين. ولعل التنين الصينى يلعب بذكاء خارق على جميع هذه المعطيات، فهو متحرر من أى ماض سيئ الذكر مع أقطار القارة الأفريقية، وليست له سوابق فى استغلال ثراء هذه القارة، حد الاستنزاف و النهب، كما ينأى بنفسه عن التدخل فى الشئون السياسية الداخلية للدول الأفريقية، وأنه يعرض شراكات الربح المتبادل. لذلك ما أن ولجت الصين الشعبية نادى الكبار حتى ولجت مرحلة التنافس والبحث عن أسواق جديدة مستوردة للمنتوجات ومصدرة للمواد الخام التى يحتاجها الاقتصاد الصينى الضخم. وركزت على القارة الافريقية كوجهة رئيسية واعدة لما تمتاز به من مؤهلات طبيعية و لما تكتنزه من ثروات ضخمة من معادن ثمينة و مصادر طاقة كبيرة وغير ذلك كثير.
لا اعتراض على وجود احتدام قوى بين القوى الاقتصادية الكبرى فى العالم فى تنافسها و صراعها من أجل كسب ود حكومات وقادة دول القارة الافريقية .فهذا التنافس يجب أن يمثل مصدر قوة للقائمين على شئون الحكم فى إفريقيا، لأن التنافس يتيح التعدد فى الاختيار بين كل هذه العروض السخية التى يبديها المتنافسون، و هذا ما يحتم الدعوة إلى الاستثمار الإيجابى لهذا المعطى الهام. أولا عبر التفاوض ككتلة أفريقية موحدة و عدم فسح المجال للقوى المتنافسة للاستفراد بالدول الأفريقية كل واحدة كفريسة وحيدة ومعزولة، ثم عبر التحصن فى قوة تفاوضية ترتكز إلى الإدراك بأن هذه القوى الاقتصادية الكبرى هى التى تحتاج اليوم، و فى ظروف وأجواء جديدة إلى أفريقيا أكثر من احتياج هذه الأخيرة إليها، لأنه لو كان العكس، ما كانت هذه القوى تعقد كل هذا الرهان على القارة الافريقية وتضطر إلى الدخول فى منافسة حقيقية و قوية مع قوى اقتصادية كبرى مزاحمة لها، ومشكلة لأخطار حقيقية على مستقبل مصالحها.
< نقيب الصحافيين المغاربة