التنظيم يعيد صفوفه فى سوريا والعراق ويتمدد فى الساحل الأفريقى وأفغانستان

عــودة الدواعـش| التنظيم يعيد صفوفه فى سوريا والعراق ويتمدد فى الساحل الأفريقى وأفغانستان

دواعش أفريقيا
دواعش أفريقيا

خالد حمزة

فى تطور لافت.. أعلن الرئيس الأمريكى جوبايدن، مقتل زعيم تنظيم داعش أبو إبراهيم القرشى، والمفاجأة ليست فى مقتله، فقد سبق لأمريكا أن أعلنت مقتل أكثر من زعيم للتنطيم، ولكن المفاجأة كما أعلنتها صحيفة واشنطن بوست وصحف أمريكية أخرى، هى أن القرشى عمل مُخبراً للجيش الأمريكى فى العراق، ونفذ وفقا لمسئول أمريكى العديد من العمليات، وأفشى أسرار التنظيم، مقابل إطلاق سراحه من السجن. 
 

الإعلان عن مقتل القرشى، جاء بعد عودة الدواعش للواجهة فى أماكنهم التقليدية بسوريا والعراق وعلى الحدود التركية، وفى التمدد لمناطق جديدة فى أفغانستان والساحل الأفريقى، ليطرح التساؤلات حول داعش ومن يحركها، والأسباب الخارجية لوجودها بين حين وآخر، رغم تأكيدات أمريكية وعراقية ودولية، بأن التنظيم قد بات فى طى النسيان.


مقتل القرشى، جاء بعد تهريب سجناء من التنظيم من سجن غويران فى محافظة الحسكة شرق سوريا والاتجاه بهم نحو العراق، حيث جرى تسليحهم على الحدود، والمخطط هو القيام بعمليات إرهابية، والهجمات أظهرت فقدان الحاضنة الشعبية له، وعدم القدرة على الاحتفاظ بالمواقع المسيطر عليها، ليتحول لعصابات، وتجميد فكرة التمدد بالاستيلاء على المزيد من الأراضى.


ما حدث نفى كذبة القضاء على داعش، وأنه دُحر تمامًا، وإنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإيران، لا تختلف الحاجة إلى داعش عن الحاجة إلى الحشد الشعبى أو حزب الله أو الحوثيين، فالفوضى هى الهدف، لأنه وببساطة التنظيم لا يستطيع القيام بخطوة داخل أى منطقة فى سوريا، دون ضوء أخضر، كما أن ميليشيات قسد أو قوات سوريا الديمقراطية الكردية وحليفها الأمريكى، حريصون كل الحرص على عدم التفريط بورقة الإرهاب، ويتخذونها سبباً لإبقاء المنطقة سواء شرقى سوريا أو العراق، رهينة لفزاعة داعش، ولذا هناك استغلال إعلامى، لتصوير كيف نجحت قوات سوريا الديمقراطية بدعم أمريكى، فى تحرير سجن الحسكة من مقاتلى داعش، إضافة للاستثمار السياسى لتنظيم داعش، من قوى عراقية، لاستعادة مكانتها السياسية التى خسرتها فى الانتخابات الأخيرة.


على الأرض، شهدت بعض المدن العراقية والسورية مؤخرا، تحركات وعمليات لعناصر التنظيم، تزامنت مع تحذيرات دولية وأممية من تجميع التنظيم صفوفه من جديد فى البلدين وفى مواقع أخرى، يديرها عبر شبكات دولية وإقليمية، وباستحداث مصادر جديدة للتمويل والدعاية، والاعتماد أكثر على المواجهات غير المباشرة، وهو ما برز فى محاولات إرهابيى داعش للعودة بالهجوم على نقاط تفتيش أمنية، واغتيال عناصر بالمدن العراقية.


كما يستفيد التنظيم من وجوده بالعراق وسوريا كما تقول صحيفة الجارديان البريطانية، فى إيجاد مصادر للتمويل من دول فى آسيا وأفريقيا، وأموال الفدية التى يحصل عليها من عمليات الخطف، كما تطور التنظيم إعلاميا، بقنوات جديدة على التليجرام وتويتر، للترويج لأفكاره، وأطلق فى فترة جائحة كورونا معارك استنزافية.


وهناك مناطق جديدة أصبح يوجد فيها داعش بقوة، مثل منطقة الصحراء والساحل بأفريقيا، بعد خساراته المتوالية فى الشام، خاصة فى المناطق التى تعانى أوضاعا أمنية واقتصادية هشة، كما أعاد التنظيم نشاطه فى آسيا، كما فى فرع التنظيم فى خراسان، ومايزال الفرع المحلى لـداعش فى أفغانستان، أكبر تهديد على أمنها، وتنفيذ العمليات فى كشمير، فى المنطقة الحدودية بين الهند وباكستان، إضافة لأسباب أخرى ستزيد من قوة التنظيم والتنظيمات المتطرفة، أبرزها انسحاب قوات التحالف الدولى والقوات الأمريكية من العراق وأفغانستان.


وتتوزع داعش على عدة بؤر فى عدد من القارات، تدار عبر شبكات واستحداث مصادر جديدة للتمويل والدعاية، مع الاعتماد أكثر على حرب الأشباح أو الاستنزاف، وترتبط عودة التنظيم بأمرين: الأول يتعلق بتمركز بقايا التنظيم فى مناطق بالعراق وسوريا، وعلى حدود التماس بين الحدود السورية - الأردنية، والثانى يتمثل فى عدم اعتماده على الإقامة فى دول محددة، خاصة بعد طرده من سوريا والعراق وفشله فى الاستقرار فى مناطق بديلة لها، مما دفعه للانتشار فى بؤر متعددة.


داعش لن يعود هذه المرة بشكله القديم، فيما يتعلق بإعلان دولة خلافة وتأسيس مقر ثابت ومستقر، بل تفضل عناصره التواجد فى نقاط التماس ومناطق جنوب الساحل والصحراء فى أفريقيا وغرب ليبيا، ليحصل على دعم التنظيمات الإرهابية الأخرى المرتبطة به فكريا، وتسيطر على تلك المناطق مثل تنظيم بوكو حرام فى نيجيريا، وتكتيك داعش استغل مرحلة ما بعد الهزيمة للتحرك بحرية، بعد اختفاء أعباء إدارة المدن، التى وقعت تحت سيطرته.


وفى العراق، لجأ داعش إلى استنزاف الاقتصاد، باستهداف المنشآت الكهربائية والنفطية والضغط على الحكومة، وتشتيت قواتها ما بين الحرب ضده، والبحث عن حلول للأزمات، إضافة إلى تلميحات قادة التنظيم باستهداف السجون، مما يشير إلى خطته لإحداث فوضى، وكل ذلك يؤكد أن تهديدات داعش لم تنته، فقد ظهر التنظيم فى منتصف 2014، وأخذ بالانتشار السريع ليبسط سيطرته على رقعة جغرافية واسعة. ضمت ثلث مساحة العراق فى الجهات الشمالية والغربية، ونصف مساحة سوريا فى الجهات الشمالية والشرقية، وهى مناطق تحتوى على ثروات معدنية من النفط والغاز، وعلى أراضٍ زراعية خصبة، ونسبة كبيرة من سكان العرب السنة.


مثل هذه القوة المحدودة عددا وعتادا، لم يكن بمقدورها أن تتحول إلى هذا المستوى، دون دعم، فمن أين للدواعش هذه الاستمرارية القتالية؟ وكيف حافظوا على هجمات "اضرب واهرب" طوال هذه الأعوام؟.. الأسئلة كثيرة.. والأجوبة عند واشنطن وطهران وفرنسا بوجه خاص، فداعش هو نتاج ما كانت تعتقده واشنطن فى دبلوماسيتها الدولية، بإقامة التوازن بين السنة والشيعة بالمنطقة، ووجود إيران فى العراق وسوريا، سبب مهم لظهور داعش وصعوده، لكن الأمر نفسه ينطبق على الوجود العسكرى الأمريكى - كما ترى مجلة فورين أفيرز الأمريكية - فإدارة جورج بوش أخطأت فى غزو العراق، لأنها أسهمت فى تعاظم القاعدة، وإدارة باراك أوباما أخطأت فى الانسحاب منه، لأنها أسهمت فى ولادة داعش.


تطور الأوضاع فى كلٍ من العراق وسوريا، يكشف عن كيفية تعامل إيران مع ملف داعش، فبعد أن انحسر دور التنظيم فى كلٍ من الأراضى العراقية والسورية، عاد وبقوة فى البلدين، وذلك عقب توتر العلاقات بين واشنطن وطهران على خلفية الانسحاب من الاتفاقية النووية، واحتمالات استئناف العقوبات الأمريكية، وكأن النظام الإيرانى أراد أن يبعث برسالة قوية إلى العالم وأمريكا، تقول إن إرهاب داعش لا يمكن القضاء عليه إلا بالتعاون معه، وهناك سيناريو مشابه يحدث فى دول الساحل الأفريقى، حيث فوجئ العالم بانسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، وترك الدول الأفريقية الخمسة "بوركينا فاسو وتشاد ومالى وموريتانيا والنيجر"، تحت رحمة الجماعات الإرهابية وأبرزها داعش، فقد أعلن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الانسحاب التدريجى لقوات بلاده من الساحل الأفريقى، وانتهاء عملية برخان لمكافحة الإرهاب بالمنطقة.


ومنذ عام 2013 والمجتمع الدولى يقدم دعما عسكريا ضخما لدول منطقة الساحل، بجانب نشر أعداد من القوات لمواجهة الجماعات الإرهابية، وبغض النظر عن الخسائر الكبيرة التى ألحقتها قوات عملية برخان بصفوف الدواعش وأخواتها، فإنها زادت قوة، ومع انتهاء عملية برخان، هناك خوف حقيقى من انهيار دول الساحل، تحت نيران داعش طمعا فى مواردها النفطية والتعدينية الهائلة، ليتكرر المشهد الأفغانى، خاصة مع تزايد أعداد المقاتلين لدى الجماعات الإرهابية وقدرتهم العسكرية، كما أن تلك التنظيمات تقف وراءها بعض دول المنطقة.