الإيجار القديم .. شرخ اجتماعي عمره 102 سنة

ملف الإيجار القديم
ملف الإيجار القديم

كتب: أحمد الإمام
تصدت الحكومة المصرية في السنوات الاخيرة لعشرات الملفات الصعبة التي كانت تحجم الحكومات السابقة في عهود ماضية عن التصدي لها انطلاقًا من مبدأ «ابعد عن الشر وغني له» ولم تجد الحكومات المتتالية مبررًا لوضع ايديها في عش الدبابير.


وللأمانة وحتى نكون منصفين لا يجب أن نلقي اللوم على هذه الحكومات التي ربما لو وجدت الإرادة والرغبة الحقيقية عند القيادة السياسية في تلك العهود الماضية لاقتحمت هذه الملفات منذ سنوات وبحثت عن حلول للمشاكل المزمنة والعالقة منذ عقود طويلة، ولكن الصورة اختلفت مع حكومة الدكتور مدبولي ومن أهم الملفات التي قررت الحكومة فتحها مؤخرًا بجدية ملف الإيجار القديم، وهي قضية شائكة منذ أكثر من 100 سنة وتبحث عن حل سحري ينصف الملاك ولا يظلم المستأجرين.

 

ألقى السفير نادر سعد المتحدث باسم رئاسة الوزراء، حجرًا ثقيلا نجح في تحريك المياه الراكدة منذ سنوات عندما أعلن منذ أيام قليلة عن نية الحكومة في حل أزمة الإيجار القديم القائمة منذ سنوات طويلة مؤكدًا أن الحكومة المصرية تسعى منذ توليها مقاليد الأمور لحل العديد من المشكلات القديمة وتقديم حلول جذرية، مشيرًا إلى أن الحكومة سعت لإيجاد توازن في العلاقة بين المالك والمستأجر، موضحًا أنها مشكلة ملحة، والحكومة قررت التصدي لتلك المشكلة، وسيتم إجراء مناقشات بين الحكومة والبرلمان من خلال اللجنة التي شكلها رئيس مجلس الوزراء للاتفاق على مشروع قانون، مضيفًا خلال تصريحاته، في أكثر من برنامج تليفزيوني: «هذا القانون بعد أن يتم الاتفاق عليه سيتم طرحه من أجل الحوار المجتمعي، والموضوع معقد ولكنه ليس مستحيلا على الحل، والحكومة لديها إرادة قوية لحل تلك المشكلة المزمنة».


وتابع: «هناك مشروع قانون جاهز، وسيتم طرحه بصفة استرشادية على اللجنة التي تم تشكيلها، وهناك مشروعات قوانين أخرى سواء من مجلس النواب الحالي أو السابق، وهناك غزارة في مشروعات القوانين، ورئيس الوزراء شدد على ضرورة وجود فترة انتقالية آمنة لإعطاء فرصة جيدة للمستأجرين في القانون القديم».


وعقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اجتماعا الاسبوع الماضي ؛ لمتابعة ملف الإيجارات القديمة؛ بهدف الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر، وذلك بحضور المستشار عمر مروان، وزير العدل، واللواء محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية، والدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، مضيفًا تصلنا شكاوى عديدة والكثير من المطالب المتعلقة بقضية الإيجارات القديمة والتي تطلب إيجاد حل لهذه المشكلة، وفي هذا الصدد، فإننا نستمع إلى كثير من الخبراء والمختصين، وكذا لدينا دراسات متعددة حول هذا الأمر. 


وأكد رئيس الوزراء ضرورة تحقيق التوازن بين أطراف العملية الإيجارية، بهدف الوصول إلى صيغة عادلة، وفي الوقت نفسه مراعاة البعد الاجتماعي، وخلال الاجتماع، كلف رئيس الوزراء بتشكيل لجنة مشتركة من الجانبين بهدف العمل على صياغة مشروع قانون، يتم طرحه أولا على الرأي العام، بهدف إجراء حوار مجتمعي بشأنه، قبل إقراره من البرلمان، مضيفًا «نحن نحتاج إلى التوافق على أهمية إعادة التوازن بين الملاك والمستأجرين، وتأكيد مراعاة الشرائح الاجتماعية الأكثر احتياجًا في هذا القانون، بحيث تتم إتاحة فترة انتقالية لتوفيق الأوضاع، ودراسة المعايير الجديدة التي سيحدد على أساسها إعادة التوازن، لافتًا إلى أن هذه هي المبادئ التي يمكن العمل عليها».


صرخة الملاك

يرى الملاك أن القوانين المصرية لم تشهد خلال القرن الماضي قانونًا ظالمًا ومتعسفًا مثل قانون الإيجار القديم الذي انحاز للمستأجرين  بشكل جائر على حساب الملاك وقدم لهم كل الضمانات والأسانيد التي جعلت من الشقة المؤجرة ملكًا أبديًا لهم ولأولادهم وأحفادهم من بعدهم يتوارثونه جيل بعد جيل.. وتجاهل هذا القانون كل حقوق المالك الذي لم يعد يملك شيئًا سوى حفنة جنيهات يلقيها اليه المستأجر أول كل شهر.
قانون الايجارات القديم ظهر للوجود لأول مرة منذ 101 سنة وتحديدا في عام 1920 وحمل الرقم 11 ، ومنح هذا القانون كل الحقوق للمستأجر ونزع كل الحقوق عن الملاك.


والغريب ان كل القوانين التي صدرت بعد ذلك كانت كلها في صالح المستأجر مثل القانون رقم 151 لسنة 1941 الذي قضى بمنع الملاك من زيادة القيمة الإيجارية، وامتداد العقود تلقائيًا لمنع طرد المستأجرين.


وتوالت القوانين بعد ثورة 1952، وجميعها كانت تهدف لتخفيض القيمة الإيجارية ، منها «القانون 199 لسنة 1952 « والذى نص على خفض القيمة الإيجارية بنسبة 15% للوحدات التى أنشئت من أول يناير 1944 حتى 18 سبتمبر 1952 وكذا القانون 55 لسنة 1958 للخفض بنسبة 20% على الأماكن المنشأة من 18 سبتمبر 1952 حتى 12 يونيو 1958 ، والقانون رقم 168 لسنة 1961 الذى خفض الايجارات بنسبة 20% على إيجارات الأماكن المنشأة منذ 12 يونيو 1958 حتى 5 نوفمبر 1961.


بطبيعة الحال عندما أصدر المشرع هذه القوانين انحاز للمستأجر باعتباره الطرف الاضعف في المعادلة وأراد أن يحميه من جشع الملاك ومبالغتهم في تحديد وزيادة القيمة الإيجارية، ولكن المشرع بالغ في انحيازه للمستأجر على حساب المالك حتى اختلت المعادلة وصار المالك هو الطرف الاضعف وأصبحت القيمة الايجارية الثابتة بلا قيمة ، ويكفي للتدليل على ذلك ما قاله القطب الوفدي الراحل ياسين سراج الدين في لقاء تليفزيوني مع الكاتب الصحفي مفيد فوزي في أوائل التسعينات انه يقيم في شقة تضم 6 غرف وريسبشن و3 حمامات في جاردن سيتي ويدفع 15 جنيها فقط ايجارًا شهريًا.


اختلت المعادلة وأصبح معظم المستأجرين يمتلكون شقق أخرى ولكنهم ظلوا محتفظين بالشقق المستأجرة التي لا تكلفهم سوى جنيهات زهيدة.
وهناك بالفعل بعض مشاريع القوانين التي أعدها بعض النواب ومن الممكن مناقشتها باستفاضة وإجراء حوار مجتمعي حولها للوصول إلى قانون عادل يرفع الظلم عن الملاك ويحافظ على حقوق المستأجرين، فلم يعد من الإنصاف أن نترك قانونا تجاوز المائة عام يجثم على الصدور ويكتم الأنفاس ويهدر الحقوق بهذا الشكل الجائر. 


اعتراض المستأجرين

وعلى صعيد المستأجرين يقول ميشيل حليم المستشار القانوني لرابطة المستآجرين انه أعد شكوى إلى مجلس الوزراء  بصفته وكيلا بموجب توكيلات رسمية عن المستأجرين سكني وتجاري.. جاء فيها عهدنا في  قرارات مجلس الوزراء الالتزام بالدستور والقانون فنحن دولة قانون ومؤسسات ، وماطرح للمناقشة بادخال الوحدات السكنية والمحلات التجارية ضمن القانون الخاص بالاشخاص الاعتبارية مخالفا لأحكام الدستور ولا ينال من ذلك حديثكم عن الفترات الانتقالية فبعد حكم الدستورية لعام ٢٠٠٢ بامتداد العلاقة الإيجارية لمرة واحدة وبشروط حددها حكم المحكمة الدستورية العليا فكيف يأتي قانون يحكم بطرد من حكمت له الدستوريه العليا بحق الامتداد ولو بعد فترة انتقالية ؟؟؟ 


وكيف نعود للحديث عن هذا الامر مرة ثانية بعد أن قتل بحثا وكانت رحمها الله المستشارة تهاني الجبالي قد ألقت كلمتها في هذا الشأن ألا يجوز صدور قانون مخالف لحكم فصلت به المحكمة الدستورية فسيكون مآله هو عدم الدستورية.


 ثانيا حكم الدستورية الصادر في مايو ٢٠١٨ بإنهاء العلاقة بشأن الأشخاص الاعتبارية فهو كفيل لحل الازمات المفتعلة من الجمعيات الخاصة بالسادة الملاك وانتهى الحكم بتكليف مجلس النواب بإعداد قانون خاص بإنهاء العلاقة الإيجارية للاشخاص الاعتبارية دون السكني او التجاري الطبيعي مسببًا ذلك بتعرض المستأجر الاعتباري لحق الملكية وإلى تاريخه لم يصدر قانون خاص بالأشخاص الاعتبارية ودراسة التطبيق أولا في ضوء ذلك ومدى تأثير ذلك على الاقتصاد المصري قبل تطبيقه بشكل مخالف للدستور على المحلات التجارية والوحدات السكنية الامر الذي يخالف المبادئ الفقهية بعدم رجعية القوانين وكان تطبيق القانون بأثر رجعي من شأنه التأثير بالسلب على الاقتصاد المصري وتغير وجهة الرأي لدى العديد من المستثمرين بمصر ونضيف إلى ذلك أن كثرة الشائعات التي سبق وروجها البعض ونفتها وزارة العدل بشأن إدخال المستأجر الطبيعي ضمن قانون الاشخاص الاعتبارية كان من شأنه اضطراب في عمل الكثير من التجار وهو أمر إن شاع بين القطاعات الصغيرة  قد يضير بالاقتصاد بشكل عام.


يذكر أن الكثير من مستأجري المحلات التجارية بالمناطق الحيوية بوسط البلد بالقاهرة والاسكندرية والمحله الكبرى وبورسعيد كانوا قبل صدور قانون الإيجار الجديد في فترة الرواج خلال التسعينات قد دفعوا مقدمات تصل لمليون جنيه بنية بقاء تجارته واستقرارها. 


ثالثا وعن مستأجري الوحدات السكنية القدامي وإن كان اتجاه الدولة في مبادرة حياة كريمة هي أن تكفل الاستقرار اولا فكيف يصدر قانون يحدد فترة انتقالية لطرد مطلقه امتدت لها العلاقة الايجارية من بعد وفاة والدها المستأجر الاصلي وإن كانت الدولة قد حرصت عليها بصرف معاش خاص بالمطلقة فكيف يتم مناقشة قانون يطردها من مسكن استقرت به وحكمت لها الدستورية العليا بحق الامتداد.


 كما أن سياسة الدولة قد حرصت في الآونة الاخيرة على حياة افضل لأصحاب المعاشات من كبار السن وزيادة ملحوظة في صرف المعاشات لم تشهدها الدولة قبل ذلك العصر فكيف نناقش قانونا يطرد المستأجر الاصلي من كبار السن ولو بعد فترة انتقالية كما ذكرتم فقد كانت الدولة حريصة على استقراره ومراعاة علاجه ومعاشه وكذا الزوجة المسنة بعد وفاة زوجها المستأجر الأصلي وكيف يعود المسافر في عمله  لبلاده وهو تحت رهن فترة انتقالية ويقال إن شقته كانت ضمن إحصائيات الشقق المغلقة وكم من حالات جميعها تحت حماية حكم المحكمة الدستورية التي كفلت لهم الاستقرار في السكن.