فى الصميم

كل الرهانات الخاطئة سقطت وبقى رهان عربى واحد!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

رهانات كثيرة تسقط مع احتدام الصراع بين القوى الكبرى وعودة أجواء الحرب الباردة. والعودة لحديث التهديدات العسكرية والعقوبات الاقتصادية كما رأينا فى أزمة أوكرانيا التى يحاول الجميع محاصرتها.


الذين راهنوا على أن النظام الدولى الذى حكم العالم منذ الحرب الثانية قادر على تجاوز أزماته، يدركون الآن أن النظام الذى كانت أمريكا تقوده وتهيمن عليه يقترب من نهايته، وأن ميلاد نظام عالمى جديد يقوم على التعددية أصبح ضروريا لكنه يواجه مصاعب الميلاد وصعوبة الطريق فى ظل محاولة أمريكا الإبقاء على سيطرتها، والصعود الهائل للقوة الصينية، والعودة القوية لروسيا التى تريد أن تترجمها إلى مشاركة فعالة فى قيادة أى نظام دولى قادم.


والذين راهنوا على أن مركز الصراع قد انتقل بعيدا عن منطقتنا وانتقل إلى الشرق الأقصى حيث ساحة المعركة الأساسية بين أمريكا والصين، يدركون الآن أن أوروبا مهددة بأن تكون ساحة صدام عالمى جديد، وأن الشرق الأوسط سيظل جزءا مهماً فى خريطة الصراعات الدولية والتنافس بين القوى الكبرى الذى سيشتد فى السنوات المقبلة.


والذين راهنوا على أن القوى الكبرى ستترك اللاعبين الصغار من القوى الإقليمية غير العربية لتتقاسم النفوذ فى المنطقة، وسارعوا لربط مصيرهم بهذه القوة الإقليمية أو تلك. يدركون الآن أن حساباتهم لم تكن صحيحة، وأن هذه القوى الإقليمية سيكون عليها أن تتفرغ لحماية أنفسها من تطورات قادمة فى صراع عالمى أكبر من قدراتها بكثير.


والذين راهنوا من خارج وداخل المنطقة - على استخدام قوى التطرف الدينى أو العرقى لإسقاط الدول وتدميرها خدمة لمصالحهم وفرضا لهيمنتهم، يدركون اليوم أن مخططاتهم قد فشلت، وأن جرائمهم لم تحقق لهم أمناً، وأن شعوب المنطقة لن تغفر ولن تسامح فيما جرى.


والذين وقفوا يوما يصفقون لغزو العراق يعرفون الآن حجم الخطيئة. كما يعرفها من استدعوا «الناتو» لتحرير ليبيا، ومن مولوا ميليشيات الإرهاب لتدمير سوريا، ومن تصوروا - ومازلوا - يتصورون أن الأمن والاستقرار يمكن تحقيقهما على يد الحرس الثورى الإيرانى، أو الميليشيات الأردوغانية،  أو الكيان الصهيونى!!


كثيرة هى الرهانات الخاسرة، وخطيرة هى التحديات التى تواجهها المنطقة إذا لم تستوعب الدرس، وإذا لم تتسلح بالوعى الكامل لمواجهة هذه التحديات برؤية استراتيجية تدرك أن العملاء الذين «بشرونا»، يوما بأن العروبة «خرافة»، هم أنفسهم الذين قادوا مخططات إسقاط الدولة وهم الذين تحالفوا مع الإرهاب ودعموا ميليشياته، وهم الذين تصوروا أن الأمان يمكن أن يأتى بالارتماء فى أحضان العدو!! وهم الذين يرون اليوم نتائج رهاناتهم البائسة!


كثيرة هى الرهانات الخاسرة التى لم يعد لها مكان بعد تجربة السنوات الأليمة، ومع تحديات أوضاع خطيرة تفرض نفسها على الجميع، ومع الحقيقة الأساسية فى مواجهة كل ذلك: لا بديل عن القوة الذاتية ولا أمان إلا فى ظل الدولة الوطنية، ولا مظلة إلا المظلة العربية حتى ولو كان البعض مازال لم يستوعب الدرس أو يمضى فى الطريق الخطأ!