لمعت سماء جزيرة الفرسان، حيث تلتقي بحيرة التمساح بالجزء الشمالي من قناة السويس، بأضواء وألوان ألعاب نارية، انطلقت من زورقين راسيين في قلب البحيرة، أمام مسرح الاحتفالية الفنية، في ختام مراسم يوم افتتاح القناة الجديدة.ومع بهاء الأضواء وزهو الألوان إلا أنها سرعان ما خبت وتلاشت بعد لحظات، وبمرور الوقت تراجع أثرها في النفس، وتواري في الوجدان، كذكرى بديعة، تستدعى كلما حل ذكرها.هذا ما لا نريده للطاقة المعنوية الهائلة التي تفجرت في نفوس المصريين، بفعل إنجاز ضخم ملموس ومنظور، حققوه بأيديهم وبأموالهم، وفي زمن قياسي، أثار انبهار أصدقاء بقدرة المصريين التي ظنوا أنها فعل ماض، وأثار إعجاب أشقاء ما تشككوا في مقدرة هذا الشعب على بلوغ ما يشاء حين يريد، وأثار أيضا قلق آخرين وهم يرون مخاض دولة حديثة على أرض مصر في وقت كانوا يراهنون على تفتت الدولة المصرية أو انهيارها!لا نريد لقوة الدفع التي تولدت من مشروع القناة الجديدة، وعبرت عن نفسها، بمشاعر ثقة في الذات وفخر بالانتماء وكبرياء وطني، ملأت نفوس المصريين وفاضت فرحة وحماسا في الميادين والشوارع والمنازل، أن تهدر دون استثمار أو تزول دون توجيه.الطاقة المعنوية- كأي طاقة- تتبدد في الفراغ، ما لم تضخ في محرك وتتحول إلى حركة لها نظام واتجاه وسرعة.وقوة الدفع تتوقف في المكان، ما لم تجد مسالك تتجه إليها وتنطلق في مساراتها، وتحتفظ بشحنتها، وتضيف لها زخما يحقق لها التسارع.المحركات موجودة علينا أن نضغط أزرارها، والمسالك متوافرة علينا أن نفتح مداخلها.والسؤال دائما: ما العمل.. ومن أين نبدأ؟< < <يوم الثالث من يوليو 2013، كان يوم تدشين شرعية بطل شعبي هو عبدالفتاح السيسي.يوم الثامن من يونيو 2014 كان يوم تدشين شرعية رئيس جديد لمصر عبر صندوق الانتخاب، هو الرئيس عبدالفتاح السيسي.يوم السادس من أغسطس 2015، كان يوم تدشين شرعية جديدة لنفس الرجل، تضاف إلى شرعية الإنقاذ، وشرعية الإرادة الشعبية، هى شرعية الإنجاز.تلك الشرعيات الثلاث، إما لم تكتمل معا لحاكم مصري من قبل، أو لم تتوافر مجتمعة لأحد في غضون ثلاث سنوات من معرفة الناس باسمه لأول مرة.وبقدر الشعبية التي يكتسبها السيسي وأظن أنها بعد القناة الجديدة، في أعلى درجاتها، وبقدر الآمال التي تعلقها عليه الجماهير كمنقذ ومنجز ومناط رجاء، تزداد المسئولية الملقاة على عاتقه ثقلاً فوق ثقل، وتصير الأحلام مطالب، والمطالب مهام، والمهام واجبات، لابد من انجازها.. ومن غيره سينجزها؟!- في الداخل.. مهمة بناء دولة ديمقراطية حديثة، بشَّر هو بملامحها.- في المحيط العربي.. لملمة أشلاء أمة وشظايا نظام عربي، استبيح أمنه القومي، وتقوضت دعائم دوله، وتفتتت بعض كياناته، ولتكن البداية خلال رئاسته للقمة العربية في دورتها الحالية، بتشكيل نواة جديدة صلبة تحول دون وصول التآكل إلى عظام الجسد العربي.- على الصعيد الدولي.. البناء على ما تحقق من نجاحات ملموسة خلال عام من حكم الرئيس السيسي، في إعادة التوازن لعلاقات مصر - مع القوى الكبرى - وتصحيح مسار السياسة الخارجية المصرية تجاه أفريقيا، وتحقيق الاستقلالية للقرار المصري ، وبالأخص في تنويع مصادر السلاح.< < <ولنبدأ بملفات الداخل.هذا رأيي المتواضع فيها.. أقول ما أعتقد أنه صحيح، ولا أدعي أنه الأصوب!أولاً : نموذج تمويل وشق قناة السويس الجديدة قابل للتطبيق على مشروعات وطنية عملاقة أخرى، تستنفر الشعب وتلتف حولها الجماهير. وأظن مشروع المليون فدان هو الأقرب بين مشروعاتنا القومية لتطبيق نموذج قناة السويس الجديدة، لأسباب عديدة أهمها عشق المصريين للأرض والخضرة والنماء.ولست أشك أنه لو دعا الرئيس السيسي المصريين للاكتتاب في هذا المشروع دون عائد على أموالهم لمدة خمس سنوات، لحين ظهور ثماره، ما تردد أحد، بل ربما أدهشتنا الاستجابة بأكثر مما حدث في قناة السويس الجديدة.ويمكن إنشاء شركة عملاقة تدير هذه الأموال في الاستصلاح والزراعة والتسويق على أن تقوم الدولة بحفر الآبار وإنشاء الخدمات والمساكن، وأعتقد أن ثقة الناس ستزداد في هذا المشروع، لو أن الشركة كانت تحت إشراف القوات المسلحة، ويمكن حينئذ تنفيذ المشروع من خلال كتائب خدمة وطنية من عشرات آلاف الشباب المصري العاشق لبلاده.وأظن أننا سنفاجئ أنفسنا بسرعة انجاز هذا المشروع الذي يضيف ١٢٫٥٪ جديدة إلى مساحة أرض مصر المزروعة، ولعل نجاحنا فيه - بإذن الله - يدفعنا نحو استصلاح ٣ ملايين فدان أخرى وعد بها الرئيس السيسي، وبذلك يكون هذا الجيل قد أضاف مساحة تعادل نصف ما زرعته الأجيال المصرية منذ فجر التاريخ.ثانياً : المشروعات العملاقة والكبري، في منطقة القناة والموانئ والعاصمة الجديدة والمدينة المليونية بالعلمين والمليون وحدة سكنية، والمثلث الذهبي بالصعيد وغيرها سواء التي تتم بالتوازي أو بالتوالي، لابد أنها ستوفر فرص عمل ضخمة لتشغيل المهنيين كالمهندسين والزراعيين والمعلمين والأطباء وكذلك الفنيون وعمال البناء والتشييد وحتى العمالة المرتبطة بهذه المهن كالسائقين وباعة المأكولات والمشروبات، كما ستوفر في المستقبل القريب فرصة عمل دائمة في المصانع والمنشآت والشركات التي ستقوم في تلك المناطق.لكن هناك فئات اجتماعية في هذا البلد غير قادرة على العمل أو الكسب لابد أن يتم استهدافها مباشرة للارتفاع بها من موقعها تحت خط الفقر.صحيح أن هناك مبادرات طيبة مثل معاش كرامة الذي يستهدف كبار السن ممن ليست لهم معاشات والمعاقين، ومعاش تكافل الذي يستهدف الأسر الفقيرة المنتظم أبناؤها بالمدارس، لكن هذه المبادرات لن يكتب لها النجاح في ظل البيروقراطية وانشغال الإعلام بالأحداث المثيرة والساخنة، مالم يضعها الرئيس تحت رعايته شخصيا.أما معاش الضمان الاجتماعي، فهو يحتاج إلى مراجعة ومحاسبة من جانب الرئيس.ففي العام الماضي خصصت له الموازنة العامة ١٢ مليار جنيه لمد مظلته من ١.٥ مليون أسرة إلى ٣ ملايين أسرة. غير أن ذلك لم يتحقق، وتجدد الهدف في الموازنة الحالية، وأظن أن طموح الملايين الثلاثة غير قابل للإنجاز، وربما يكون الأجدى زيادة المعاش نفسه بنسبة ٥٠٪ وتحديد الهدف بمليونين و٢٥٠ ألف أسرة.ثالثاً : يستحق الفقراء القادرون على العمل نظرة مختلفة، تتخطى النوايا الطيبة، وتتجاوز منطق الصدقة، إلى كرامة الرزق.وأظن أن إنشاء بنك باسم «بنك الشعب» يتوحد فيه بنك ناصر والصندوق الاجتماعي للتنمية وتساهم فيه البنوك الوطنية سنويا بنسبة ٥٪ من أرباحها مثلا، وتتبعه مشروعات التشغيل مثل «مشروعك» و«أيادي» وغيرها، يمكن أن يوفر قروضا حسنة بلا فوائد أو بفائدة رمزية ١٪ بعد فترة سماح مدتها سنة قبل سداد الأقساط، لإنشاء مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر مدروسة للشباب الأقل حظا أو المتعطل أو ربات الأسر الأرامل والمطلقات.رابعاً : المكافأة الحقيقية للشعب المصري، الذي قام بثورتين، وانتفض في مواجهة الإرهاب، وأنجز مشروع القناة الجديدة، هي القضاء على الوساطة والمحسوبية، وضمان المساواة وتكافؤ الفرص بين أبنائه في العمل والوظائف مثلما هو متحقق في التجنيد ومكتب تنسيق القبول بالجامعات. وأظن الرئيس السيسي بمكانته لدي كل مؤسسات الدولة قادر على أن يحقق ذلك عن طريق المساواة بين أبناء الأسر الشريفة الوطنية من الأكفاء، في الالتحاق بالسلك الدبلوماسي والسلك القضائي والوظائف العامة وكلية الشرطة وغيرها. فالشرف ليس مرادفا للثراء، والوطنية ليست حكرا علي طبقة.. وما كان زعماء مصر ورجالاتها العظماء ـ في غالبيتهم ـ سوي أبناء مزارعين فقراء أو موظفين بسطاء.خامساً : لعل الوقت قد حان، لإطلاق مشروع تأهيل الشباب المصري الذي تتبناه رئاسة الجمهورية.وربما تجد الدولة ـ لا أقول الحكومة ـ أنه آن الأوان لتجميع طاقات الشباب في القرى والمدن والمحافظات والعاصمة، في اتحاد أو منظمة تكون إطارا لتوجيه قدراتهم في الخدمة المجتمعية ومشروعات الجهود الذاتية، وتكون أيضا مؤسسة لتربية الكوادر الشبابية وتأهيلها للوظائف العامة والمشاركة في صنع القرار على مختلف المستويات.وأظن جولات الرئيس علي مواقع العمل والإنتاج والمشروعات ستمده بأسماء شابة جديدة صاحبة همة وإنجاز، تصلح لتقلد مواقع في مستويات مختلفة.سادساً: ليس مطلوبا من السيسي أن يرضي الجميع، وليس علي مكتبه فواتير واجبة السداد لأحد، وليس البلد عنده كعكة تقطع بقسمة ضيزى!لذا أحسب الرئيس ونحن بصدد انتخابات برلمانية سينأي بنفسه عن قوائم ليست وطنية جامعة، وعن مرشحين فرديين أيا كانوا. وأظنه سيعلن ذلك إذا تعددت القوائم. فقط سيدعو الناخبين لاختيار الأصلح والأجدر والشباب الوطني الأكثر عطاء. ليس من حق أحد أن يقرن قائمة باسم الرئيس علي حساب أخري، أو يحاول أن يلصق شخص الرئيس بمرشحين دون غيرهم. فليفز من يفوز من العناصر الوطنية، بالإرادة الحرة للشعب الذي هو وحده السند الحقيقي لعبدالفتاح السيسي.أحسب الرئيس الذي يؤمن بأن الشعوب الحرة هى وحدها القادرة على الإنجاز، وبأن الأمة لن تكون أبدا في خصومة مع شبابها، سيكلف أجهزة الدولة المعنية بالإسراع في ملفات الشباب المحكوم عليه أو المحبوس ظلما أو بانفلات الحماس، للإفراج عنهم وسط أفراح المصريين بقناة السويس.أحسب الرئيس سيوسع من دائرة مستشاريه والنخب التي يلتقيها ليرى وجوها أكثر ويسمع أفكارا جديدة.أحسب الرئيس سيقصر لقاءاته مع رجال الأعمال، على أولئك الذين لا يرون أن مصالحهم الشخصية تعلو على مصلحة الوطن، وعلى الذين يدركون أنه لولا ثورة ٣٠ يونيو وما تلاها، ما ظلوا أصحاب أعمال، والذين يشاركون ولا يمنون ويربحون ولا يطمعون، ويعرفون أن صندوق «تحيا مصر» ليس فرض كفاية على شخص أو مجموعة منهم، أحسب أن الجادين منهم ظهروا، وأن المناهضين لمشروعه الوطني لم تعد تحجبهم أستار الخفاء!< < <مجددا أقول : إن الطاقة المعنوية التي تفجرت في نفوسنا ونحن نشهد ما صنعته أيدينا في قناة السويس الجديدة، لها محركات تستوعب شحناتها، وأن قوة الدفع التي تولدت بهذا الإنجاز لها مسالك تنطلق عبرها.أمامنا فرصة قد لا تتكرر في المستقبل المنظور، علينا أن نقتنصها ونغتنمها، فلدينا شعب قادر، وشباب ناهض، وقائد صاحب قرار، ونموذج ماثل، ومشروعات وإجراءات في وضع الإطلاق.