رياح أوروبية

خاطر عبادة
خاطر عبادة

سحر الأجواء المصرية عادة ما يضفى جمالا دافئا متفردا؛ يجمع بين دفء ملامح الشرق والجمال الأوسطى وخفة الظل المصرية لتشكل فى النهاية طابع مصرى جميل ومميز عن غيره من أى جمال، والجمال المصرى أصلى سائد و ليس هجين أو مختلط مثل غيره من البلدان التى كانت لها أصول مختلطة مثل طابع اسبانيا وغيرها.. فحين نبت فى أرضها الجمال اكتسب طابعا مصريا دافئاً ومميزا، سمحا ومعتدلا  لا تراه إلا فى مصر.

فتكاد تشعر أن المصريون جميعا من عائلة واحدة ودم واحد.. هذا التشابه الكبير فى الشكل والسمات بين المصريين يشعر به الغريب أيضا فيراهم جميعا أخوة و أقارب، ويراهم أقدم شعوب العالم تماسكا وانسجاما.

ولم تتغير شخصية وهوية المصرى حتى فى فترات الاستعمار، لأن المكونات المصرية عجيبة؛ هى الجين السائد الذى يؤثر ولا يتأثر، تكسبها مناعة ضد أى شر وحصنا ضد أى معتدى ووسطية ضد أى انحراف او تطرف.. تلك الشخصية يذوب فى سحرها الغريب والقاصد.

رياح أوروبية

طل علينا شتاء هذا العام بأجواء شديدة قاسية و رياح أوروبية غير معتدلة وغير معتادة أثرت على مناخ الاعتدال فى شتاء الشرق إلا أنها جاءت بألطف صورها فى مصر بالمقارنة بباقى البلدان العربية.

والأجواء المصرية معروف عنها الدفء والاعتدال والوسطية، ربما تتأثر قليلا بفعل التغيرات المناخية فى الصيف والشتاء، لكن مناخ الاعتدال والوسطية لم يتغير بعد عند المصريون.

.. وليس كل ما هو قادم من أوروبا جميل، فيينما نحن فى عصر السماوات المفتوحة؛ فمن الوارد أن تهب علينا بين كل حين رياح الشمال.. لكنها ما إن تصل أجواء المحروسة تتلطف ويكون بردها سلام.

ليس كل شيء مباح فى عصر السموات المفتوحة، فمناخ الاعتدال العام يأبى وجود منفذ لنشر فكر ضال أو استغلال تعدد وسائل التواصل الاجتماعى بانتهاج أساليب ضارة بكيان وقيم المجتمع أو تفشى عدوى الكراهية والتطرف وتغذية مناخ من الفوضى وبث الشائعات.

انفتاح العالم خلال السنوات الماضية لابد أن يقابله أيضاً جبهة ثقافية وتوعية حول كل ما هو قادم من الخارج سواء كان محتوى ثقافى أو فنى أو وسيلة تواصل وحتى الأزياء المستوردة التى يجب ألا تساهم فى انحدار الذوق العام.

هذا الانفتاح المجنون لوسائل التواصل حوّل العالم إلى قرية بل حارة صغيرة سرعان ما يتفشى فيها الخبر والفضيحة كالنار فى الهشيم، وأصبحت خصوصيات الناس والمشاهير عرضة للتنمر أو شيء مشاع بين الجميع، كما تحولت منصات التواصل إلى ساحة للتباهى تعرض فيها الأسرار العائلية والشكاوى أو وسيلة لنشر التفاهات..

بعضنا أساء استخدام مفهوم الحرية والانفتاح بإساءة استغلال منصات التواصل بنشر توجهات فاسدة وبعيدة عن قيم المجتمع، أو استخدام عمل فنى يسلط الضوء على فئة منحرفة هوت لمستنقع الفاحشة والجريمة وتقديمهم كنماذج وأبطال يدور حولها العمل الفنى بدلا من تهميشها فى أدوار ثانوية؛ فيضر بالفكر والثقافة ويسيء للفن، ولا يطرح فكرة مفهومة يقبلها المجتمع والدين، وبالتالى لن يكون له أى سعر أو قيمة؛ ويكون مصيره النسيان بمجرد النزول من قائمة "تريند" أبرز الأخبار الشائعة، لأنه مجرد بالونة زائفة لا تطرح فكرة تغذى عقول الناس.

كما أن هناك جماعات أخرى تبث أفكارها المسمومة لخلق مناخ عام من الإحباط والتشكيك والكراهية ليتفشى كالعدوى بهدف قتل روح الانتماء و المشاعر الوطنية المقدسة عند المصريين. 
تتسم مصر بهويتها الوسطية وقيمها السمحة وأمة وسطى.. فلا يمكن أن تكون بيئة لانتشار الرذيلة ولا بؤرة للجريمة ولم تكن أرضها يوما منبتا للتطرف ولم يلوث سمائها فكر الانحراف.