دموع النساء تغرق أمهر السباحين، ولكن إذا بكى الرجال، فاعلم أن الهموم، فاقت قمم الجبال، ويبكى الرجال عندما تموت أمهاتهم، أو حين يفقدون آباءهم، أو يمرض أحد أبنائهم، أو عندما يزوجون بناتهم أو يتعرضون للجحود من أبنائهم، ويبكى الرجال قهراً، عند عجزهم عن تأمين لقمة العيش، أو حاجات أولادهم أو لفراق الوطن وغياب الأحبة: فالفقر فى الوطن غربة ، والغنى فى الغربة فقر.
أو فى صدمة حبهم الأول، حينما يهزمهم الرفض، بنعومة تشبه حد السيف، لينصرفوا مهمومين باكين، فى حجر أمهاتهم. أو عندما يزحف الشيب لرؤوسهم، فالشيخوخة مثل الحب، لايمكنهم إخفاؤها مهما حاولوا.
يبكى الرجال، لكن دموعهم لا تتدحرج من العين إلى الخد، فيراها الجميع، بل تخرج من القلب، وعلى القلب،
ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) بكى على ابنه الوحيد إبراهيم دون رفع صوت، وقال: تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون. وأبوعبد الله الصغير آخر ملوك الأندلس، بكى بحرقة عند سقوطها، فقالت له أمه عائشة الحرة: ابك كالنساء على ملك، لم تصنه كالرجال! والشاعر أحمد شوقى يقول: عظيم الناس من يبكى العظاما. وكان الصوفى جلال الدين الرومى يبكى مستغنيا عن الناس بالله، ومنشدا: وأنزلته من درجة، أنه كل الناس إلى منزلة أنه ككل الناس. وقال جبران خليل جبران مرة، أنه بكى، حين كتب على بابه : دع نفاقك خارجا وادخل، فلم يزره أحد!