عندما يبكى الرجال

خالد حمزة
خالد حمزة

دموع‭ ‬النساء‭ ‬تغرق‭ ‬أمهر‭ ‬السباحين،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬بكى‭ ‬الرجال،‭ ‬فاعلم‭ ‬أن‭ ‬الهموم،‭ ‬فاقت‭ ‬قمم‭ ‬الجبال،‭ ‬ويبكى‭ ‬الرجال‭ ‬عندما‭ ‬تموت‭ ‬أمهاتهم،‭ ‬أو‭ ‬حين‭ ‬يفقدون‭ ‬آباءهم،‭ ‬أو‭ ‬يمرض‭ ‬أحد‭ ‬أبنائهم،‭ ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬يزوجون‭ ‬بناتهم‭ ‬أو‭ ‬يتعرضون‭ ‬للجحود‭ ‬من‭ ‬أبنائهم،‭ ‬ويبكى‭ ‬الرجال‭ ‬قهراً،‭ ‬عند‭ ‬عجزهم‭ ‬عن‭ ‬تأمين‭ ‬لقمة‭ ‬العيش،‭ ‬أو‭ ‬حاجات‭ ‬أولادهم‭ ‬أو‭ ‬لفراق‭ ‬الوطن‭ ‬وغياب‭ ‬الأحبة‭: ‬فالفقر‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬غربة‭ ‬،‭ ‬والغنى‭ ‬فى‭ ‬الغربة‭ ‬فقر‭.‬

أو‭ ‬فى‭ ‬صدمة‭ ‬حبهم‭ ‬الأول،‭ ‬حينما‭ ‬يهزمهم‭ ‬الرفض،‭ ‬بنعومة‭ ‬تشبه‭ ‬حد‭ ‬السيف،‭ ‬لينصرفوا‭ ‬مهمومين‭ ‬باكين،‭ ‬فى‭ ‬حجر‭ ‬أمهاتهم‭. ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬يزحف‭ ‬الشيب‭ ‬لرؤوسهم،‭ ‬فالشيخوخة‭ ‬مثل‭ ‬الحب،‭ ‬لايمكنهم‭ ‬إخفاؤها‭ ‬مهما‭ ‬حاولوا‭.‬

يبكى‭ ‬الرجال،‭ ‬لكن‭ ‬دموعهم‭ ‬لا‭ ‬تتدحرج‭ ‬من‭ ‬العين‭ ‬إلى‭ ‬الخد،‭ ‬فيراها‭ ‬الجميع،‭ ‬بل‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬القلب،‭ ‬وعلى‭ ‬القلب،‭ ‬

ورسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬بكى‭ ‬على‭ ‬ابنه‭ ‬الوحيد‭ ‬إبراهيم‭ ‬دون‭ ‬رفع‭ ‬صوت،‭ ‬وقال‭: ‬تدمع‭ ‬العين‭ ‬ويحزن‭ ‬القلب،‭ ‬ولا‭ ‬نقول‭ ‬ما‭ ‬يسخط‭ ‬الرب،‭ ‬وإنا‭ ‬على‭ ‬فراقك‭ ‬يا‭ ‬إبراهيم‭ ‬لمحزونون‭. ‬وأبوعبد‭ ‬الله‭ ‬الصغير‭ ‬آخر‭ ‬ملوك‭ ‬الأندلس،‭ ‬بكى‭ ‬بحرقة‭ ‬عند‭ ‬سقوطها،‭ ‬فقالت‭ ‬له‭ ‬أمه‭ ‬عائشة‭ ‬الحرة‭: ‬ابك‭ ‬كالنساء‭ ‬على‭ ‬ملك،‭ ‬لم‭ ‬تصنه‭ ‬كالرجال‭! ‬والشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬شوقى‭ ‬يقول‭: ‬عظيم‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬يبكى‭ ‬العظاما‭. ‬وكان‭ ‬الصوفى‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومى‭ ‬يبكى‭ ‬مستغنيا‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬بالله،‭ ‬ومنشدا‭: ‬وأنزلته‭ ‬من‭ ‬درجة،‭ ‬أنه‭ ‬كل‭ ‬الناس‭  ‬إلى‭ ‬منزلة‭ ‬أنه‭ ‬ككل‭ ‬الناس‭. ‬وقال‭ ‬جبران‭ ‬خليل‭ ‬جبران‭ ‬مرة،‭ ‬أنه‭ ‬بكى،‭ ‬حين‭ ‬كتب‭ ‬على‭ ‬بابه‭ : ‬دع‭ ‬نفاقك‭ ‬خارجا‭ ‬وادخل،‭ ‬فلم‭ ‬يزره‭ ‬أحد‭!‬