ارتفاع التكاليف .. هل تجبر موسكو على التراجع؟!

أحد الحشود الروسية على حدود أوكرانيا
أحد الحشود الروسية على حدود أوكرانيا

هل قرعت روسيا طبول الحرب بإطلاقها مناورات عسكرية فى شبه جزيرة القرم على أبواب جارتها الغربية أوكرانيا؟ تحذيرات واشنطن لموسكو من فرضها عقوبات اقتصادية قاسية لم تجد نفعا واستمر التصعيد بين موسكو والغرب بوتيرة تبعث على القلق فى الفترة الأخيرة وسط مؤشرات على مواجهة عسكرية محتملة..

كانت كل من الولايات المتحدة وروسيا لعقود حذرتين فى نشر قوات فى أماكن يمكن أن تستفز الطرف الآخر. وتراجع الوجود العسكرى الأمريكى من نحو نصف مليون جندى فى الخمسينيات إلى نحو 300 ألف جندى أثناء تفكك الاتحاد السوفيتي، ثم 63 ألفاً فى الوقت الراهن. لكن قرار واشنطن نشر 8500 جندى فى شرق أوروبا، غيّر هذا المسار التنازلى، وقدم رسالة واضحة لموسكو التى طالبت الحلف بأن يتخلى عن أنشطته العسكرية فى أوكرانيا وأوربا الشرقية وهو ما رفضته واشنطن وحلفاؤها مما أسهم فى زيادة التوتر.

 

ألقت موسكو باللوم على الغرب فى تصاعد التوترات والفوضى فى الأسواق المالية الروسية، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف: «نحن نراقب البيانات التى يصدرها حلف شمال الأطلسى حول نشر القوات والمعدات فى أوروبا الشرقية، إن هذا كله يؤدى إلى مزيد من التصعيد»، وشدد على أن التصعيد الحالى سببه تصرفات الناتو والولايات المتحدة لا تصرفات روسيا.


لقد أقنعت دبلوماسية موسكو والتعزيز غير المسبوق على طول الحدود الأوكرانية، بما فى ذلك فى بيلاروسيا المجاورة، العديد من المحللين الأمنيين بأن الكرملين يسعى لخوض حرب.

ولم تفلح المفاوضات الأخيرة التى أجريت فى جنيف فى حصول موسكو على الضمانات الأمنية التى تسعى إليها، بما فى ذلك سحب قوات الناتو إلى حدود عام 1997.


لا يزال أمام الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، خيار العودة عن قراره، قد يكون قرار التراجع أمرًا محرجًا ويجعل الغرب أقل احتمالا للاستماع إلى تحذيراته فى المستقبل، لكنه سيواجه انتكاسة محلية قليلة من إصدار الأمر بالانسحاب ويمكن أن يدعى أنه اتخذ الخطوة الأولى لتجنب صراع مدمر.


ومع ذلك فقد أصبح ذلك أقل احتمالية لأن موسكو بدأت فى مواجهة عواقب اقتصادية وسياسية خطيرة من مناورتها الكبرى، وأظهرت الحكومات الغربية أنها تأخذ خطر الحرب على محمل الجد، وحذرت من فرض عقوبات صارمة وحتى بدأت فى الأمر بإجلاء عائلات الدبلوماسيين فى أوكرانيا.


وكانت الأسواق المالية الروسية، تعرضت لضربات قوية الأسبوع الماضي، حيث خسرت الأسهم الرئيسية الروسية مثل «سبيربنك» و«جازبروم» أكثر من 10% فى تعاملات الإثنين، واضطر البنك المركزى الروسى إلى وقف مشترياته من العملات الأجنبية مؤقتًا، حيث انخفض الروبل بنحو 6% مقابل الدولار منذ بداية يناير..

 

وجاءت مطالب موسكو العلنية بإخراج الناتو من شرق ووسط أوروبا، بنتائج عكسية حيث أدى التهديد بالحرب إلى زيادة مطالب الانتشار بالقرب من حدود روسيا.


وقد أصبح «خط الأنابيب البحرى لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا، سلاحًا فى أزمة جيوسياسية» بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا. وكانت الولايات المتحدة والعديد من دول الاتحاد الأوروبى عارضت بشدة خط الأنابيب منذ الإعلان عنه للمرة الأولى عام 2015، محذرة من أن المشروع سيعزز نفوذ موسكو فى أوروبا.


وتم الانتهاء من خط الأنابيب، البالغ طوله 1200 كيلومتر فى سبتمبر وينتظر الآن الموافقات النهائية، لكن على الرغم من أن خط الأنابيب لم يتم تشغيله بعد، فقد كان مصدر خلاف كبير بين الحلفاء التقليديين فى وقت يشى بتوترات هائلة بين روسيا والغرب. وفقًا للخبراء فإن هذا بحد يعد ذاته فوزا للرئيس الروسى فلاديمير بوتين.


ومع اقتراب أسعار الغاز الطبيعى بالفعل من مستوى قياسي، يخشى الكثير من أن المزيد من التوتر يتسبب فى مزيد من الألم للمستهلكين الأوروبيين وعلى الاخص دول شرق اوروبا..

وتستعد الولايات المتحدة وأوروبا لاحتمال أن تقوم روسيا بمنع صادراتها من الغاز إلى أوروبا للرد على أى عقوبات محتملة. وتحاول إدارة بايدن حاليا تأمين الغاز الطبيعى المسال إلى أوروبا من عدد من الدول فى أوروبا والشرق الأوسط وآسيا فى حال أدى الغزو الروسى لأوكرانيا إلى نقص فى الغاز.


وكأكبر عميل للغاز الروسي، كانت ألمانيا مترددة فى استخدام خط الأنابيب للضغط على موسكو، إلا أنه تحت ضغط من الولايات المتحدة، أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك الأسبوع الماضى بإمكانية إدراج خط أنابيب نورد ستريم 2 فى حزمة من العقوبات ضد روسيا بسبب تورطها فى أوكرانيا.


وحذرت أوكرانيا ودول أخرى فى أوروبا الشرقية من أن خط الأنابيب الجديد قد يجعل المنطقة أكثر عرضة لأهواء روسيا، فيما تسببت الخلافات حول أسعار الطاقة فى إعاقة العلاقة بين روسيا وأوكرانيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتى فى عام 1991، حيث قطعت روسيا إمداداتها من الغاز لأوكرانيا فى عدة مناسبات.


فى الوقت الحالي، تحتاج روسيا إلى أوكرانيا، لأن كمية كبيرة من الغاز الذى تبيعه إلى أوروبا لا تزال تتدفق إلى بقية القارة عبر الأراضى الأوكرانية، ومن خلال تجاوز أوكرانيا، سيسهل نورد ستريم 2 على روسيا عزل أوكرانيا.


حذرت روسيا الغرب مرارًا وتكرارًا من جر نورد ستريم 2 إلى الأزمة السياسية، وقال وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف إن محاولات تسييس قضية نورد ستريم 2 «جاءت بنتائج عكسية».

لكن فى حين أن خط الأنابيب مهم للغاية بالنسبة لبوتين، فمن المشكوك فيه ما إذا كان يمكن أن يلعب الدور الحاسم فى إقناعه بتقليص أى خطط لعبور الحدود الأوكرانية.

اقرأ ايضا | الرئيس الأوكراني يبحث مع الأمين العام للأمم المتحدة الوضع في شبه جزيرة القرم