جمال الشناوي يكتب: «كان مغلوبًا.. فانتصر».. وداعا ياسر رزق 

الكاتب الصحفي جمال الشناوي
الكاتب الصحفي جمال الشناوي

«أنت فين يا جدع إنت»..كانت آخر مكالمة تلقيتها من «العزيز ياسر».. يبدو أنه كان يشعر بالنهاية ويريد أن يودع الأصدقاء..رغم أننا تابعنا مباراة مصر والسودان عبر بث تليفونه في مكتبه قبلها بـ ٤٨ ساعة.

لا أعرف كيف أودعه.. ولا أتخيل أن صوته سيغيب، وأن صورته ستتلاشى من أمام ناظري.. رحل جسدك يا ياسر، لكني لن أنساك يا صديقي.

لمن لا يعرف ياسر رزق الإنسان؛ فهو أطيب قلب رغم ما طواه من آلام.. تحمل الكثير من الضغوط، وكان أكثر ما يؤلمه هو أنه لم يجد «رد الجميل» ممن أحبهم ودعمهم، من ولاد الكار.
لمن لا يعرف ياسر؛ فهو كان رئيسي في العمل وكنت من بين ١٢ رئيس تحرير في أخبار اليوم.. وكان بيننا مناوشات فكرية حول الراحل هيكل.. وكتبت ذات مرة مقالي عن دراويش الأستاذ هيكل.. وانتقدته وباقي الأصدقاء الأعزاء على قلبى في أحد إصدارات أخبار اليوم التي يرأسها.. كتبت ناقدا وكنت واثقا من عدم غضبه.. ولكني كنت أخشى ممن يندسون بيننا.. كتبت ناقدا لرئيسي في العمل على صفحات جريدة اسمه مدون على صدر صفحتها الأولى كرئيس مجلس الإدارة.. وكنت أجهز نفسي لزيارته في مكتبه اليوم التالى لأزيل آثار الدس من شلة المنتفعين.. وفجأة ظهر اسم «العزيز ياسر» على هاتفي.. ولم ينطق ولم أرد.. دخلنا في نوبة ضحك؛ قالي: بتهاجمنى وأنا رئيسك.. وفي جرنال بالمؤسسة.

وقال: إبراهيم سعده.. بيعتبر هيكل هو أستاذه، وتبادلنا بعض الكلمات المجاملة.. وذهبنا في المساء إلى مقهى الزمالك «الحارة المزنوقة» 

ياسر رزق كان صحفيًا من نوعٍ خاصٍ يسعد باختلاف الآراء ويتقبل حتى النقد عندما يطاله، لكنه أبدا كان كارهًا للخيانة من بعض المقربين.. ورغم ذلك كان طيب القلب سريع التسامح لا يقبل بإحراج حتى خصومه.

ذات مرة دخلت عليه المكتب وكان لايزال رئيسًا لمجلس الإدارة.. ووجدته جالسا إلى جوار أحد زملائنا.. وكان الأخير قد شن حملة على «الفيس بوك» ضد ياسر رزق.. وقلت بصوت عال: «لا إله إلا الله» وضحكنا.. هذا هو ياسر الذي يسامح ويصفح عن كل من تطاول عليه.


ياسر رزق، كان طيب القلب؛ فأذكر أنه بعد عودة الأستاذ إبراهيم سعدة، من سويسرا وكان المرض قد نال منه.. وباتت الدنيا خلف ظهره.. اتصل بى «العزيز ياسر».. وقال: تعالى نزور الأستاذ إبراهيم في المستشفى.. ولأنني من ذلك النوع من البشر الذي لا يحتمل رؤية عزيز عليه يتألم في فراش المرض.. فقال: تعالى نشجع بعض.

وطوال الطريق كانت المناوشات المعتادة بيننا حول «سعدة وهيكل» وكنا على طرفي نقيض.. وما أن دخلنا على الراحل العظيم إبراهيم سعده.. تحول ياسر بفعل قلبه الطيب.. إلى طفل يبكي، ويقبل رأس الأستاذ الراقد على فراش الموت.. ويبكي مثل إنسان يودع أبيه.

كانت أقسى لحظات العمر أن تجد «المعلم والأستاذ» لا حول وله ولا قوة وينتظر الرحيل.. وفي طريق عودتنا كنا نبكي لما شاهدنا عليه حال الأستاذ.. ولأنه صحفي لاحظ أن الأستاذ إبراهيم همس في أذني ببضع كلمات؛ وأصر ياسر، بغريزة الصحفي على معرفة ماذا قال لي الراحل العظيم إبراهيم سعدة..هذا هو ياسر لا ينسى الصحافة في أي لحظة.

ياسر رزق، صحفي نابه.. فارق كبير بينه وبين أبناء جيله.. وتستطيع أن تختلف معه وهو رئيسك في العمل دون أن تخشى رد فعل انتقامي أو غضبا مكتوما تجاهك.. أو الكيد لك بالعكس.

ياسر رزق، كان الوحيد بيننا في كل رحلات العمل الذي يدون ملاحظاته ويستخدم الورقة والقلم طيلة الوقت ولا يتوقف عن العمل.. حتى وهو في غرفته في الفندق؛ كان لديه مصادر كل المعلومات.


وأخيرا.. ياسر رزق، الكاتب ورئيس واحدة من كبريات المؤسسات الصحفية في الشرق الأوسط.. كثيرًا ما كان يتواصل لإرسال ما يستحق النشر، أو التنبيه إلى حدث ما.. وفي منتدى شباب العالم على سبيل المثال؛ تحدثت إليه قبل جلسة الرئيس السيسي، مع المراسلين الأجانب.. وطلبت منه أن يخص بوابة أخبار اليوم بما يدور في الجلسة.. لكن صوته كان متعبا وقال لي غالبا مش هقدر أشارك؛ ولو تمكنت هبعت لك أول بأول على «الواتس آب». 

هذا هو ياسر، الصحفي نادر التكرار أو الوجود.. كان دوما له آراء نقدية.. لكن لم يخسر حتى خصومه.. «العزيز ياسر» ارقد في سلام يا صديقي.. فلن ننساك وسيأتي يوم نرد لك بعضًا مما تستحق.