يستقبل المارين الغرباء بنباحه الكوميدي وشقلبته ومرحه حتي يغادروا الحدود بسلام مؤتنسين بالتشريفة التي يقدمها لهم
ظهر في شارعنا كلب حديث الولادة، أتابعه وهو يحاول أن يتعلم النباح مثل بقية بني جنسه فيخرج صوته مبحوحا متقطعا بشكل يثير ضحك كل من يتخذ من شارعنا مستقرا له، يغيب الجرو الصغير ثم يظهر فجأة ب «هليلة» في الشارع جعلت الجميع يقعون في غرامه ويسألون عنه إن اختفي.
أهم ما يميزه هو حبه للحياة، يسير إلي جوار البنات صامتا رافعا رأسه الصغير باتجاههن ، أراقبهن وهن يتحاشينه ويسرعن الخطي ثم سرعان ما يسبقهن الجرو بخطوة ثم يتشقلب أمامهن علي أسفلت الشارع فيثير ضحكهن وتعاطفهن فيسمحن له بأن يكون في الصحبة حتي نهاية الشارع، يعرف حدود الشارع جيدا فلم يحدث أن خرج منها، يستقبل المارين الغرباء بنباحه الكوميدي وشقلبته ومرحه حتي يغادروا الحدود بسلام مؤتنسين بالتشريفة التي يقدمها لهم.
يغيب لساعات طويلة ثم يتصادف أن تمر «فسبا» يشغل صاحبها عبر الفلاشة بصوت عال إحدي الأغنيات الشعبية الصاخبة فيظهر الكلب الصغير من مكان ما ويظل يجري خلف «الفسبا» بطريقة لا تشبه الكلاب ولكنها أقرب لقفز الكنغر الراقص، قال لي عامل المقهي إنه دماغ وأنه قبل يومين وأثناء تنظيف المقهي فجرا عقب انصراف الرواد تسلل إلي أحد الأركان مستكينا بينما عملية التنظيف تتم برعاية صوت أم كلثوم القادم من الراديو، سألته عن اسم الأغنية فقال العامل « أنا فاكر؟ أسأله».
كلب صغير محب للحياة أصبح نجم الشارع، اعتبرناه هاربا من أهله، وكنا نتساءل عن سر اختياره لهذا الشارع بالذات إلي أن اختفي تماما، سألت السايس فقال إن مجموعة من الكلاب دخلوا الشارع فجر أحد الأيام وخرج معهم ولم يعد، ظننت ان السايس يمنحني نهاية منطقية ليريحني، لكنني تذكرت أنني في نفس الوقت تقريبا صحوت فجرا علي أصوات نباح عالية في الشارع يتخللها نباح الجرو الصغير المميز، قلت لنفسي إن السايس صادق وأن هذا النباح كان نقاشا عائليا انتهي باصطحاب الابن البار إلي ملاعب العائلة وانه تحت ضغط ما اضطر للرحيل عن العالم الذي اختار أن يعيش فيه بنفسه وبقوانينه الخاصة جدا في الطعام والانطلاق وحب البشر والموسيقي.
مر وقت طويل افتقدته خلاله إلي ان رأيته اليوم يخرج من أسفل السيارة ويجري باتجاهي بشوشا كعادته لكنه كان يعرج ويرفع بصعوبة عن الأرض ساقه الخلفية المكسورة، وفهمت أن عودته للحياة التي يحبها لم تكن سهلة أبدا.