حكايات| مونديال التحطيب.. بدأ بـ«ورق البردي» وحوله الصعايدة لـ«الشوم»

مونديال التحطيب.. بدأ بـ«ورق البردي» وحوله الصعايدة لـ«الشوم»
مونديال التحطيب.. بدأ بـ«ورق البردي» وحوله الصعايدة لـ«الشوم»

كتب: أحمد زنط 


هل تخيلت للحظة مشهدًا فرعونيًا يجلس فيه الآلاف من المصريين القدماء في ساحة بينما يقف في الوسط اثنان يمسك كل منهما بـ«عصا» وتتعالى معهم الصيحات بكلمة فرعونية «نجر.. نجر» أي «اضرب.. اضرب»؟

 

اختلفت اللغة والأزياء لكن لا يزال صعيد مصر يحتفظ بلعبة التحطيب التي وجدت على معابد الأقصر الفرعونية منذ خمسة آلاف عام حتى صارت عنوانا للفروسية على الطريقة الصعيدية.

 

هنا في القرنة تنتشر أشهر لعبة لدى أبناء الصعيد الجواني؛ حيث تعد لعبة اخترعها الفراعنة وتوارثتها الأجيال في الأقصر، وكانت مدينة ومركز القرنة المركز الرئيسي لمهرجانات لعبة التحطيب، وبعد تطوير قرية أيقونة المهندس حسن فتحي تستقبل ساحة التحطيب بالقرية يوميًا لاعبي وهواة وعاشقي اللعبة.

 

اقرأ أيضًا| فاطمة الصعيدية تنحت في صخر الرزق بـ«تروسيكل»

 

والتحطيب مبارزة بالعصا على أنغام المزمار بين شخصين، حولهما دائرة من المشجعين يتابعون حركاتهما بدقة، ينتظرون اللحظة التي يستطيع أحدهما إسقاط العصا من يد الآخر حتى يعلنوا فوزه والاحتفاء به.

 

 

هذا هو المشهد المتكرر للعبة التحطيب أو الرقص بالعصا، المعروفة في أنحاء مصر، إلا أنها تنتشر بصعيد مصر إذ يولع بها أبناء  الأقصر، ويبحث عنها الهواة والمحترفون في الموالد أو الأفراح، ويلهثون وراءها في أي مكان لممارسة لعبتهم المفضلة.

 

و«التحطيب» من الألعاب التي تشجع على الفروسية والمهارة في القتال، فهي ليست قاصرة على  الإمساك بالعصا والوقوف أمام المنافس  لمبارزته بل لها قواعدها وأصولها الشديدة التي لا بد من تعلمها جيدًا قبل رفع العصا.

 

اقرأ أيضًا| «العتبة قزاز».. رحلة استعادة الكليم الأرضي في «جحدم» بالصعيد

 

وعدم التعرف على قواعد وأصول هذه اللعبة التاريخية وقد تصل في حدتها وشدتها في بعض الأحيان للقتل؛ حيث يقول العمدة زين حجاجي نصار من عشاق ومن فرسان التحطيب الماهرين: «تبدأ اللعبة بتكوين حلقة دائرية من المتفرجين من جميع الاتجاهات في وضع الجلوس على الأرض أو الوقوف، ويقوم عازفو المزمار البلدي باختيار مكان متميز لهم  العصا لا بد أن تبدأ على أنغام المزمار».

 

ويكون بداخل الحلقة مُحكّم يفصل بين المتنافسين  في حالة حدوث مشاجرة أو اختلاف بينهما، ثم تبدأ المبارزة أو الفروسية أولا بالتحية والسلام للمنافسة برموز وحركات معينة باستخدام العصا، ويستمران في المبارزة، وفي النهاية بعد فوز أحدهما يتعانق اللاعبان.

 

 

ويشارك الجمهور الفائز في الرقص على أنغام المزمار، وهكذا تسهم اللعبة في إضفاء جو من البهجة والمرح والسرور على كل المتفرجين الذين يأتون أيضا من قرى بعيدة لمشاهدة هذه اللعبة الفريدة وهناك شرط أساسي لا بد من الالتزام به لدخول حلقة المنافسة في هذه اللعبة وهو ارتداء الجلباب الصعيدي الشعبي ومن دونه لا يمكن لأي شخص أن يشارك في اللعبة.

 

هنا يروي العمدة النوبي أبو اللوز الأمين العام لنقابة الفلاحين ومن اللاعبين الماهرين: «لعبة العصا والتحطيب من موروثات التراث واللعبة حاليا تندرج ي أجندة نشاطات مديريات الثقافة الجماهيرية وترعاها وزارا الثقافة والشباب والرياضة ومعترف بها محليا ودوليا وتقام لها العديد المهرجانات والمسابقات».

 

ويحكي كذلك: «العصا هي محور التحطيب والأداة الأساسية التي لا يمكن أن تبدأ اللعبة من دونها هذا، والعصا أداة ورمز، لها جذورها في الموروث الديني والشعبي، خاصة عند أهل الصعيد، كما أن للعصا أشكالا وأصنافا واستخدامات متعددة، لكن تشتهر في التحطيب باسم الشومة حيث تتسم بالصلابة وصعوبة الكسر».

 

ويؤدي استخدامها في الضرب إلى القتل أحيانا ولكن نادرا ما يحدث أي أذى لأي من المتبارزين وقد اعتاد أهل الصعيد والفلاحين استخدام الشومة في أنشطة كثيرة في حياتهم، ربما لأنهم يتجولون في حقولهم ليلا ويحتاجونها للحماية من الحيوانات المفترسة.

 

 

ويرى أيضا عشاق وهواة لعبة التحطيب العصا بمركز التحطيب الرئيسي بساحة قرية حسن فتحي بالقرنة غرب الأقصر أن التحطيب المصري له جذور قديمة ومتأصلة في التاريخ فقد بدأ في العصر الفرعوني كطقس من الطقوس المنتظمة التي تؤدي في الأعياد الدينية وبدلا من العصي الخشبية كانوا يستخدمون لفافات البردي الكبيرة حتى لا يصاب المتبارين بالأذى وكان اللاعب يستخدم لفافتين بدلا من واحدة بالإضافة للخلفية الموسيقية.

 

ثم جاء تطور التحطيب باختزال اللفافتين إلى واحدة ثم تحويلها إلى عصى بتطور استخداماتها في مجال الدفاع عن النفس بجانب اعتبارها طقس لا ينتمي إلى الطقوس الدينية بل إلى العادات الاجتماعية التي تفرض التحطيب في المناسبات السعيدة. 

 

ورغم محلية التحطيب إلا أنه انتشر في كثير من الحضارات مثل الكيندو الياباني والمبارزة القديمة التي انتشرت في معظم الحضارات الغربية، والتي تتشابه طقوسها وأخلاقياتها مع الجذور القديمة للتحطيب الفرعوني؛  حيث يرجع تسميتها بالتحطيب لأنها تلعب بالحطب أو العصي الغليظة والهدف كان أساسا للتدريب على الأسلحة، إلا أنها أخذت في الانزواء والتحول لمجرد رقصة فقط دون الاهتمام بالجانب الرياضي منها.

 

أصبحت استعراضا يقام في الأفراح في الريف المصرى وصعيد مصر كنوع من التراث الشعبي فعصي التحطيب المستخدمة ليست عصى شجار وعدوان ولكنها محبة وتعارف وصداقات بين اللاعبين قد تمتد إلى عشرات السنين وأزمنة بعيدة بالعصا هنا بالأقصر رسالة سلام واطمئنان لجميع ضيوفها من مختلف جنسيات العالم.