عبدالله السلايمة يكتب المشهد الثقافى فى شمال سيناء

شمال سيناء .. إبداع فى مواجهة الارهاب

القافلة‮ ــ  ‬الفنان مصطفى بكير‮
القافلة‮ ــ ‬الفنان مصطفى بكير‮

على‭ ‬المتتبع‭ ‬لمسيرة‭ ‬الحراك‭ ‬الثقافى‭ ‬فى‭ ‬شمال‭ ‬سيناء،‭ ‬أو‭ ‬الراصد‭ ‬للمنجز‭ ‬الشعرى‭ ‬والسردى‭ ‬فيها،‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬فى‭ ‬الاعتبار‭ ‬أمراً‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬الأخذ‭ ‬به،‭ ‬وهو،‭ ‬أن‭ ‬سيناء‭ ‬مرت‭ ‬بظروف‭ ‬سياسية‭ ‬فرضت‭ ‬عليها‭ ‬عزلة‭ ‬إجبارية‭ ‬حرمتها‭ ‬من‭ ‬مواكبة‭ ‬انفتاح‭ ‬مصر‭ ‬الأم‭ ‬على‭ ‬أوروبا،‭ ‬واكتشاف‭ ‬كُتّابها‭ ‬فن‭ ‬القصة‭ ‬والرواية‭.‬

هذه‭ ‬العزلة‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬الأثر‭ ‬الواضح‭ ‬والجلى‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬الشعر‭ ‬الشعبى‭ ‬الشفهى‭ ‬سيد‭ ‬الموقف،‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬بمرحلة‭ ‬‮«‬الشعراء‭ ‬القدماء‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬يظل‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬طاغيًا‭ ‬فى‭ ‬حضوره‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬‮«‬الجيل‭ ‬الوسيط‮»‬،‭ ‬تلك‭ ‬التى‭ ‬بدأت‭ ‬بعزل‭ ‬الاحتلال‭ ‬البريطانى‭ ‬لسيناء‭ ‬فى‭ ‬منتصف‭ ‬الأربعينات‭.‬

ويمثل‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬الوسيط‭ ‬حلقة‭ ‬الوصل‭ ‬بين‭ ‬الشعراء‭ ‬القدماء‭ ‬وجيل‭ ‬الشباب‭ ‬المحدثين،‭ ‬الذين‭ ‬أخذوا‭ ‬على‭ ‬عاتقهم‭ ‬رسم‭ ‬خارطة‭ ‬الأدب‭ ‬فى‭ ‬سيناء،‭ ‬بعد‭ ‬تحريرها‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬متحررين‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬عزلة‭ ‬سياسية‭ ‬صنعها‭ ‬المحتل‭ ‬البريطانى،‭ ‬ومن‭ ‬بعده‭ ‬ربيبه‭ ‬الإسرائيلى،‭ ‬اللذين‭ ‬حاولا‭ ‬لفترات‭ ‬طويلة‭ ‬طمس‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬لسيناء،‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أسوأ‭ ‬الأثر‭ ‬فى‭ ‬عدم‭ ‬إظهار‭ ‬وجهها‭ ‬الثقافي‭. ‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬تنبه‭ ‬له‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬من‭ ‬الأدباء،‭ ‬فجعلوا‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1982‭ ‬بداية‭ ‬لانطلاقة‭ ‬جديدة،‭ ‬كان‭ ‬للمرحوم‭ ‬الشاعر‭ ‬محمد‭ ‬عايش‭ ‬عبيد‭ ‬الدور‭ ‬الريادى‭ ‬فيها،‭ ‬وفى‭ ‬الأخذ‭ ‬بيد‭ ‬أدباء‭ ‬آخرين،‭ ‬شكّلوا‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬سويًا‭ ‬خارطة‭ ‬الأدب‭ ‬فى‭ ‬شمال‭ ‬سيناء،‭ ‬تفردوا‭ ‬به‭ ‬خارج‭ ‬الحيز‭ ‬المكانى،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬تعرضوا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬صعاب‭ ‬كانت‭ ‬كفيلة‭ ‬بدفعهم‭ ‬إلى‭ ‬الإحباط‭ ‬والتراجع‭ ‬وموت‭ ‬عطائهم‭ ‬الإبداعى،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إرادتهم‭ ‬كانت‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الصعاب،‭ ‬فقد‭ ‬استطاعوا‭ ‬خلال‭ ‬أربعة‭ ‬عقود،‭ ‬ملء‭ ‬مثالب‭ ‬خارطة‭ ‬الأدب‭ ‬بأجناس‭ ‬أدبية‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬الشعر‭ ‬الذى‭ ‬یُعد‭ ‬الشعراء‭: ‬حسونة‭ ‬فتحى،‭ ‬عبدالقادر‭ ‬عیاد،‭ ‬عبدالكریم‭ ‬الشعراوى‭ ‬من‭ ‬فرسان‭ ‬عاميته‭. ‬فيما‭ ‬تراوحت‭ ‬كتابات‭: ‬حاتم‭ ‬عبدالهادى‭ ‬السيد،‭ ‬وصلاح‭ ‬فاروق،‭ ‬بركات‭ ‬معبد‭ ‬بین‭ ‬شعر‭ ‬التفعيلة‭ ‬والنثر‭.‬

أما‭ ‬أحمد‭ ‬سواركة،‭ ‬أشرف‭ ‬العنانى،‭ ‬سامى‭ ‬سعد،‭ ‬سالم‭ ‬شبانة،‭ ‬فقد‭ ‬جاءوا‭ ‬مختلفون‭ ‬نثریًا‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬ذواتهم‭.‬

وهناك‭ ‬من‭ ‬تصدى‭ ‬لعصف‭ ‬ریاح‭ ‬الحداثة،‭ ‬مدفوعا‭ ‬بقناعات‭ ‬لها‭ ‬قوة‭ ‬إيمانهم‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬شعر‭ ‬سوى‭ ‬الفصيح‭ ‬منه،‭ ‬مثل‭: ‬زكریا‭ ‬الرطیل،‭ ‬محمود‭ ‬فخر‭ ‬الدین‭.‬

وعند‭ ‬الحديث‭ ‬حول‭ ‬المنجز‭ ‬السردي‭: ‬قصة‭ ‬ورواية‭ ‬فى‭ ‬شمال‭ ‬سيناء،‭ ‬فقد‭ ‬بدأت‭ ‬أولى‭ ‬التجارب‭ ‬القصصية‭ ‬فى‭ ‬الظهور‭ ‬بعد‭ ‬تأسيس‭ ‬نادى‭ ‬أدب‭ ‬العريش‭ ‬عام‭ ‬1980،‭ ‬حيث‭ ‬أصدر‭ ‬بعض‭ ‬أعضاء‭ ‬النادى‭ ‬أول‭ ‬مجموعة‭ ‬قصصية‭ ‬مشتركة‭ ‬عام‭ ‬1989،‭ ‬حملت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬الحب‭ ‬وقصص‭ ‬أخرى‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬توالت‭ ‬إصدارات‭ ‬الأعضاء،‭ ‬حيث‭ ‬أصدر‭ ‬حسن‭ ‬غريب‭ ‬خمس‭ ‬مجموعات‭ ‬قصصية‭(‬الانحدار‭ ‬إلى‭ ‬أعلى1993‭  ‬،‭  ‬تجاعيد‭ ‬على‭ ‬حجر‭ ‬من‭ ‬ذهب2002،‭  ‬اتجاه‭ ‬إجبارى‭ ‬2004،‭ ‬امرأة‭ ‬تعزف‭ ‬على‭ ‬الأسلاك‭ ‬الشائكة‭ ‬2006،‭ ‬عينان‭ ‬فى‭ ‬الأفق‭ ‬الشرقى‭ ‬2009‭). ‬وأصدر‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬الشريف‭ ‬أربع‭ ‬مجموعات‭ ‬قصصية‭ (‬حدث‭ ‬فى‭ ‬العريش1999،‭ ‬نِباح‭ ‬وهمسات‭ ‬2002،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬متاحًا2004،‭ ‬أحزان‭ ‬عابرة‭ ‬2017‭).‬

وهناك‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يُصدِر‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬مجموعة‭ ‬واحدة،‭ ‬مثل‭ ‬محمود‭ ‬طبل‭ ‬‮«‬الوجه‭ ‬الحسن‭ ‬2001‮»‬،‭ ‬مصطفى‭ ‬آدم‭ ‬‮«‬حصاد‭ ‬الأرغول‭ ‬2013‮»‬،‭ ‬سعيد‭ ‬رمضان‭ ‬‮«‬الأحراش‮»‬‭.‬

وساهم‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬فى‭ ‬الحراك‭ ‬السردى‭ ‬بمجموعتين‭ ‬قصصيتين‭ (‬أشياء‭ ‬لا‭ ‬تجلب‭ ‬البهجة2000،‭ ‬أوضاع‭ ‬محرّمة‮»‬‭ ‬2016‭.‬

وكما‭ ‬هى‭ ‬عادة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكُتّاب،‭ ‬كانت‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬هى‭ ‬المحطة‭ ‬الأولى‭ ‬لكُتّاب‭ ‬الرواية‭ ‬فى‭ ‬شمال‭ ‬سيناء،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تغويهم‭ ‬الرواية،‭ ‬ويجدوا‭ ‬فيها‭ ‬مساحة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬لرصد‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬حولهم‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬راحة،‭ ‬وتفاصيل‭ ‬أكثر‭ ‬دقة‭.‬

فمن‭ ‬بين‭ ‬كُتّاب‭ ‬القصة‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يكتفِ‭ ‬بما‭ ‬أنجزه‭ ‬من‭ ‬نتاج‭ ‬قصصى،‭ ‬بل‭ ‬حاول‭ ‬إثراء‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافى‭ ‬فى‭ ‬شمال‭ ‬سيناء‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الروايات،‭ ‬التى‭ ‬ترصد‭ ‬هموم‭ ‬وقضايا‭ ‬المجتمع‭ ‬فى‭ ‬سيناء،‭ ‬والتغيرات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬التى‭ ‬مر‭ ‬بها،‭ ‬ومازال‭ ‬يعانى‭ ‬منها‭.‬

ويمكن‭ ‬التأريخ‭ ‬لميلاد‭ ‬الرواية‭ ‬فى‭ ‬شمال‭ ‬سيناء‭ ‬بعام2000،‭ ‬حين‭ ‬أصدر‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬باكورة‭ ‬أعماله‭ ‬الروائية‭ ‬‮«‬بركان‭ ‬الصمت‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬التى‭ ‬تُعَدّ‭ ‬تاريخياً‭ ‬أولَ‭ ‬رواية‭ ‬تصدر‭ ‬فى‭ ‬سيناء،‭ ‬وروايتى‭ ‬الأخيرة‭ ‬‮«‬حكايات‭ ‬العابرين‭ ‬2019،‭ ‬شهد‭ ‬المكان‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬إصدار‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الروايات‭.‬

ويعتبر‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬الأكثر‭ ‬إسهامًا‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬حيث‭ ‬أصدر‭ ‬ست‭ ‬روايات‭(‬بركان‭ ‬الصمت‭ ‬2000،‭ ‬قبل‭ ‬المنحنى‭ ‬بقليل‭  ‬2004،‭ ‬صحراء‭ ‬مُضادة‭  ‬2012،‭ ‬خطايا‭ ‬مقصودة‭ ‬2019،‭ ‬شمال‭ ‬شرق‭ ‬2021،‭ ‬ورواية‭ ‬صديقى‭ ‬ماسود‭ ‬2021‭) .‬

ولم‭ ‬تخلو‭ ‬الساحة‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬آخرين،‭ ‬حيث‭ ‬أصدر،‭ ‬وصدر‭ ‬لإسراء‭ ‬عبد‭ ‬الحميد‭ ‬روايتان،‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬شين‮»‬‭ ‬2016،‭ ‬ورواية‭ ‬‮«‬إنما‭ ‬الحب‭ ‬ما‭ ‬ثبت‭ ‬2017‮»‬‭.‬