وائل الإبراشي.. كلنا متسولون

الكاتب الصحفي عبدالله عسكر
الكاتب الصحفي عبدالله عسكر

«الله يرحمه» تسعة أحرف نطقها لا يتجاوز الجزء من الثانية الواحدة، لكنها تساوي ملء الأرض والسماء ذهبا لروح كانت من دم ولحم أصابت وأخطأت فعلت الخير والشر كما هو منوال كل البشر على الكوكب، فلا أحد يحوز على الخير كله وكذلك الشر.

تسعة أحرف نطقها مجاني، أنت تملكها وغيرك في أمس الحاجة إليها، فغدا لو كنت إمام الدعاة وسيد الأولياء ستكون متسولا إليها من أي أحد حتى لو منحك إياها غير إنسان، فليست هي شهادة تمنحها للميت بمدى صلاحه أو فساده أو دينه أو كفره، انطقوا بها ولو مجاملة لعلها تقبل فتصعد وتخترق السماء وتتشقق جدران المقابر من خشية الله، فتفلت بها روح إلى رحمات الله. 

أشهر عبارة ولا نقول أخفها وطأة من سيل كبير من الشماتة المذمومة «مستريح ومستراح» وقد علق بها بعض من يوصفون بالدعاة على وفاة الإعلامي وائل الإبراشي، العبارة وردت في الأحاديث النبوية المشرفة التي يقصد منها النبي كما قال صلى الله عليه وسلم  «العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب»، فالكل يعلم نواياهم، يريدون تحميل أقوال النبي غير ما أراد صلى الله عليه وسلم.. فما عقابكم؟

  لم يقتل الإبراشي 99 نفسا، رغم أن من أزهق أرواحهم كتب له الله الغفران برحمته، فكلنا نذكر قصة الرجل الذي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قتل 99 نفسا وأكمل المائة براهب منع عنه التوبة لكن الله جزاه بنواياه وسعيه للمغفرة، حين كتبت نهايته على أرض اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فكان من الصالحين.  

هناك الكثير من يسارع ويهرع إلى أداء الفروض الدينية، من صلوات وصيام وأداء عمرة أو حج، ويتصورون أن أداءها هو أكبر ضامن لهم لدخول الجنة.. فالحقيقة أن القرآن الكريم والسنة النبوية والشريعة كلها لم تعط ضمانا لأحد على الإطلاق بدخول جنة أو نار، وذلك بخلاف النصوص التي وردت في شخوص بأعينهم.

القرآن الكريم جعل دخول الجنة بعد عقبات لابد من الجميع اقتحامها وجعل المرحمة والرحمة آخر تلك العقبات التي تضمن دخول الجنة «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (سورة البلد 11 ـ 18)» فالرحمة تدعو إلى العدل والإنسانية ومد اليد للغير بلا تردد لكل من يحتاجها، فهي كنز مكنون وينبوع يفيض بالغيث لكل من لجأ إليه!

انشروا الرحمة على ألسانتكم لكل محتاج حيا كان أو ميتا، فاليوم تملكون الدعاء بها وغدا ستتمنونها حتى لو تسولتمها من أعدائكم قبل محبيكم... فالإبراشي روح أصبح أمرها في يد خالقها وأضحت في ضعف لا تطلب فيه غير الرحمة.. فلا تخوضوا في أمور لا تملكونها لأنفسكم أو لغيركم.