علاء عبد الهادي يكتب: تلميذ العميد

علاء عبد الهادي يكتب : تلميذ العميد
علاء عبد الهادي يكتب : تلميذ العميد

رحل الأستاذ.. المعلم.. المفكر الكبير..
رحل د. جابر عصفور فارس التنوير ليس فى مصر بل فى وطننا العربى كله.

لن تجد مثقفا حقيقيا فى مصر أو فى عالمنا العربى فى العقود الثلاثة الأخيرة إلا وقد تتلمذ أو تربى فى مدرسته الفكرية والنقدية، واستنار بمشروعه الفكرى.

اتخذ د. جابر عصفور منذ الساعة التى مسك فيها كتاب الأيام وهو لازال تلميذا، من منهاج طه حسين نموذجًا يسير على أثره من أجل أن يصنع منجزًا ثقافيًا وفكريًا يستحق الخلود..

ومن يومها صار تلميذا نجيبا فى مدرسة العميد طه حسين النقدية للتراث العربى القديم.

عاش جابر عصفور حياته، وهو صاحب رسالة سعى لإيصالها، مدافعا عن مواقفه التى لم يهادن فيها شخصا ولا سلطة ولا جماعة مهما كان رأيه صادما حتى لقناعات الأغلبية، أو مهما كان مختلفا مع المتمترسين وراء ستار الدين، مروجين أن من يختلف معهم إنما يختلف مع الإسلام ذاته، وأن من ينكر آراءهم، إنما ينكر صحيح الدين.

عرفته بحكم عملى الصحفى لسنوات مسئولا عن ملف الثقافة فى جريدة الأخبار، ولكننى كنت للأمانة أتهيب الإقتراب منه تقديرا واحتراما لقامته العلمية، بعدها اتيحت لى الفرصة فى عام 2009 لكى اكتشفه إنسانيا عندما سافرت برفقته، إلى تورينو فى إيطاليا عندما كانت مصر ضيف شرف معرض تورينو الدولى للكتاب، ومن يومها لم يغلق الباب فى وجهى يوما.

ولم يرفض الإجابة على سؤال وجهته له ولم يبخل على بنصيحة، وتوطدت العلاقة بيننا بعد ذلك، وما فعله معى فعله مع كل من طرق بابه.
كانت فترة توليه مسئولية أمانة المجلس الأعلى للثقافة، فترة ذهبية دارت داخل أروقته حالة حوار ثقافى ثرية بين جميع المثقفين المصريين.

ثم امتد النشاط لبعده العربى بل والدولى، وأصبحت مصرخلال توليه الأمانة قبلة لكبار المثقفين العرب والأجانب، بعد سنوات كانت فيها شبه قطيعة ثقافية لمصر.

ولاهتمامه اللامحدود بضرورة الإنفتاح على كافة الأفكار والثقافات، أسس مع فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق المركز القومى للترجمة.

الذى بدأ قوياً عفيا، ومبشرا بنقلة فى إتاحة الكتاب المترجم القيم للمثقف المصرى.


خاض د. عصفور غمار الكثير من المعارك الثقافية ذات العيار الثقيل، مع مؤسسات حصنت نفسها منذ قرون حتى أصبح أحد أهم الرموز التنويرية.. لم يكن يفوت فرصة دون أن يعرى فيها جماعات الإسلام السياسى، الذين ادعوا إيمانهم بالديموقراطية "كلفظ" لكنهم لا يقبلونها "واقعاً".


تقديرى أن منصب وزيرالثقافة الذى تولاه د. جابر لمرتين استثنائيتين كان فخاً، سحب من رصيده  كمبدع ومفكر تنويرى، وناقدا فريدا لا مثيل له، الأسباب كثيرة ليس هذا أوان التعرض لها، حيث كنت شاهدا على بعض تفاصيلها.


 رحم الله د. جابر عصفور، ولكن منجزه الفكرى، قائم يحتاج إلى من يبنى عليه ويكمل الطريق الذى بدأه، تماما كما بنى هو  على طريق بدأه العميد طه حسين. 

اقرأ ايضا | ثلاثة نقاد في وداع «عصفور»