أحمد الجمَّال
نعرف أن هناك عربات مخصصة للسيدات فى مترو الأنفاق، واعتدنا فى المصالح الحكومية أو المتاجر الكبرى أن نرى طابورين، واحدا للرجال والثانى للنساء، لكن أن تكون هناك حفلات فى دور العرض السينمائى للجنس الناعم فقط، فهذا هو الأمر الغريب، لكنه حدث بالفعل فى مصر قبل 66 عاماً، آخرساعة دخلت إحدى هذه الحفلات خلسة، ونشرت تقريراً حول هذه التجربة من داخل سينما مترو بوسط القاهرة، نعيد نشر أبرز ما ورد فيها من تفاصيل فى السطور التالية:-
هل حاولت مرة أن تقف أمام سينما مترو فى الساعة الثالثة يوم الأربعاء من كل أسبوع، وتقتحم ذلك الستار الحديدى المضروب حول الجنس اللطيف؟ وهل حاولت أن تزوِّغ وتدخل مع الطابور الناعم الذى يتقدم وحده بعيداً عن متاعب الرجال فى الحفلة النسائية المخصصة لهن؟!.. إن أسرار الحريم تعود من أعماق الماضى لتظهر كل يوم أربعاء، فما رأيك لو دخلنا خلسة لتشاهد بنفسك كل ما يدور فى هذه الحفلة؟
الساعة الآن الثالثة ظهراً، ولا يزال هناك بعض الوقت لنستطيع أن نرى شيئاً قبل أن تطفأ الأنوار.. مهلاً فإنى أرى طابوراً من الأطفال والسيدات.. كل سيدة تسحب وراءها عدداً لا بأس به من الأولاد، وهذه إحدى الخواص التى تمتاز بها حفلة السيدات، ثم لعلك لاحظت أن غالبية المتفرجات من الأمهات المتقدمات فى السن، ولا تكاد ترى من الفتيات إلا القليل النادر، ولعل الفتيات يفضلن الحفلات العادية على هذه الحفلات الخاصة التى ليس فيها ما يثير فضولهن، وحتى لو حضرت بعض الفتيات فإنك تجد منهن تبرماً وعدم اهتمام، ويحاولن إزالة هذا الضجر والملل إما بالقراءة أو بأشغال الإبرة، وهذا مظهر آخر من المظاهر التى لا تجدها فى الحفلات العادية، فهل تتصوَّر أن تنصرف فتاة فى حفلة من الحفلات العادية إلى القراءة أو أشغال الإبرة؟!
هناك ظاهرة أخرى واضحة فى هذه الحفلة.. ظاهرة البساطة والمودة، فما السر فى ذلك؟ لا تعجب إذا قلت لك إن سبب هذا كله هو عدم وجود العنصر الآخر فى الحفلة، فالجميع هنا سيدات يفهم بعضهن بعضاً، بالتالى لا داعى للتطاحن والتنافس والمظاهر الكاذبة.
لكن ما لى أراك تحقق هكذا فى هذه السيدة؟ أأنت فى دهشة لأنها مستغرقة فى النوم؟ من يدرى لعلها ضاقت ذرعاً بمَنْ فى البيت فجاءت تلتمس الهدوء فى هذا المكان، ثم ما رأيك فى هذه الأم التى جاءت بطفلها الرضيع، إنها واثقة ومتأكدة من شيء واحد، هو أنه مهما يكن صراخ طفلها فلن يسمعه أحد وسط هذا الهدير المتدفق من الكلام الذى يبدو أنه لن ينتهى أبداً.
ولكن ماذا حدث؟ لقد انتهى اللغط وساد الهدوء.. إن الجميع يتجهن بأبصارهن ناحية المدخل.. لابد أن هناك شيئاً غير عادى يحدث هناك، ولكن مهلاً إحدى السيدات تدخل وتكاد الأنظار تلتهمها، ألا ترى معى أن ليس هناك سبب لهذه الدهشة التى أسكتت الجميع، لكن لعل مظهرها هو السبب فى هذا كله، لأنها ترتدى الملاءة اللف، ولكن هذا لا يصلح أن يكون سبباً وجيهاً.. إذن ربما السبب هو أن الفيلم الذى سيعرض أجنبي، ومع هذا فالكثير من النساء يشاهدن أفلاماً أجنبية رغم أنهن لا يفهمن لغة الفيلم.. ولكن مالنا نتعب أذهاننا فى البحث عن السبب الحقيقي، فهى نفسها لا تقيم وزناً لكل هذه الضجة التى ثارت حولها، بل تتقدم فى ثقة وعلى شفتيها ابتسامة عريضة.
ثم تجلس فى مكانها بهدوء وهى سعيدة لأنها استطاعت أن تلفت إليها أنظار جميع من بالحفلة، وكأنما كان دخولها إعلاناً لبدء الفيلم فأطفئت الأنوار وبدأ العرض، وعاد اللغط من جديد، ولكنه كان فى هذه المرة، عبارة عن صرخة استحسان أو كلمة إعجاب، أو ربما زفرة من الأعماق.