دماء على الأسفلت.. قصة لم تنتهِ بعد..
عنوان أعتدنا قراءته، مترافقا مع الأسى لحالنا و حال طرقنا ، اعتدنا أن تحترق قلوبنا حزنا على ضحايانا ، و تذرف عيوننا دما بدلا من الدموع لفراق الأعزاء ، ضحايا يعلم ذووهم أن لا أمل في استرجاع حقوقهم و التحقيق في السبب كما يعلمون أن لا أمل في رجوعهم للحياة.
ضحايا شبكات طرق سيئة ، ذات تصنيف متدنٍّ لجودة و سلامة الطرق و حالة من التراخي في كل الحقوق و حالة من اليأس أنه لا إمكانيات و لا أمل .
عنوان توقعت شخصياً أن لا أراه مجددا بعد كم الإنجازات في هذا الملف .. آلاف الكيلومترات أضيفت لشبكة طرق المحروسة..تطوير، توسعة ، تجديد. طرق كنا نحلم بامتلاكها و إعادة تخطيط لا ينكره إلا حاقد أو كاره أو خائن .
محاور و كباري جديدة ، و طرق وجدت من عدم حرفيا ، اختصار للمسافات و الوقت و الجهد و الوقود و الكثير من الأفكار المفيدة و الجيدة و الاستغلال الأمثل للمساحات .
كل هذا لمسناه كمواطنين عاديين غير مراقبين للشأن الداخلي عن كثب ، تطوير جعلنا نأمل بل و نحلم بمستوى عالمي جديد لجودة الطرق و جودة الخدمات و مواكبة كل هذا للجمهورية الجديدة و المستقبل الموعود .
بزغ الأمل بداخل الجميع و تحمل الكل مراحل التطوير بكل مساؤها و مشاكلها و آلامها و تحملنا حتي اعتراضنا علي الكثير من القرارات المجحفه علها تكون في الصالح العام و تكون مميزاتها أكثر بكثير من سلبياتها .
أمل كبير احبط من جديد بواقع صادم و بقصور في نواحي عدة ، الطرق التي دُفعت المليارات لتطويرها و توسعتها تحول منها جزء لمرائب عامة و احتلها " السياس" ليعلنوا أنهم هم من يجنوا ثمرة التطوير و يعلنوا فرض الإتاوة و البلطجة في حالة رفض الانصياع .
بدلا من التوسعة لتحقيق سيولة المرور ابتلعت صفوف انتظار السيارات - بجانب اكشاك العصائر و المقاهي المنتشرة تحت الكباري - التوسعة و رجعنا للاختناقات ،
كأنما صُرف مال دافعي الضرائب حتي تصبح شوارع القاهرة مرأب مفتوح .
و عادت الطرق السريعة لتحتل العناوين كوسيلة للموت السريع و احتلته الحوادث المدوية .
و بدلا من أن يُحكم الشارع بتفعيل لقوانين المرور الضامنة للسلامة و الأمان من حدود السرعة و مسارات النقل و مواعيدها و اماكن لمحطات النقل العام و مسارات ادمية له لضمان سلامة المشاة و السيارات و بدلا من توفير اماكن للمشاة و قانون للمخالفين منهم ، و قانون لضمان سلامة المركبات و مطابقتها لحدود الامان ، تُرك الشارع للفوضي الضامنة لتدني الخدمات و لهدر المال و الروح .
و رجعنا من جديد لاهدار حق الطريق ، حق الطريق الذي هو الضمان لجودته و استمرار خدماته ، حق الطريق الذي من السهل جدا ضمانه اذا انتظم الشارع تحت لواء الحزم ، حزم في تطبيق القانون يضمنه تواجد أمني مكثف يمنع وجوده مجرد التفكير في التجاوز و التحايل بل انه يمنع حتي ارتكاب الجرائم و المضايقات .
نعم تطوير الطرق كمسارات احد أهم متطلبات المواطن و واحد من أهم حقوقه لكن لنصل الي هذا لابد من ان تنظم المنظومة ككل … ليس فقط جودة الطريق تصميمياً و تنفيذياً بل كل ما يتبعه ذلك من جدول محكم للصيانة الدورية و معاقبة حقيقية للمتعدي علي الطريق .
نحتاج تفعيل حقيقي و حازم للقوانين الموجودة بالفعل و تغليظ بعضها و استحداث ما يتطلبه الشارع طبقاً لكل حالة .
نحتاج أن تكون الاختبارات المؤهلة للحصول علي تصريح القيادة و الشق النظري فيها تحديداً حقيقياً حتي يُجبر المجتمع علي محو أميته لقانون المرور و متطلبات السير و القيادة و علاج و تأهيل نفسي حقيقي لقائدي النقل الجماعي حتي يدرك أنه مؤتمن علي أرواح المئات ممن يقلهم و يتعامل معهم في الشارع .. نحتاج لتوعية مجتمعية بجانب كل هذا و الكثير الكثير من الجهد .
الحقيقة انها منظومة كبيرة لن تستقيم الا باستيفاء كل جوانبها و ليس جانب واحد ، فانضباط الشارع و السيطرة عليه و ضمان أمنه من اهم عوامل الإحساس بالامان لدي المواطن العادي .
لا يليق بمصر ابداً بكل ما تمتلك من حضارة و إمكانيات ، بكل ما أنعم الله علي ابنائها من اخلاص و حب لها و تفاني في خدمتها ، أن يكون الاستهتار و التراخي و العشوائية و الفوضي هم صفات طرقها .
بل أنه لا يليق أن يهدر المال العام بهكذا طريقة لاننا فقط لم ننهض بالمنظومة ككل و نظرنا للمشكلة بعين محدودة و كأننا لا نريد أن نحلم الحلم المشروع و المطلوب ، الحلم بأننا نستطيع و نستحق .