ميلاد المسيح.. احتفال بدخول الفرح إلى العالم

البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية
البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية

بقلم/ البابا تواضروس الثانى
بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية

ونحن نحتفل بعيد الميلاد المجيد إنما نحتفل احتفالًا خاصًا لأن هذا العيد نفتتح به أعيادنا فى السنة الميلادية، وهذا العيد الذى يحتفل به العالم كله إنما هو احتفال بدخول الفرح إلى العالم، كان العالم قبل ميلاد السيد المسيح لا يشعر بفرح حقيقى كان العالم يعيش بعيدًا عن الفردوس.

وكان الفرح فى ميلاد السيد المسيح فالإنسان بدون المسيح فاقد الفرح والسعادة الداخلية وإن كانت الدول تعمل من أجل رعاية الشعوب أما السيد المسيح فجاء من أجل رفاهية الأفراد، كان الفرح ينقص الإنسان وجاء المسيح مولودًا فى مذود بيت لحم لكى ما يمنح الإنسان فرحًا كبيرًا والسؤال الآن من أين وكيف يأتى الفرح؟

نحن نتعلم فى الكنيسة ونصلى فى الحاننا ونردد كلمة «هليللويا» وهى كلمة تهليل وفرح وهى كلمة مشهورة فى سفر المزامير وسفر الرؤيا وتتكرر أربع مرات وتشير إلى جهات الأرض الأربعة أريد أن أتأمل معكم فى خمسة مشاهد عن الفرح من أين يأتي؟
1-المشهد الأول: فى حياة أمنا العذراء مريم عندما نالت البشارة من الملاك جبرائيل ذهبت بسرعة إلى القديسة أليصابات وذهبت إليها لتخدمها وعندما رأتها اليصابات ابتهج الجنين فى بطنها أما أمنا العذراء حولت هذه المناسبة إلى صلاة «تُعَظِّمُ نَفْسِى الرَّبَّ وَتَبْتَهِجُ رُوحِى بِاللهِ مُخَلِّصِي» فهذا هو المصدر الأول للفرح الخلاص، أمنا العذراء من البشر وعرفت أنها تحتاج للخلاص وهكذا جميع أجيال العهد القديم كانت تبحث باشتياق عن من يأتى ويخلص وحتى أجيال الأمم كما قال سقراط» لا سبيل إلى معرفة الحقيقة إلا إذا جاء رب الحقيقة وإعلانها بذاته».
2-المشهد الثانى: نراه فى القديس يوسف النجار ذلك الشيخ الوقور الذى اختصه الله ليكون حارسا لسر التجسد وكان رفيقًا لأمنا العذراء وفى الطريق لبيت لحم وهو الذى صاحب الأم والطفل الرضيع إلى مصر عبر طرق شاقة جدًا، الفرح هنا هو فرح المسئولية فالله عندما يمنحنا مسئولية تكون مصدرا للفرح إذا استخدمها الإنسان بكل أمانة وإخلاص.
3-المشهد الثالث: مشهد الملائكة الذين ظهروا فى السماء جعلوا السماء منيرة ويسبحون ويرتلون « الْمَجْدُ للهِ فِى الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ « هذا الفرح هو فرح التسبيح، التسبيح هو اللغة الراقية للصلاة، كان فرح التسبيح فرحا حقيقًيا علمته لنا الملائكة من خلال هذه التسبيحة القصيرة ولكنها شاملة، لا تستطيع أن تقدم تسبيحًا ألا أن تمجد الله أولًا وأن تصنع سلاما لتكون تسبحتك مقبولة والخطوة الثالثة بالناس المسرة وأنك أنت تشعر بهذا الفرح وتنشر الفرح فى حياة الناس.

4- المشهد الرابع: نجده عند الرعاة وهم أناس بسطاء ومؤتمنين على القطعان التى يرعونها وكانوا يعتبرون خارج سكان أى مدينة لأنهم يتنقلون كانوا بكل أمانة يحرسون القطعان فى البادية وكانت هذه البساطة هى سبب الفرح يقول القديس أغسطينوس»وقفت على قمة العالم عندما وجدت نفسى لا أشتهى شيئا ولا أخاف شيئا هؤلاء كانوا كذلك وكانت الصفة الغالبة فيهم أنهم عاشوا حياة الرضا، الإنسان الذى يتذمر لا يشعر بالفرح وهؤلاء البسطاء الرعاة استحقوا أن يكونوا أول من يعرف ميلاد السيد المسيح فى العالم كله، ربما معيشتهم بسيطة ولكنها صنعت لهم فرحًا وظهر لهم الملاك وقال لهم « فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ « ونعرف أنهم قاموا مسرعين وذهبوا إلى بيت لحم ونالوا الجائزة أنهم أول زوار وشاهدوا الطفل يسوع.
5-المشهد الخامس: مشهد المجوس القادمين من بلاد المشرق الذين استغرقوا شهورًا فى رحلتهم كانوا علماء وأغنياء وتحملوا مشقة الرحلة، وتبعوا النجم ووصلوا إلى أورشليم ووصلوا للملك وسألوا عن المولود ملك اليهود وطلب منهم هيرودس أن يبحثوا عن الصبى بتدقيق، أما هم فذهبوا وتبعوا النجم حتى وصلوا إلى البيت ومعهم الهدايا وهنا يظهر فرح المشاركة، عندما تشارك الآخرين تحصل على فرح عظيم وكان مع المجوس الهدايا وأتوا ليشاركوا فرحة الملك المولود ملك اليهود رغم أنهم من الأمم وقدموا هداياهم وشاركوا فرحة أمنا العذراء والقديس يوسف النجار وفرحتنا أيضًا وكان هذا مبدأ المشاركة، الإنسان لا يخلق لنفسه بل لمجتمع يخدم ويعمل وحياة الشركة هى الغالبة على اديرتنا القبطية.

فيصير هذا العيد هو عيد دخول الفرح إلى العالم ونصلى أن يملأ هذا الفرح كل القلوب والعقول وكل البلاد وكل إنسان، وتكون حياتنا فى العام الجديد بعد هذه الجائحة ونرجو أن تنتهى قريبًا ويكون الإنسان متهللا من الداخل برغم وجود المشاكل وفرحان من داخله ويقبل على الحياة ويعطى الإنسان طاقة.

أكرر تهنئتى وباسم كل الآباء الأساقفة والمطارنة والآباء الرهبان والشمامسة نهنئ الجميع بهذا العيد المجيد ونصلى لكى يمنح الله نعمة وسلام وصحة وعافية لكل أحد نصلى من أجل كل المصابين وأن يمنحهم الله شفاء ونصلى من أجل الذين رقدوا ونصلى من أجل كل إنسان ونتذكر دائما الإجراءات الاحترازية الواجبة.