الارتباك في الأداء السوداني يضاعف الحمل علي الجهود المصرية علي كل المستويات الأمنية والدبلوماسية والتنموية والاجتماعية الثقافية. نشأت مع أبناء جيلي علي دندة أغنية باللهجة السودانية تبقت منها في ذاكرتي نغمة الشطرة التي تقول » مصر والسودان هتة واهد»‬. الدلالة واضحة عن امتداد تاريخي وعمق جغرافي وعُري انسانية اجتماعية وثقافية.  مشاعرالمودة في مجملها لم تزل باقية علي المستوي الشعبي منذ حقبة الاستقلال وحتي الآن إلا من بعض النعرات القومية الجنوبية الرافضة لهذا الانسجام والتناغم الإنساني نتيجة تراكم استعماري قديم وربما اخطاء السياسيين. الآن يرتبك مشهد العلاقات المصرية /السودانية بشكل مدهش. ففي أسبوع واحد يبدو التضاد في الأداء السوداني، فتعلن الإدارة بالخرطوم عن إدراج حلايب ضمن الدوائر الانتخابية السودانية تمهيداً لانتخابات 2015 في تصعيد واضح للنزاع مع مصر علي ذلك المثلث الحدودي، وفي نفس الوقت  تري الفرحة الشعبية والأهازيج والزفة السودانية علي الجانب الآخر من حدودنا الجنوبية لدي افتتاح معبر »‬قسطل- أشكيت» البري للتبادل التجاري بين مصر والسودان احتفالاً بهذا الفتح العظيم. هكذا يدهشك الأداء السياسي المتضارب للخرطوم فيما يخص العلاقة مع مصر، وبينما يبرز التجاهل الطويل من حكومات الخرطوم المتعاقبة لأطراف السودان الجنوبية والخضوع غير المفهوم لخطط تقطيع أوصاله وتساقطها من البدن السوداني بدءا  بانفصال الجنوب الثري (مساحته اكثر من 600 ألف كم2 بما يمثل أكثر من رُبع مساحته الكلية)، ومروراً بالتكاسل المريب إزاء احتمال انفصال خاصرته »‬إقليم كردفان» التي أصبحت حالياً هي طرفه الجنوبي، تجد في المقابل تمسكاً غير مفهوم بعقلة إصبع لا تخصه في الطرف الشمالي الشرقي علي الحدود مع مصر ومنازعة غير قانونية معها علي منطقة حلايب وشلاتين (مساحتها اكثر قليلاً من عشرين ألف كم2). تربطنا بالسودان حقوق تاريخية وقانونية في مياة النيل توحد المصائر والمصالح، لكنك تجد تخاذلاً مريباً من الخرطوم واصطفافاً استراتيجياً وعسكرياً مع إثيوبيا. لاتدري هل هي انتهازية الضعيف حين يلتصق بالطرف الأقوي ويحتمي به توفيراً للجهد في صراع غير مأمون العواقب، أم أنها مجرد نكاية سياسية في مصر بعد 30 يونيو من حكومة الخرطوم الإسلامية؟. هذا الارتباك في الأداء السوداني يضاعف الحمل علي الجهود المصرية علي كل المستويات الأمنية والدبلوماسية والتنموية. ثمة يقظة أمنية مصرية تشيع الارتياح في النفس، توجتها تصريحات وزير الدفاع لدي زيارته لقيادة المنطقة الجنوبية عن ضرورة تنمية جنوب الوادي بما يعكس إدراكاً لكل أبعاد المشهد المرتبك مع عمقنا الجنوبي. فالوضع لن يتحسن بالتعامل الأمني والعسكري وحده بقدر ما يمكن تنشيطه بالتنمية وعدم إغفال عنصر رفاه مجتمع الجنوب، بدمجه اقتصادياً وثقافياً مع باقي أعضاء الجسد المصري وتقوية التواصل مع العاصمة. ولن يتوافر ذلك إلا بالتوازي مع العمل علي تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي والديني مع السودان اعتماداً علي قوتنا الناعمة وركام المودة الكامن في نفوس المصريين والسودانيين علي حد سواء. الأدب والفن والدراما والبعثات العلمية والخبرات الفنية التكنولوجية، والتبادل التجاري، كلها عناصر تقوية للروابط المتهالكة. وهنا أتساءل عن أسباب التجمد الذي أصاب مشروعات الزراعة المصرية في أراضي السودان، والمشاركة في المراعي وتراجع استيراد اللحوم السودانية والإثيوبية. وعن دور البعثات الأزهرية وجامعة القاهرة فرع الخرطوم. مازال في الوقت بقية لترميم العلاقة مع السودان، وطرف الخيط موجود في أيدينا.. فقط في انتظار المبادرة.