وحيد حامد.. وتجار البطاطس والإرهاب

وحيد حامد
وحيد حامد

مرت سنة واحدة فقط على رحيل الكاتب وحيد حامد، ويستطيع مشاهد السينما، ومتابع الفن عموماً أن يلحظ الفراغ الذي تركه الرجل، حتى وإن لم يكن يقدم سنوياً فيلماً أو مسلسلاً. لكن وجوده كان يكفي.


وجوده هذا تهدد في سنوات كثيرة، وحقب أكثر، وجوده تهدد مع سيطرة الإخوان المسلمين بكل تأكيد، ولم لا فهو العارف بدهاليز سياستهم وتاريخهم، وقدمهم في أكثر من صورة، كان أكثر شراسة في «طيور الظلام»، وأكثرها مهادنة في «الجماعة»، وجوده تهدد كذلك مع سيطرة نمط ما على السينما التي كان يحبها ويعشقها، وهذا النمط الذي سماه هو في أحد مقالاته الشهيرة «سينما تجار البطاطس».


عن هؤلاء رأى وحيد أنهم يلعبون لحسابهم فقط، هم يلعبون بلا قواعد، المهم هو الربح، ولا شيئاً غيره. السينما عندهم مجرد تجارة، مثلها مثل تجارة البطاطس والباذنجان، هم غرباء تمامًا عن السينما كفن ووسيلة من وسائل المتعة والإحساس بالجمال ومناقشة قضايا الناس. هم يطلقون الشائعات ويكتبون في الإعلانات.


المدهش أن وحيد في مقاله الشهير انتقد كذلك ذهاب هؤلاء التجار إلى استثمار المد الديني والأخلاقي الذي احتل مساحة عريضة من أرضية المجتمع المصري. كان ذلك في التسعينيات وأوائل الألفينيات، فيرى أن هؤلاء الذين كانوا يدافعون عن مشاهد العري والجنس الفج، يذهبون بلا إنسانية إلى مشاهد خالية من القبلات، وسينما نظيفة كما أطلقوا عليها.


وحيد حامد كان يرى أن السينما الحقيقية هي السينما الواعية الملتزمة بالمعايير الفنية الصحيحة، التي تهتم بقضية الفيلم وموضوعه وعناصره الفنية. هي السينما التي تحرص على المصداقية ولا أمرًا غيرها. رأى أن السينما الرخيصة والتافهة التي حولت النكت المستهلكة إلى أفلام، وتستخدم الكوميديا لإضحاك الناس مثل استعمال الإبر الصينية، هي التي ستدمر صناعة السينما.


تجار البطاطس هؤلاء، كما يرى وحيد حامد، ضحكوا على أنفسهم كما ضحكوا على الجمهور. وعن طريقة الإصلاح قال إن السينما غنية فعلاً بالمبدعين القادرين على صناعة سينما جيدة تحترم ذوق المشاهد، حتى لو كانت تحتوي على مشاهد غرامية.


استشرف وحيد المستقبل، وقال إن أفكار حركة طالبان في أفغانستان التي كانت وليدة هناك في تلك الفترة، سيطرت بشكل كبير على عقول عدد هائل من سكان الوطن العربي ومصر، متوقعًا أن يكون أول إنجاز لتلك الحركة هو حرق السينمات، وهو بالفعل ما حدث، وهو ما حاول الإخوان فعلاً عمله هنا في مصر خلال السنة التي حكموا فيها مصر.


وحيد عاد بعد هذا المقال، وهذه الأزمة التي تحدث عنها، وأنتج عدداً مهماً من أفلامه التي حققت الثنائية: الجمهور والجودة. أنتج «إضحك الصورة تطلع حلوة» لأحمد زكي وليلى علوي، وكذلك «محامي خلع» والذي تعاون فيه مع أحد رموز الجيل الجديد حينها، هاني رمزي، والمخرج محمد ياسين. كذلك قدم «دم الغزال» وعددًا آخر من الأعمال التي كانت واجه فيها تجار البطاطس وأصحاب الفكر الطالباني، وكانت أشد وأقسى المواجهات.


رحل وحيد منذ عام، وتاريخه شاهد على أنه أحد أهم كتاب عصره، بل وكل العصور في مصر. رحل ولم يترك عقلاً وقلماً واعياً يستطيع أن يواجه جماعات الظلام والبطاطس بحرفية وحيد حامد - مع الاعتذار للبطاطس بكل تأكيد -.