الافكار أكبر من الكلام، و»علي قد مساحة مقالك اكتب»‬، وعمنا محمد درويش يعاني الأمرين حتي أسلمه المقال في موعده، لكنه نعم الأستاذ، وحضرتك عزيزي القارئ مستعجل، وتريد مقالا يكفيك، و(يكيفك)، والعبد لله في ورطة حقيقية، لن يستطيع أن يقول المزيد عن المؤتمر الاقتصادي لأن فرحته به وبالصورة الحلوة التي ظهرت بها مصر التي تستيقظ بحق ( والتي نشرت كل صحفنا تقريباً  مانشيتات عن استيقاظها)، ولن أكتب عن الصورة الحلوة للشباب الذين اجتمعوا حول الرئيس لالتقاط صورة، نحلم بمثلها مع المحبوسين ظلماً حين يخرجون من السجون (بالمناسبة لا نعرف أسماء من خرجوا حتي الآن)، ولن أكتب عن المليارات التي تدفقت ثقة في مصر، ولا الملايين التي (فاصل) فيها السيسي، فلدينا رئيس لا يأخذ عمولات من تحت (الترابيزة)، وإنما يتبرع من جيبه لإنقاذ (غارمة) من السجن ويعفو عنها عفواً رئاسياً، بعد أن أضاف مكتب الرئيس لمهامه مهمة (التواصل الإنساني) مع البشر، وجعل الأعمال الخيرية واجباً عليه يقدمه يومياً لعشرات يقفون علي باب الاتحادية، صحيح أنه في الأمور الطبيعية لا يجب أن يقفوا علي باب الاتحادية بل تلبي حاجاتهم بعيداً عنها، لكن من قال أننا في وضع طبيعي في بلد استثنائي بناه حلواني مش مهندس !! كنت سألفت النظر أيضاً إلي خطورة (التهويل) مما حدث في المؤتمر، و(فرض العين) علي الحكومة لمتابعة ما حدث، لكن حواراً سريعاً جمعني بالمهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء أكد خلاله أن المؤتمر الاقتصادي لم ينته، وإنما بدأ، وأن العمل تواصل بعد انتهاء فعاليات شرم الشيخ في أماكن أخري، وأن حالة التفاؤل ورد الفعل الشعبي الجارف علي المؤتمر يجب استغلالها في تحقيق إنجازات حقيقية، يشعر معها المواطن أنه علي تواصل مباشر مع الحكومة، وسيختبر السيد رئيس الوزراء الأمر من خلال مبادرة (اتكلم) التي ستتيحها مؤسسة (اسمعونا ) خلال الأيام القادمة بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار. كذلك كنت سألفت النظر إلي (التأهيل) المطلوب للبشر والسكان من خلال تنمية بشرية حقيقية يجب أن تتحقق للمواطن، حتي لا نفاجأ بالعاصمة الجديدة وقد تحولت إلي عشوائيات جديدة، لكن حواراً آخر جمعني بالدكتورة هالة يوسف وزيرة الدولة للسكان كشف عن وزيرة محترمة ورؤية واقعية تريد إحداث إنجاز حقيقي للبني آدم. لكن ما يمكن أن أتحدث عنه في هذا الصدد أننا لا نريد أن تتحول المشروعات إلي (فنكوش)، كما لا يجب أن نتعامل مع (منتقدي) المؤتمر وتوابعه علي أنهم (حفنة من الخونة) بقدر ما يجب تفنيد ما يقولونه وبعث الطمأنينة للشعب المصري ومحاورتهم في نموذج محترم للحوار الغائب عن هذا الوطن.. ما يمكن أن أتحدث فيه هو أن ضابطاً تم تقديمه للمحاكمة في قضية شيماء الصباغ، إلي جانب لواء شرطة ومجند لم يشهدا عليه، وقد أدهشني وأدهش الكثيرين، بل وأوجعنا، وبعث ببعض الشك، تكييف التهمة كضرب أفضي إلي موت، وكان لزاماً علي بيان النائب العام بيان السبب ولماذا لم يكن قتلا عمدا أو حتي قتلا خطأ، كما اندهشت من خلو أسماء المتهمين في (مخنقة) استاد الدفاع الجوي من أسماء بعينها ينبغي تقديمها للمحاكمة، وطمأنني زملاء بأن هؤلاء المتهمين يمكن إضافتهم فيما بعد أثناء المحاكمة. كل ما فات (يمكن) أن أتحدث فيه، لكن من (يجب) أن أتحدث عنه هو أحمد عبد الرحمن. شاب أسواني طيب يمشي في شارع قصر العيني حاملاً حقيبته علي ظهره. أحمد عبد الرحمن الذي يعمل حارس أمن، ويأخذ من الدنيا بأكملها القليل، الذي يرسل منه الكثير لأمه في أسوان. أحمد الذي رأي تجمهراً في شارع قصر العيني، شاهد فيه مجموعة من الرجال يرتدون ملابساً مدنية يجرون فتيات بعرض الطريق، فما كان منه سوي أن حاول تخليصهم وهو يصرخ : إيه اللي بتعملوه ده يا عم عيب كده.. لتكون المفاجأة أن هذا التجمهر تظاهرة ضد قانون التظاهر، وأن الرجال شرطة ومخبرين يقتادون الفتيات، وما إن وجدوا أحمد يحاول إنقاذهن حتي قبضوا عليه هو الآخر. الكل يقول (مانعرفهوش) وليس له علاقة بالسياسة، لكن النيابة أسرع في توجيه الاتهام، والمحاكمات أسرع من محاكمة مبارك والإخوان، وأحمد الذي يحتفظ بسكين صغير (لزوم السلاطة يا باشا والله) رفض أن (يكذب) ويقول أن السكين لا يخصه، ليتم الحكم علي أحمد. أحمد عبد الرحمن يبكي من أجله الكثيرون، تبكيه أمه، ويبكي كل من يعرف قصته، ويضرب محاموه كفاً بكف علي هذا الشاب المحترم الجدع الشهم الذي هو في السجن، بينما القتلة خارجه. فمن يستطيع إنقاذ أحمد عبد الرحمن ؟؟ لنا وله الله، لكن (ربنا مايرضاش بالظلم ) يا ريس.