خواطر الإمام الشعراوي | من لقطات يوم القيامة

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

يقول الحق فى الآية 62 من سورة القصص: «وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ»،والسؤال هنا للذين أشركوا، لا لمن أُشرك بهم، وكلمة «وَيَوْمَ...» منصوبة على الظرفية، لابد أن نُقدِّر لها فعلاً يناسبها، فالتقدير: واذكر يوم يناديهم، والأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لمن يذكره رسول الله؟ يذكره للكافرين بهذا اليوم يوم القيامة.

والآية تعطينا لقطة من لقطات هذا اليوم الذى هو يوم الواقعة التى لا واقعةَ بعدها، ويوم الحاقَّة أى الثابتة التى لا تَزَحْزُحَ عنها، ويوم الصَّاخة أى: التى تصخّ الآذان التى انصرفتْ عنها فى الدنيا، ويوم الطامة التى تطمُّ، ويوم الدين، أى: الذى ينفع فيه الدين.
والحق سبحانه يذكر هذه اللقطة لأمرين:
الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عُودى وأُوذِى وهزِيء به وسُخِر منه، واجتمعت عليه كل وسائل النكال من خصومه فبيَّتوا به بمكر، وصنعوا له سحراً.. إلخ.

وحين تجد دعوة تُقابَل بهذه الشراسة، فاعلم أنها ما قُوبلت هذه المقابلة إلا لأنها ستهدم فساداً ينتفع به قوم ترهبهم كلمة الإصلاح؛ لأنها تصيبهم فى مصالحهم وفى شهواتهم وفى جاههم وعنجهيتهم وطغيانهم، فطبيعى أن يقفوا فى وجهها.
لذلك نجد كثيراً من الغربيين يعرفون عظمة الإسلام من شراسة عداوة خصومه، يقولون: لو لم يكُنْ هذا الدين ضد فسادهم ما ائتمروا عليه، ولو كان أمراً هيِّناً لتركوه للزمن يمحوه، لكنهم أيقنوا أنه الحق الذى سيُذهِب باطلهم، ويقضى على طغيانهم.

إقرأ أيضاً | خواطر الإمام الشعراوي| ما يصيبهم إنْ اتبعوا رسول الله

فالحق سبحانه يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أنْ يذكر ذلك اليوم يذكره لنفسه، ويذكره لقومه ليعتبروا، فربما إذا سمعوا ما فى هذا اليوم من القسوة والخزى والنكال ربما راجعوا أنفسهم فتابوا إلى الله.
إذن: ليس حظ الله تعالى من هذا العمل أنْ يُرهبهم إنما ليحذرهم، لئلا يقع منهم الكفر الذى يُوقِفهم هذا الموقف، كما تُبشِّع لولدك عاقبة الإهمال، وتُحذِّره من الرسوب لينفر من أسبابه، ويبحث عن أسباب النجاح.

يقول تعالى: «وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ...» وقد ناداهم فى الدنيا: يا أيها الناس، يا بنى آدم فصمُّوا آذانهم، وأعرضوا عن نداء الله، واليوم يناديهم نداءً لا يملكون أنْ يصمُّوا آذانهم عنه؛ لأنه «لمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار» «غافر: 16» فكأن الحق يُذكِّرهم بهذا اليوم، لعلهم يرعوون، ولعلهم يرجعون.

الأمر الثانى: أن الآية جاءت تسلية لسيدنا رسول الله يقول له ربه: لا تيأس مما يصنعون معك، ولا يحزنك كيدهم وعنادهم؛ لأننى سأصنع بهم كيت وكيت. وأنت تستطيع أن تدرك سِرَّ هذا الإيعاز النفسى فى نفس المضطهد وفى نفس المظلوم حين يشكو لك ولدك أن أخاه ضربه أو أهانه فتقول أنت لتُرضيه: انتظر سوف أفعل به كذا وكذا، فترى الولد ينبهر بهذه العقوبة المسموعة ويسعد بها، وكذلك حين يسمع رسول الله العقوبة التى تنال أعداءه على ما حدث منهم يسعد بها، وتُسرِّى عن نفسه ما يلاقي.

ومضمون النداء «أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ» فلم يقُلْ شركائى ويسكت، إنما وصفهم «الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ» لأنه سبحانه واحد لا شريك له، وهؤلاء شركاء فى زعمهم فقط، والزعم كما يقولون: مطية الكذب؛ لذلك لن يجدوا جواباً لهذا السؤال «أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ».
ولو كان أمامهم شركاء لقالوا: ها هم الذين أضلُّونا، فأذِقْهم يا رب العذاب ضِعْفين، لكنهم لم يجيبوا فهذا دليل على أنهم غَير موجودين، لقد وقف هؤلاء المشركون حائرين، لا يدرون جواباً كما قال تعالى: «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنبآء...».