خواطر الإمام الشعراوي.. الإلزام بالحجة

 الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي

يقول الحق فى الآية ٥٩ من سورة القصص :«وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُون».

إذن: لابد أن نُعْلِم بالمنهج، ويأتى رسول يقول: افعل كذا، ولا تفعل كذا، حتى إذا حَلَّ العذاب بالكافرين يكون بالعدْل، وبعد إلزامهم الحجة، لا أنْ نترك الناس يذنبون، ثم نقول لهم: هذا حرام.


وسبق أنْ قُلْنا ما قاله القانون: لا عقوبة إلا بتجريم، ولا تجريم إلا بنصًّ، ولا نصَّ بإعلام. وما كان الله ليهلك قرية ظلماً، إنما عقوبةً لهم على ما فعلوا.


ثم يقول الحق فى الآية ٦٠: «وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُون». معنى: «مِّن شَيْءٍ...» من أيِّ شيء من مُقوِّمات الحياة، ومن كمالياتها «فَمَتَاعُ الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا...» فمهما بلغ هذا من السُّمو، فإنه متاع عمره قليل.


لذلك طلبنا منكم ألاَّ تنشغلوا بهذا المتاع، وألاَّ تجعلوه غايةً، لأن بقاءك فيها مظنون، ومتاعك فيها على قَدْر نشاطك وحركتك.


وسبق أنْ قلنا: إن آفة النعيم فى الدنيا إما أن يتركك أو تتركه، وأن عمرك فى الدنيا ليس هو عمر الدنيا، إنما مدة بقائك أنت فيها، ومهما بلغتَ من الدنيا فلابد من الموت.


لذلك يدلُّنا ربنا- عَزَّ وجَلَّ- على حياة أخرى باقية مُتيقَّنة لا يفارقك نعيمها ولا تفارقه :«وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ».


«خَيْرٌ...» لأن النعيم فيها ليس على قَدْر نشاطك، إنما على قَدْر الله وعطائه وكرمه، «وأبقى..»لأنه دائم لا ينقطع، فلو قارن العاقل بين متاع الدنيا ومتاع الآخرة لاختار الآخرة.


لذلك، فإن الصحابى الذى حدَّثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر الشهيد، وتيقَّن أنه ليس بينه وبين الجنة إلا أنْ يُقتل فى سبيل الله، وكان فى يده تمرات يأكلها فألقاها، ورأى أن مدة شغله بمضغها طويلة؛ لأنها تحول بينه وبين هذه الغاية، ألقاها وأسرع إلى الجهاد لينال الشهادة. لماذا؟ لأنه أجرى مقارنة بين متاع الدنيا ومتاع الآخرة.


والحق سبحانه وتعالى حين يُجرى هذه المقارنة بين الكفار وبين المؤمنين يقول: «قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين...» إما أن ننتصر عليكم ونُذلكم، ونأخذ خيراتكم، وإما ننال الشهادة فنذهب إلى خير مما تركنا «وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا...» .


إذن: لا تتربصون بنا إلا خيراً، ولا نتربّص بكم إلا شراً.


وفى موضع آخر قال سبحانه: «بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا والآخرة خَيْرٌ وأبقى» لذلك ذيَّل الآية هنا بقوله تعالى: «أَفَلاَ تَعْقِلُونَ» لأن العقل لو قارن بين الدنيا والآخرة لابد أنْ يختار الآخرة.

إقرأ أيضاً|خواطر الإمام الشعراوي | التعالي على النعمة