ليس في القوانين واللوائح المصرية أية تفرقة في تولي الوظائف العامة، أو مزاولة المهن الحرة بين الجنسين. ولكن التقاليد لا توافق علي ذلك.  ثلاثة أشياء تتجاذب الإباحة والتحريم في مصر: التقاليد والشرائع والواقع. فالشرائع تحرم الخمور، والتقاليد والواقع يبيحانها. واللوائح كانت تبيح البغاء الرسمي منذ زمن بعيد، مع أن التقاليد تنكره، ودور السينما تعرض كل يوم مناظر العناق والتقبيل وروايات الحب المحرم والحب الشريف، والتقاليد لا تعترف بشيء من ذلك، فأنت تستطيع أن تذهب مع عائلتك إلي إحدي هذه الدور لتشاهد أفحش المناظر، مع أنهم - في الوقت ذاته - قد ينهرونك إذا وجدوا في يدك رواية غرامية. وقد أباحت وزارة المعارف للفتاة نعيمة الأيوبي أن تحصل علي إجازة الحقوق، ولكن محكمة الاستئناف توقفت في قيد اسمها في جدول المحامين، وقد تحرمه عليها، وأباحت لفتيات أخريات أن يحصلن علي إجازة كلية الآداب، ولكن التقاليد والواقع يحرمان عليهن كثيرا من أعمال الرجال. >>> وليس في القوانين واللوائح المصرية أية تفرقة في تولي الوظائف العامة، أو مزاولة المهن الحرة بين الجنسين، أعني أن نص القانون يبيح للمرأة كل ما يبيحه للرجل، ولكن التقاليد لا توافق علي ذلك، فنصوص القانون معطلة. وللمرأة - أمام المحاكم الأهلية - كل ما للرجل: أعني أنها تستطيع أن تتمتع بحق رفع الدعوي مثله، أن تكون مدعية ومدعي عليها، وأن تكون شاهدة وخبيرة، ولكنها لا تعامل في الحياة علي هذا النحو: فهي منزوية، ضعيفة، عاجزة، يأكل الرجل حقوقها، أو يتساهل في المحافظة عليها. وبعبارة أخري: لا تتمتع بالاعتبار العملي كما تتمتع بالاعتبار القانوني، فنصوص القانون هنا نظرية. والتقاليد أو بعضها الذي يزال حيا، تحرم علي الفتاة أن تختار زوجها، مع أنها - في كثير من الأحيان - تهرب مع الرجل الذي تحبه، والأب يحرم علي ابنته أن تقرأ المجلات والروايات، او تكتب خطابا عاديا لزوج أختها أو ابن عمها مع أنها - في الواقع - تقرأ كل المجلات ولا تفوتها رواية من الروايات الجديدة، وتكتب خطابات غرامية لأكثر من واحد من الشبان الغرباء عنها، وهذا طبيعي لأن الكبت لا فائدة فيه وتهذيب الغرائز بإطلاق الحرية لها خير ألف مرة من كبتها لأنها حينئذ تضيف إليها نقائص جديدة. وفي مصر اليوم فتيات كثيرات يراقصن الشبان في المراقص العامة، مع أن التقاليد تنقم من ذلك، ولكن ماذا تستطيع التقاليد أن تفعل إذا كان تيار المدنية الجارف يريد؟! >>> وخلاصة هذا التجاذب الثلاثي لحدود الإباحة والتحريم في مصر أننا نري ما يلي: لا يعجب الوسط من اشتغال الفتاة بالبغاء مثل ما يعجب من اشتغالها بعمل شريف آخر لم تجر التقاليد بمزاولتها إياه. يحرم الوسط علي الفتاة اختيار زوجها فتهرب مع من تريد. يكره الوسط أن تحب المرأة فتتزوج، فتضطر أن تخون زوجها الذي لا تحبه. تضع التقاليد قيودا كثيرة علي الزواج لا تقرها الشرائع، فيتم الزواج السري، ويتم الاختلاط من غير زواج ومن ثم يكثر اللقطاء. يباح للفتاة أن تراقص الشبان، ولكنها لا تستطيع أن تكتب خطابا غراميا إلي شاب تحبه ليتزوجها إلا إذا فعلت ذلك سرا. يخزن فريق كبير من الفتيات في البيوت فيؤدي بهن هذا الكبت إلي عوائد ضارة وعلاقات وضيعة. >>> ويستطيع كل واحد أن يعد عشرات من أمثال هذه النتائج الطبيعية لفساد مقاييس الإباحة والتحريم في مصر، وكل هذه الأمثال أدلة قاطعة علي أن الحياة الاجتماعية تتدهور ولا تصلح، وتتعثر ولا تتقدم، وهي لا يمكن أن تصلح وتتقدم إلا إذا قربنا جهد الاستطاعة بين ما يبيحه القانون والتقاليد وما يتطلبه الواقع. فإذا كانت نعيمة الأيوبي قد نالت إجازة الحقوق فيجب أن تصبح محامية، وإذا كانت المرأة تحب رجلا فلتتزوجه، أو تريد أن تقرأ رواية فلتقرأها، أو تريد أن تذهب إلي السينما فلتذهب، لا يجب أن نحجب عنها الحياة، وإنما يجب أن نبصرها بالصالح الذي فيها والفاسد، فتنمو ملكتها الناقدة العاقلة في جو من الحرية فسيح، أما الكبت وحبس الضوء والنور عن عينيها فيفسد في ذهنها مقاييس الحسن والشيء فتتخبط وتزل وتأثم.