فضفضة

نصف حياة

هالة فؤاد
هالة فؤاد

تسللت أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬إلى‭ ‬فروع‭ ‬الشجرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬أمام‭ ‬شرفتى‭ ‬فزينت‭ ‬أوراقها‭ ‬كمصابيح‭ ‬مضيئة‭.. ‬ملأ‭ ‬تلألؤها‭ ‬المبهر‭ ‬روحى‭ ‬فسرى‭ ‬فى‭ ‬نفسى‭ ‬إحساس‭ ‬بالتفاؤل‭ ‬والرضا‭.. ‬شعرت‭ ‬أنها‭ ‬رسالة‭ ‬ربانية‭ ‬تحسم‭ ‬لى‭ ‬ترددى‭ ‬فيما‭ ‬كنت‭ ‬أفكر‭ ‬فيه‭.. ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬أردت‭ ‬قراءتها‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬لى‭ ‬وترجمتها‭ ‬كما‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬ماكنت‭ ‬أنتوى‭ ‬عليه‭. ‬

أعترف‭ ‬أن‭ ‬قرارى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سهلا‭ ‬علىَّ،‭ ‬لكنها‭ ‬الحياة‭ ‬تفرض‭ ‬علينا‭ ‬دوما‭ ‬الوقوف‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭ ‬عند‭ ‬مفترق‭ ‬طرق‭.. ‬تجبرنا‭ ‬على‭ ‬الاختيار‭ ‬والحسم‭ ‬لا‭ ‬تترفق‭ ‬بنا‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬نترفق‭ ‬نحن‭ ‬بأنفسنا‭ ‬فنميل‭ ‬للحسم‭ ‬بما‭ ‬يريح‭ ‬مشاعرنا‭ ‬ولا‭ ‬نكترث‭ ‬كثيرا‭ ‬بما‭ ‬تمليه‭ ‬علينا‭ ‬ضمائرنا‭ ‬وعقولنا‭. ‬

بحساب‭ ‬المشاعر‭ ‬كنت‭ ‬أرغب‭ ‬فى‭ ‬الموافقة‭ ‬عليه‭.. ‬أحببته‭ ‬رغم‭ ‬ظروفه‭ ‬الصعبة‭ ‬المعقدة‭.. ‬جذبنى‭ ‬بوسامته‭.. ‬هيبته‭.. ‬مركزه‭ ‬المرموق‭.. ‬حضوره‭ ‬الطاغى‭.. ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬مستوى‭ ‬مادى‭ ‬مبهر‭.. ‬لم‭ ‬أكترث‭ ‬لحالته‭ ‬الاجتماعية‭.. ‬لم‭ ‬يهمنى‭ ‬أنه‭ ‬متزوج‭ ‬من‭ ‬امرأة‭ ‬كان‭ ‬الكل‭ ‬يعرف‭ ‬أنه‭ ‬يحبها‭.. ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬زواج‭ ‬تصورناه‭ ‬كلنا‭ ‬الأسعد‭.. ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تخل‭ ‬من‭ ‬ابتلاء‭.. ‬لم‭ ‬يرزقه‭ ‬الله‭ ‬بطفل‭ ‬كان‭ ‬يحلم‭ ‬به‭ ‬طويلا‭.. ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬نقطة‭ ‬ضعفه‭ ‬التى‭ ‬تسللت‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬انجذب‭ ‬هو‭ ‬إلىّ‭ ‬منها‭.‬

لا‭ ‬أعرف‭ ‬كيف‭ ‬وافقت‭ ‬على‭ ‬الاستسلام‭ ‬لمشاعر‭ ‬الحب‭ ‬التى‭ ‬تسللت‭ ‬إلىَّ‭ ‬لكن‭ ‬إعجابى‭ ‬الكبير‭ ‬به‭ ‬فتح‭ ‬لى‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭.. ‬وبمجرد‭ ‬أن‭ ‬شعرت‭ ‬بميله‭ ‬لم‭ ‬أتردد‭ ‬فى‭ ‬تشجيعه‭.. ‬لم‭ ‬أكترث‭ ‬بأننى‭ ‬أدمر‭ ‬مشاعر‭ ‬أخرى‭ ‬بينما‭ ‬أطلق‭ ‬لمشاعرى‭ ‬العنان‭.. ‬وأهدم‭ ‬بيت‭ ‬أخرى‭ ‬لأقيم‭ ‬بيتى‭ ‬على‭ ‬أنقاضه‭.. ‬أعترف‭ ‬أن‭ ‬شعورا‭ ‬بالذنب‭ ‬كان‭ ‬يداهمنى‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬لكن‭ ‬حبى‭ ‬له‭ ‬كان‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكتم‭ ‬كل‭ ‬صحوة‭ ‬ضمير‭.. ‬وكان‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬حسما‭ ‬عندما‭ ‬صارحنى‭ ‬بأنه‭ ‬لن‭ ‬يتخلى‭ ‬عن‭ ‬زوجته‭ ‬وأن‭ ‬علىّ‭ ‬قبول‭ ‬وضعى‭ ‬كزوجة‭ ‬ثانية‭ ‬بكل‭ ‬تبعات‭ ‬ذلك‭ ‬الاختيار‭.. ‬ووافقت‭ ‬بكل‭ ‬رضا‭ ‬ودون‭ ‬أى‭ ‬شروط‭.‬

تزوجنا‭ ‬وبعد‭ ‬شهور‭ ‬رزقنا‭ ‬الله‭ ‬بطفلة‭ ‬جميلة‭ ‬تشبه‭ ‬أباها‭ ‬كثيرا‭ ‬فكانت‭ ‬فرحته‭ ‬مضاعفة‭.. ‬تعلق‭ ‬بها‭ ‬بقوة‭.. ‬ملأت‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬حياته‭.. ‬كان‭ ‬يخلق‭ ‬الأعذار‭ ‬لعدم‭ ‬الذهاب‭ ‬كثيرا‭ ‬للعمل‭ ‬ليقضى‭ ‬معها‭ ‬أكبر‭ ‬فترة‭.. ‬قلل‭ ‬زياراته‭ ‬لزوجته‭ ‬الأولى‭.. ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬لتوازنه‭ ‬والنظام‭ ‬الصارم‭ ‬لحياته‭ ‬وعمله‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭.. ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬السعادة‭ ‬لم‭ ‬يكدرها‭ ‬سوى‭ ‬إحساس‭ ‬بتأنيب‭ ‬الضمير‭ ‬يراوده‭ ‬يترجمه‭ ‬شرود‭ ‬أعرف‭ ‬ماوراءه‭ ‬جيدا‭.. ‬حنينه‭ ‬لزوجته‭ ‬الأولى‭ ‬لم‭ ‬يغب‭ ‬لحظة‭ ‬عنه‭.. ‬كنت‭ ‬أشعر‭ ‬بأنها‭ ‬الأقرب‭ ‬لقلبه‭ ‬ولمشاعره‭.. ‬فزاد‭ ‬إحساسى‭ ‬بالغيرة‭ ‬منها‭.. ‬كنت‭ ‬أحاول‭ ‬طمأنة‭ ‬نفسى‭ ‬بأننى‭ ‬أملك‭ ‬مفتاح‭ ‬سعادته‭.. ‬فأنا‭ ‬من‭ ‬وهبته‭ ‬ابنتى‭ ‬قطعة‭ ‬منه‭ ‬كانت‭ ‬هى‭ ‬حلم‭ ‬حياته‭.‬

لم‭ ‬أعش‭ ‬فى‭ ‬أوهامى‭ ‬كثيرا‭ ‬فسرعان‭ ‬ماتدخل‭ ‬القدر‭ ‬ليسقينى‭ ‬من‭ ‬جنس‭ ‬عملى‭.. ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العقم‭ ‬كانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬أن‭ ‬حملت‭ ‬زوجته‭ ‬الأولى‭.. ‬وهنا‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬الصدمة‭.. ‬فرحة‭ ‬زوجى‭ ‬بخبر‭ ‬الحمل‭ ‬كان‭ ‬مضاعفا‭.. ‬خوفه‭ ‬عليها‭ ‬طوال‭ ‬شهورها‭ ‬الصعبة‭ ‬فاق‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬منحنى‭ ‬إياه‭.. ‬كانت‭ ‬عيناه‭ ‬تنطق‭ ‬بكل‭ ‬مشاعر‭ ‬الحب‭ ‬بينما‭ ‬ينتظر‭ ‬ابنه‭ ‬منها‭.. ‬كان‭ ‬يجاهد‭ ‬ليخفى‭ ‬تلك‭ ‬السعادة‭ ‬وذلك‭ ‬الحب‭ ‬الطاغى‭ ‬الذى‭ ‬يكنه‭ ‬لها‭.. ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬أبدا‭.. ‬فإحساسى‭ ‬كامرأة‭ ‬تمتلك‭ ‬ذلك‭ ‬الرادار‭ ‬الخفى‭ ‬الحساس‭ ‬الصادق‭ ‬يشى‭ ‬بأننى‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬يوما‭ ‬حبيبة‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬بالأدق‭ ‬لم‭ ‬أصل‭ ‬يوما‭ ‬لتلك‭ ‬المكانة‭ ‬التى‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬زوجته‭ ‬الأولى‭ ‬والتى‭ ‬توهمت‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬أننى‭ ‬فزت‭ ‬عليها‭ ‬بامتلاك‭ ‬قلبه‭. ‬

كان‭ ‬كمن‭ ‬ينتظر‭ ‬إشارة‭ ‬بسيطة‭ ‬ليرمى‭ ‬مشاعره‭ ‬تجاهى‭ ‬بعرض‭ ‬الحائط‭.. ‬وجاءه‭ ‬نور‭ ‬ساطع‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬إشارة‭.. ‬نور‭ ‬أضاء‭ ‬حياة‭ ‬الأخرى‭ ‬وسحب‭ ‬منى‭ ‬نور‭ ‬الحياة‭. ‬

الكارما‭.. ‬الجزاء‭ ‬من‭ ‬جنس‭ ‬العمل‭.. ‬فكما‭ ‬تدين‭ ‬تدان‭.. ‬لم‭ ‬أتخيل‭ ‬وأنا‭ ‬أطلق‭ ‬الاسم‭ ‬على‭ ‬ابنتى‭ ‬أنها‭ ‬رسالة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬وربما‭ ‬اعتراف‭ ‬ضمنى‭ ‬منى‭ ‬بخطئى‭ ‬وبقية‭ ‬من‭ ‬تأنيب‭ ‬ضمير‭ ‬دفعتنى‭ ‬لاختيار‭ ‬ذلك‭ ‬الاسم،‭ ‬وحسم‭ ‬القدر‭ ‬يأتى‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬تصوراتنا‭ ‬وتوقعاتنا‭ ‬وتخيلنا‭. ‬

لكنى‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أتصور‭ ‬أننى‭ ‬مذنبة‭ ‬لتلك‭ ‬الدرجة‭ ‬التى‭ ‬دفعت‭ ‬زوجى‭ ‬للتهرب‭ ‬منى‭ ‬تباعا‭ ‬حتى‭ ‬انقطع‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬البيت‭.. ‬تعلل‭ ‬فى‭ ‬البداية‭ ‬بظروف‭ ‬حمل‭ ‬زوجته‭ ‬الصعبة‭ ‬وبررت‭ ‬له‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬بفرحته‭ ‬بطفله‭ ‬الجديد‭.. ‬مواسية‭ ‬نفسى‭ ‬بتلك‭ ‬الشهور‭ ‬التى‭ ‬أمضاها‭ ‬معى‭ ‬بعد‭ ‬مجيء‭ ‬ابنته‭.. ‬كنت‭ ‬أعرف‭ ‬أننى‭ ‬أخدع‭ ‬نفسى‭ ‬لأن‭ ‬فرحته‭ ‬بابنه‭ ‬كانت‭ ‬تبدو‭ ‬كمن‭ ‬يرزق‭ ‬بطفل‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭.. ‬وأفقت‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحقيقة‭ ‬بعدما‭ ‬شعرت‭ ‬بجفاء‭ ‬وعدم‭ ‬اهتمام‭ ‬فى‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬ابنتى‭.. ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬متوهمة‭ ‬فالتغيير‭ ‬بدأ‭ ‬يزداد‭ ‬تدريجيا‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬كل‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتنا‭ ‬بعيدة‭ ‬عنه‭ ‬بل‭ ‬وملامحها‭ ‬التى‭ ‬تتغير‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬شاهدا‭ ‬عليها‭ ‬بعدما‭ ‬أسره‭ ‬الطفل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬زوجته‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬يعشق‭ ‬مثلها‭.‬

ضربات‭ ‬موجعة‭ ‬لم‭ ‬أكد‭ ‬أفق‭ ‬من‭ ‬إحداها‭ ‬حتى‭ ‬تصدمنى‭ ‬أخرى‭ ‬بقسوة‭.. ‬أصبحت‭ ‬أعيش‭ ‬نصف‭ ‬حياة‭.. ‬زوجة‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬الرسمى‭ ‬فقط‭.. ‬وبيت‭ ‬يفتقد‭ ‬دفء‭ ‬الزوج‭.. ‬وطفلة‭ ‬تعيش‭ ‬اليتم‭ ‬بينما‭ ‬والدها‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭. ‬

حاولت‭ ‬أن‭ ‬أستعيد‭ ‬حياتى‭.. ‬أن‭ ‬أنبهه‭ ‬لحقوقى‭ ‬وحقوق‭ ‬ابنتى‭ ‬عليه‭.. ‬فكان‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬العطايا‭ ‬المادية‭ ‬أما‭ ‬الوقت‭ ‬والاهتمام‭ ‬والرعاية‭ ‬فكانت‭ ‬خارج‭ ‬كل‭ ‬حساباته‭.‬

أشعر‭ ‬بالعجز‭ ‬ويزداد‭ ‬إحساسى‭ ‬بتأنيب‭ ‬الضمير‭ ‬نحو‭ ‬ابنتى‭ ‬بأننى‭ ‬تسببت‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬المصير‭ ‬التعس‭.. ‬ولا‭ ‬أدرى‭ ‬ماذا‭ ‬أفعل؟

لصاحبة‭ ‬تلك‭ ‬الحكاية‭ ‬أقول‭:‬

فات‭ ‬أوان‭ ‬تأنيب‭ ‬الضمير‭.. ‬والجزاء‭ ‬كما‭ ‬اعترفت‭ ‬أنت‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬جنس‭ ‬العمل‭.. ‬أسأت‭ ‬الاختيار‭ ‬عندما‭ ‬سمحت‭ ‬لمشاعرك‭ ‬بالانجراف‭ ‬نحو‭ ‬رجل‭ ‬تعرفين‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬زوجا‭ ‬عاديا‭ ‬لكنه‭ ‬زوج‭ ‬محب‭ ‬لزوجته‭.. ‬استمرأت‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬نقطة‭ ‬ضعفه‭ ‬بتأخره‭ ‬فى‭ ‬الإنجاب‭.. ‬لم‭ ‬يردعك‭ ‬شعور‭ ‬زوجة‭ ‬تدركين‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تسرقين‭ ‬فقط‭ ‬زوجها‭ ‬لكن‭ ‬الأهم‭ ‬رجلها‭ ‬الذى‭ ‬أحبته‭.. ‬رضيت‭ ‬أن‭ ‬تبنى‭ ‬بيتك‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬بيتها‭ ‬كما‭ ‬عبرت‭ ‬بكلماتك‭ ‬فنجحت‭ ‬هى‭ ‬فى‭ ‬استعادة‭ ‬بيتها‭ ‬وشيدته‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أجمل‭ .‬هى‭ ‬الكارما‭ ‬كما‭ ‬وصفت‭.. ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬كلماتى‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬قاسية‭ ‬لكنها‭ ‬ليست‭ ‬أقل‭ ‬قسوة‭ ‬مما‭ ‬فعلته‭ ‬بتلك‭ ‬الزوجة‭.‬

لم‭ ‬يبق‭ ‬أمامك‭ ‬سوى‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬حلين‭ ‬كلاهما‭ ‬مر‭.. ‬إما‭ ‬قبول‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬ماهو‭ ‬عليه‭ ‬مراهنة‭ ‬على‭ ‬عودته‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬ويقظة‭ ‬ضميره‭ ‬بإغفاله‭ ‬حقه‭ ‬تجاهك‭ ‬وتجاه‭ ‬ابنته‭.. ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬أشك‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭.. ‬فيكون‭ ‬الاختيار‭ ‬الثانى‭ ‬هو‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬بطلب‭ ‬الطلاق‭ ‬الذى‭ ‬ربما‭ ‬يدفعك‭ ‬إليه‭ ‬بإهماله‭ ‬وتقصيره‭ ‬نحوك‭.. ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬حقوقك‭ ‬وحقوق‭ ‬ابنتك‭ ‬المادية‭ ‬ستتأثر‭.. ‬والأرجح‭ ‬أنه‭ ‬سيلتزم‭ ‬بتلك‭ ‬الحقوق‭ ‬كما‭ ‬شهدت‭ ‬أنت‭.‬

أعرف‭ ‬أنه‭ ‬قرار‭ ‬صعب‭ ‬لكن‭ ‬الانسحاب‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬سيكون‭ ‬أفضل‭ ‬لك‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬التعلق‭ ‬بأوهام‭ ‬كاذبة‭ ‬أو‭ ‬استنزاف‭ ‬طاقتك‭ ‬وتفكيرك‭ ‬وجهدك‭ ‬فى‭ ‬كيفية‭ ‬استرجاع‭ ‬زوج‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يوما‭ ‬لك‭. ‬

لن‭ ‬تتوقف‭ ‬حياتك‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬القرار‭ ‬الصعب‭.. ‬لكنها‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬بداية‭ ‬لصفحة‭ ‬أكثر‭ ‬نقاء‭ ‬وصفاء‭ ‬ورضا‭. ‬

أما‭ ‬ابنتك‭ ‬فبالطبع‭ ‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬حقها‭ ‬فى‭ ‬الأبوة‭.. ‬جاهدى‭ ‬بكل‭ ‬طاقتك‭ ‬لتستعيدى‭ ‬مشاعره‭ ‬واهتمامه‭ ‬ومسئولياته‭ ‬تجاه‭ ‬ابنته‭.. ‬وظنى‭ ‬أن‭ ‬تصرفك‭ ‬الراقى‭ ‬سيفتح‭ ‬له‭ ‬الطريق‭ ‬لذلك‭.‬

مفترق‭ ‬طرق‭ ‬جديد‭ ‬عليك‭ ‬مواجهته‭ ‬بشجاعة‭.. ‬يبدو‭ ‬الابتلاء‭ ‬صعباً‭.. ‬لكن‭ ‬هكذا‭ ‬تمضى‭ ‬بنا‭ ‬الحياة‭.. ‬فمن‭ ‬منا‭ ‬يسلم‭ ‬من‭ ‬الخطأ‭ ‬ومن‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يسدد‭ ‬كشف‭ ‬حساباتها‭ ‬المرهقة؟‭.‬