«الصين ـ الهند».. هل تنهي الحشود العسكرية على الحدود السلام البارد؟

صورة موضوعية
صورة موضوعية

بكين ـ عــامر تمــام:

عام مر على الاشتباكات الدامية على الحدود الصينية ـ الهندية وراح ضحيتها عدد من الجنود الصينيين والهنود، هذه الأزمة وأخواتها من احتكاكات بحرية وصراع جيوسياسي، تشكل تحديا لجهود إعادة الثقة، والتفاهمات التي كانت سائدة خلال العقود الماضية، ما ينذر بالمزيد من التوترات بين البلدين.

 

رغم التنافس الكبير بين البلدين والنزاع الحدودي ــ وهي أطول حدود متنازع عليها في العالم ـ إلا هذه الحدود كانت هادئة إلا من بعض المناوشات منذ الحرب بين البلدين منذ عام 1962، ويرجع الفضل في ذلك إلى صياغة بكين ودلهي إطار عمل دائم لإدارة نزاعهما الحدودي والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك داخل حدود ما يمكن أن نطلق عليه السلام البارد.

 

ما بعد السلام البارد

 

لكن يبدو أن كلا البلدين ـ خاصة الهند ـ أصبحا أقل رغبة في التمسك بالتفاهمات القديمة، خاصة مع اتساع نطاق الصراع إلى مجالات ومناطق أخرى أبرزها احتكاكات في المحيط الهندي وانضمام الهند ـ أكبر مستورد للأسلحة في العالم ـ لتحالفات عسكرية مناهضة لبكين مثل "كواد" الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم اليابان واستراليا، بالإضافة إلى توقف جولات مفاوضات الحدود التي وصلت لأكثر من أربعين جولة منذ عام 2005، وهو ما ظهر في الحشود العسكرية على جانبي الحدود، على اعتبار أنها النقطة الأقرب للاشتعال، الهند أرسلت ما لا يقل عن 50 ألف جندي إضافي حيث يوجد حاليًا 200 ألف جندي جاهز للقتال، بزيادة أكثر من 40٪ منذ الاشتباكات الأخيرة، كما نقلت الهند طائرات مقاتلة إلى حدودها الشمالية وأرسلت البحرية سفنا حربية على طول الممرات البحرية الرئيسية في المحيط الهندي لمراقبة التجارة البحرية من الصين وإليها.

ما يزيد الصورة قتامة بشأن مستقبل علاقات البلدين، ما صرح به وزير الخارجية الهندي سوبرامنيام جايشانكار بأن العلاقات بين الهند والصين مرهونة بالوضع على الحدود في إشارة إلى التوتر والحشود العسكرية من الطرفين.

وقال جايشانكار بحسب صحيفة "هندوستان تايمز": "لقد أوضحنا أن حالة العلاقة ستعكس حالة الحدود. لا يمكن أن تكون لديك حدود بمستوى عال من التوتر وعلاقات جيدة في كافة مجالات الحياة الأخرى".

 

 ذهب مسؤول عسكري إلى أبعد مما قاله رأس الدبلوماسية الهندية حيث وصف الصين بأنه تشكل تهديدا للهند. ما استدعى ردا من وو تشيان، المتحدث باسم الجيش الصيني، واصفا هذه التصريحات بانها "استفزازية"، وقال إن إثارة ما يسمى "التهديد الصيني" ينتهك بشدة التوجيه الاستراتيجي الذي وضعه زعيما البلدين بأن الصين والهند لا تشكلان أي تهديد لبعضهما البعض.

وأضاف أن إثارة المواجهة الجيوسياسية بين البلدين "أمر غير مسؤول وخطير"، مضيفا أن قوات الحدود الصينية "مصممة على حماية السيادة والأمن الوطنيين وهي ملتزمة أيضا بالحفاظ على السلام والاستقرار على طول الحدود".

لا تريد الصين فتح جبهات مع جيرانها للتفرغ لصراعها مع أمريكا، لكنها على الجانب الأخرى لا تريد أن تبدي تساهلا في قضايا أمنها القومي، لذا عززت من تواجدها على الحدود عبر مقاتلات استراتيجية ودفاعات جوية متقدمة، وإقامة البنية التحتية الضخمة، بما في ذلك خطوط القطارات داخل وخارج التبت ونزولاً إلى نيبال المجاورة، التي أشارت وسائل إعلام صينية إنها قد تستخدم للأغراض العسكرية حال نشوب حرب. المساعدة النووية والعسكرية الصينية لباكستان، ومشاريع البنية التحتية الصينية في كشمير، كثيرا ما جعل الصين عدوا في عناوين الصحف الهندية.

 

 

يتوقع جيف إم سميث مدير برامج جنوب آسيا في مجلس السياسة الخارجية الأمريكية في واشنطن العاصمة أن تشهد الصين والهند احتكاكًا مستمرًا عبر التنافس الجيوسياسي في المستقبل المنظور، حتى لو ظل الصراع المباشر غير مرجح. ويرى سميث في مقال بمجلة ناسيونال انترست إنه ربما ينبغي توقع ذلك من قوتين كبيرتين للغاية، تصعدان بسرعة كبيرة، على مقربة شديدة من هذا القبيل.

 

لا يمكن إغفال، دور الولايات المتحدة في تزكية التوترات بين البلدين، الهند تضع واشنطن في صفها بقوة في الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الأمريكية إلى تكثيف الضغط متعدد الجبهات على طموحات بكين الإقليمية المتزايدة. من المؤكد أن للولايات المتحدة والهند مصلحة مشتركة في مواجهة الصين، خاصة في المحيط الهندي.  من المتوقع، أن تدفع  واشنطن نحو المزيد من التوترات بين دلهي وبكين، التي ترى أنها القوى الأكبر والأقدر في المنطقة على احتواء الصين، لكن رد بكين يتوقف على : إلى أي مدى يشكل التحالف الأمريكي ـ الهندي تهديدا لأمنها القومي.