سيكولوجى

الصبر والصمت والترامادول

هانى شمس
هانى شمس

أعمق حكمتين تعلمتهما فى حياتى كانتا من قهوجى وسائق سيارة أجرة، كان «عم أحمد» الذى يستأجر مقهى بميدان شهير قد دخل فى شراكة مع صديق له، وجلسا بعد أشهر قليلة جلسة مطولة، وانصرف الصديق بعد أن فضا الشركة، ونظر لى «عم أحمد»، وكنت أجلس فى ترابيزة مجاورة وهو يمسك بعض النقود والأوراق، ووجه كلامه لى ناصحاً: «عاوز تخسر صاحبك عامله»، وبالفعل، المعاملات والشراكات تكشف عن الوجه الآخر للبشر، فإذا أردت أن تحافظ على علاقتك بالأصدقاء والأقارب فتجنب أى تعاملات جادة أو التزامات وعقود معهم لأنها كفيلة بتدمير أى علاقة، فالعشم هو سيد الموقف دائماً.
فى طريقى الى مدينة الزقازيق ركبت سيارة أجرة، وجلس فى الكرسى بجوار السائق شاب يحاول فتح جزء من الزجاج فى نهاية الشباك على شكل مثلث، وبدأ الشاب فى التعامل بعنف مع «الأكرة» دون الوصول الى أى نتيجة وتدخل السائق المخضرم لإنقاذ الموقف قائلاً باستنكار: استنى يا بيه استنى يا بيه، ومد يده بثقة وضغط على «الأكرة» ثم لفها بهدوء ليفتح الزجاج بمنتهى السهولة ويوجه كلامه للراكب العنيف قائلاً حكمة بالغة العمق: «الخواجة مابيعملش حاجة بالعافية»، أتذكر هذه الحكمة دائماً كلما حاولت التعامل مع أى جهاز، فهناك بالتأكيد وسيلة سهلة غير استخدام آلة حادة أو التعامل بعنف لفك شفرة الأشياء، فالخواجة كما قال صديقى السائق صاحب السيارة موديل 79 الفرنسية الصنع «مابيعملش حاجة بالعافية».


ولأهمية هذه الحكم العميقة يحاول السائقون دائماً نقلها للآخرين لكن بطرق مختلفة، تجد سيارات النقل الضخمة وبحكم سيرها لمسافات طويلة ليلاً تتطلب الصبر والصمت والترامادول أحياناً تحمل دائماً حكما فلسفية عميقة من نوعية: «صاحب نفسك ترتاح» أو «اذا أحب القلب قلباً لا تبصر العين شيئاً» أو مثل: « على قد حالي وعيون الناس مش سايباني». لم تجد حكمة صديقى صاحب المقهى أو سائق السيارة طريقها بعد للنور، لكنى اتوقع أن أقرأها قريباً على ظهر إحدى الشاحنات تسير بعد منتصف الليل على الطريق الدائرى.