إعداد - عبدالعزيز عبدالحليم
التسامح فى الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص
هل التسامح فى الإسلام مقيد بزمن أو بأشخاص؟
يجيب د. شوقى علام مفتى مصر فيقول:
أخرج النسائى فى «سننه»، والطبرى وابن أبى حاتم فى «التفسير»، والحاكم فى «المستدرك» -ومن طريقه البيهقى فى «السنن الكبرى»-، والواحدى فى «أسباب النزول»، والضياء المقدسى فى «الأحاديث المختارة»: من طرق عن الحسين بن واقد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى الله عنهما: أن عبد الرحمن بن عوف، وأصحابًا له أتوا النبى صلى الله عليه وآله وسلم بمكة فقالوا: «يا رسول الله، إنا كنا فى عز ونحن مشركون، فلما آمنَّا صرنا أذلة!» فقال: «إِنِّى أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ، فَلَا تُقَاتِلُوا»، فلمَّا حوَّلَنا الله إلى المدينة أمرَنا بالقتال فكفُّوا، فأنزل الله عز وجلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [النساء: 77].
وجاء فى أحاديث ابن عباس، وابن مسعود، ونِيَارِ بن مُكْرَمٍ، وغيرهم، رضى الله عنهم، فى التفاسير والمسانيد والسنن، وكان الله تعالى قد وعد بذلك النصر قبل حصوله، ووجَّه المسلمين إليه ومهَّد لهم الفرحَ به، وأضاف النصر إلى نفسه؛ تعظيمًا لشأنه وتنويهًا بذكره واستحسانًا لحصوله؛ حتى إنه وصفهم فى فرحهم بالإيمان، وقدَّره متزامنًا مع الفتح المبين للمسلمين؛ فقد جاء عقب صلح الحديبية، فقال جل شأنه وتبارك اسمه: ﴿لم غُلِبَتِ الرُّومُ فِى أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِى بِضْعِ سِنِينَ لله الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 1-6]، وفرَحُ المؤمنين هنا هو فرحٌ دينى مشروع؛ لأن الله تعالى أناطه بوصف الإيمان، وتعليق الحكم بالمشتق مُؤْذِنٌ بعِلِّيَّة ما منه الاشتقاقُ، وإنما فرحوا لفرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،.
وأمر الشرع بالعفو والصفح عن أهل الكتاب وتحمُّل أذاهم رغم ما يعلمه الله تعالى من إضمار بعضهم للحسد وكتمان الحق، ما داموا لم ينقضوا العهد؛ فقال جل شأنه: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 109].
ولم يقتصر التسامح الإسلامى بعد الهجرة على أهل الكتاب من اليهود والنصارى وحدهم، بل تعداهم إلى المشركين أيضًا، مع أنهم ليسوا أصحاب كتاب، ومع أن كثيرًا منهم تآمروا على النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأرادوا قتله؛ حتى أخرجوه من بلده مكة المكرمة وهى أحبُّ بلاد الله إليه، ثم حاربوه بعدَ ذلك فى بدرٍ وأحدٍ والخندقِ، وقتلوا آل بيته وأصحابه رضى الله عنهم، وصدُّوه عن البيت الحرام، ومع ذلك كلِّه فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يعاملهم بالحسنى، ويأبى الدعاء عليهم.
ومن مظاهر التسامح والعفو عند النبى صلى الله عليه وآله وسلم: ما صدر منه من عفو عامٍّ عن قريش وأهل مكة جميعًا، بعد أن أصبح أمره نافذًا فى رقابهم، وذلك بعد أن ائتمروا به ليقتلوه، وعذّبوه وأصحابه فى مكة، وأخرجوه منها، وقاتلوه فى بدرٍ وأُحُدٍ، وحاصروه فى الخندق، وألَّبُوا عليه العرب، فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا ترَوْنَ أَنِّى فَاعِلٌ فِيكُمْ؟» قالوا: خيرًا؛ أخٌ كريمٌ، وابن أخٍ كريمٍ، قال: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ» أخرجه ابن إسحاق فى «السيرة».
ومن مظاهر تسامح النبى صلى الله عليه وآله وسلم حُسن معاملته للمنافقين الذين كانوا يعيشون معه فى المدينة مع ما يُشكِّلونه من خطر على المجتمع والدولة، وقد تكررت مواقف الغدر والخيانة من هؤلاء المنافقين وحاولوا إشعال نيران الفتن بين المسلمين وغيرهم من أهل المدينة.
وكل هذه النماذج وغيرها تدل -بما لا يدع مجالًا للشك- أن الإسلام هو دين التسامح والسلام، وأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم انتقل من ممارسات التسامح فى مكة المكرمة قبل الهجرة النبوية إلى إقراره فى شكل مبادئ وقواعد وعلاقات مجتمعية ودولية وعالمية فى المدينة المنورة بعد الهجرة الشريفة، وهذا أعظم دليل على أن تسامحه صلى الله عليه وآله وسلم فى مكة المكرمة لم يكن ضعفًا ولا عجزًا، وإنما كان منهج حياة وتطبيقًا وامتثالًا لتعاليم الدين القويم الذى أرسله الله تعالى به؛ حيث يقول له سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وقد وصف النبى صلى الله عليه وآله وسلم الغرض من بعثته الشريفة بقوله: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ».
وبناءً على ذلك: فالتسامح فى الإسلام مطلقٌ عن الزمان والمكان والأشخاص؛ فالمسلمون مأمورون بالتسامح مع عامة الناس فى جميع الأحوال والأزمان؛ فالتسامح سمة من سمات المسلمين.
فضل نيل مصر على غيره من الأنهار
هل نيل مصر له أفضلية ليست لغيره من الأنهار؟
قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله تعالى عنهما فيما حكاه العلامة المؤرخ ابن زولاق فى «فضائل مصر وأخبارها»، والعلامة الشهاب النويرى فى «نهاية الأرب»، والعلامة المؤرخ المقريزى فى «المواعظ والاعتبار» : [لمَّا خلق الله عز وجل آدم عليه السلام مثَّل له الدنيا؛ شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك، فلمَّا رأى مصر رآها أرضًا سهلة، ذاتَ نهر جارٍ؛ مادَّتُه من الجنة، تنحدر فيه البركة، وتمزجه الرحمة، ورأى جبلًا من جبالها مكسوًّا نورًا، لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة، فى سفحه أشجار مثمرة، فروعها فى الجنة، تُسقَى بماء الرحمة، فدعا آدم فى النيل بالبركة، ودعا فى أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال: يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسك، يدفن فيها غراس الجنة، أرض حافظة مطيعة رحيمة، لا خلتك يا مصر بركة، وما زال بك حفظ، وما زال منك ملك وعز، يا أرض مصر فيك الخبايا والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلًا، كثَّر الله زرعك، ودر ضرعك، وزكى نباتك، وعظمت بركتك وخصبت، وما زال فيك خير ما لم تتجبرى وتتكبرى أو تخوني، فإذا فعلت ذلك عراك شرٌّ، ثم يعود خيرك. فكان آدم عليه السلام أول من دعا لها بالرحمة والخصب والبركة والرأفة] اهـ.
وبناءً على ما سبق: فنيل مصر أفضل الأنهار فى هذه الدنيا؛ فقد مزجه الله تعالى بالرحمة.
العدوى في الإسلام
ماحكم الدين فى العدوى؟
يجيب الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الأسبق
العدوى انتقال المرض من المصاب إلى آخر، بطريق مباشر أوغير مباشر، وكان العرب يعتقدون أن الجسم المريض يؤثِّر حتمًا فى الجسم السليم عند وجود الفرصة، وذلك دون حساب أوتقدير لإرادة الله تعالى.
ولما كانت العدوى حقيقة واقعة لم يُنكرها الإسلام، وإنما أنكَر الاعتقاد الشائع حولها؛ ولهذا جاءت نصوص تُثبتها كحقيقة طبية، ونصوص تَنفيها كمؤثر حتمى بعيد عن إرادة الله.
فمما جاء فى إثباتها حديث«إذاسمعتم بالطاعونفى أرض فلا تَدخلوها، وإذا وَقع بأرض وأنتم بها فلا تَخرجوا فِرارًا منه” ولما سَمعه عمر بن الخطاب رضى الله عنه رَجع من الشام. ولما قيل له: “أفرارًا من قدَر الله قال؟: أفِرُّ من قدَر الله إلى قدَر الله. وحديث “لا يُورِد مُمَرَّضٌ على مُصَحٍّ”. وحديث “فِرَّ من المجذوم فِرارَك من الأسد”. وعدم مبايعة النبى صلى الله عليه وسلم لرجل مجذوم كان فى وفد ثقيف.
ومما جاء فى نفى العَدوَى حديث “لا عَدوَى ولا طِيَرة ولا هامَة ولا صفر”. وحديث «فمِن أعْدَى الأول»؟ وذلك فى مَعرِض الحديث عن الإبل يَدخل فى وسطها بعِير أجْربُ. وحديث: وضع النبى صلى الله عليه وسلم يد مجذوم معه فى الطعام وقوله: “كلْ باسم الله توكلاً على الله وثقة بالله”، وقد وضَّح ابن القيم هذا الموضوع فى كتابه “زاد المعاد” وذكر أنه لا تَعارُض بين الأحاديث القوية، فالإثبات على أنها سبب عادى، والنفى يُحمل على أنها لا تؤثِّر بنفسها. والهامَة: طائر، يَزعم العرب أن عظام الميت تَصير طائرًا يَطير من قبره يُنادى بأخْذ الثأر له وتقول: اسقونى اسقونى، فإذا أخذ بثأره سَكَتتْ.
والصفر: حيَّة فى البطن تُصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه كما كان يزعم العرب. وقيل: أراد بالصفر الشهر الذى كانون يؤخِّرون به حرمة المحرم إلى صفر.