أنت تسأل و العلماء يجيبون

 ‬د‭. ‬شوقى‭ ‬علام‭ ‬مفتى‭ ‬مصر‭
‬د‭. ‬شوقى‭ ‬علام‭ ‬مفتى‭ ‬مصر‭

إعداد‭ - ‬عبدالعزيز‭ ‬عبدالحليم

التسامح‭ ‬فى‭ ‬الإسلام‭ ‬غير‭ ‬مقيد‭ ‬بزمن‭ ‬أو‭ ‬بأشخاص

هل‭ ‬التسامح‭ ‬فى‭ ‬الإسلام‭ ‬مقيد‭ ‬بزمن‭ ‬أو‭ ‬بأشخاص؟

يجيب‭ ‬د‭. ‬شوقى‭ ‬علام‭ ‬مفتى‭ ‬مصر‭ ‬فيقول‭:‬

أخرج‭ ‬النسائى‭ ‬فى‭ ‬‮«‬سننه‮»‬،‭ ‬والطبرى‭ ‬وابن‭ ‬أبى‭ ‬حاتم‭ ‬فى‭ ‬‮«‬التفسير‮»‬،‭ ‬والحاكم‭ ‬فى‭ ‬‮«‬المستدرك‮»‬‭ -‬ومن‭ ‬طريقه‭ ‬البيهقى‭ ‬فى‭ ‬‮«‬السنن‭ ‬الكبرى‮»‬‭-‬،‭ ‬والواحدى‭ ‬فى‭ ‬‮«‬أسباب‭ ‬النزول‮»‬،‭ ‬والضياء‭ ‬المقدسى‭ ‬فى‭ ‬‮«‬الأحاديث‭ ‬المختارة‮»‬‭: ‬من‭ ‬طرق‭ ‬عن‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬واقد،‭ ‬عن‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬دينار،‭ ‬عن‭ ‬عكرمة،‭ ‬عن‭ ‬ابن‭ ‬عباس‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭: ‬أن‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بن‭ ‬عوف،‭ ‬وأصحابًا‭ ‬له‭ ‬أتوا‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬بمكة‭ ‬فقالوا‭: ‬‮«‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬إنا‭ ‬كنا‭ ‬فى‭ ‬عز‭ ‬ونحن‭ ‬مشركون،‭ ‬فلما‭ ‬آمنَّا‭ ‬صرنا‭ ‬أذلة‭!‬‮»‬‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬إِنِّى‭ ‬أُمِرْتُ‭ ‬بِالْعَفْوِ،‭ ‬فَلَا‭ ‬تُقَاتِلُوا‮»‬،‭ ‬فلمَّا‭ ‬حوَّلَنا‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬أمرَنا‭ ‬بالقتال‭ ‬فكفُّوا،‭ ‬فأنزل‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجلَّ‭: ‬﴿أَلَمْ‭ ‬تَرَ‭ ‬إِلَى‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬قِيلَ‭ ‬لَهُمْ‭ ‬كُفُّوا‭ ‬أَيْدِيَكُمْ‭ ‬وَأَقِيمُوا‭ ‬الصَّلَاةَ﴾‭ [‬النساء‭: ‬77‭].‬

وجاء‭ ‬فى‭ ‬أحاديث‭ ‬ابن‭ ‬عباس،‭ ‬وابن‭ ‬مسعود،‭ ‬ونِيَارِ‭ ‬بن‭ ‬مُكْرَمٍ،‭ ‬وغيرهم،‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنهم،‭ ‬فى‭ ‬التفاسير‭ ‬والمسانيد‭ ‬والسنن،‭ ‬وكان‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬قد‭ ‬وعد‭ ‬بذلك‭ ‬النصر‭ ‬قبل‭ ‬حصوله،‭ ‬ووجَّه‭ ‬المسلمين‭ ‬إليه‭ ‬ومهَّد‭ ‬لهم‭ ‬الفرحَ‭ ‬به،‭ ‬وأضاف‭ ‬النصر‭ ‬إلى‭ ‬نفسه؛‭ ‬تعظيمًا‭ ‬لشأنه‭ ‬وتنويهًا‭ ‬بذكره‭ ‬واستحسانًا‭ ‬لحصوله؛‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬وصفهم‭ ‬فى‭ ‬فرحهم‭ ‬بالإيمان،‭ ‬وقدَّره‭ ‬متزامنًا‭ ‬مع‭ ‬الفتح‭ ‬المبين‭ ‬للمسلمين؛‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬عقب‭ ‬صلح‭ ‬الحديبية،‭ ‬فقال‭ ‬جل‭ ‬شأنه‭ ‬وتبارك‭ ‬اسمه‭: ‬﴿لم‭  ‬غُلِبَتِ‭ ‬الرُّومُ‭  ‬فِى‭ ‬أَدْنَى‭ ‬الْأَرْضِ‭ ‬وَهُمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬بَعْدِ‭ ‬غَلَبِهِمْ‭ ‬سَيَغْلِبُونَ‭  ‬فِى‭ ‬بِضْعِ‭ ‬سِنِينَ‭ ‬لله‭ ‬الْأَمْرُ‭ ‬مِنْ‭ ‬قَبْلُ‭ ‬وَمِنْ‭ ‬بَعْدُ‭ ‬وَيَوْمَئِذٍ‭ ‬يَفْرَحُ‭ ‬الْمُؤْمِنُونَ‭  ‬بِنَصْرِ‭ ‬اللهِ‭ ‬يَنْصُرُ‭ ‬مَنْ‭ ‬يَشَاءُ‭ ‬وَهُوَ‭ ‬الْعَزِيزُ‭ ‬الرَّحِيمُ‭  ‬وَعْدَ‭ ‬اللهِ‭ ‬لَا‭ ‬يُخْلِفُ‭ ‬اللهُ‭ ‬وَعْدَهُ‭ ‬وَلَكِنَّ‭ ‬أَكْثَرَ‭ ‬النَّاسِ‭ ‬لَا‭ ‬يَعْلَمُونَ﴾‭ [‬الروم‭: ‬1‭-‬6‭]‬،‭ ‬وفرَحُ‭ ‬المؤمنين‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬فرحٌ‭ ‬دينى‭ ‬مشروع؛‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أناطه‭ ‬بوصف‭ ‬الإيمان،‭ ‬وتعليق‭ ‬الحكم‭ ‬بالمشتق‭ ‬مُؤْذِنٌ‭ ‬بعِلِّيَّة‭ ‬ما‭ ‬منه‭ ‬الاشتقاقُ،‭ ‬وإنما‭ ‬فرحوا‭ ‬لفرح‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم،‭.‬

وأمر‭ ‬الشرع‭ ‬بالعفو‭ ‬والصفح‭ ‬عن‭ ‬أهل‭ ‬الكتاب‭ ‬وتحمُّل‭ ‬أذاهم‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يعلمه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬من‭ ‬إضمار‭ ‬بعضهم‭ ‬للحسد‭ ‬وكتمان‭ ‬الحق،‭ ‬ما‭ ‬داموا‭ ‬لم‭ ‬ينقضوا‭ ‬العهد؛‭ ‬فقال‭ ‬جل‭ ‬شأنه‭: ‬﴿وَدَّ‭ ‬كَثِيرٌ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَهْلِ‭ ‬الْكِتَابِ‭ ‬لَوْ‭ ‬يَرُدُّونَكُمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬بَعْدِ‭ ‬إِيمَانِكُمْ‭ ‬كُفَّارًا‭ ‬حَسَدًا‭ ‬مِنْ‭ ‬عِنْدِ‭ ‬أَنْفُسِهِمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬بَعْدِ‭ ‬مَا‭ ‬تَبَيَّنَ‭ ‬لَهُمُ‭ ‬الْحَقُّ‭ ‬فَاعْفُوا‭ ‬وَاصْفَحُوا‭ ‬حَتَّى‭ ‬يَأْتِيَ‭ ‬اللهُ‭ ‬بِأَمْرِهِ‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللهَ‭ ‬عَلَى‭ ‬كُلِّ‭ ‬شَيْءٍ‭ ‬قَدِيرٌ﴾‭ [‬البقرة‭: ‬109‭].‬

ولم‭ ‬يقتصر‭ ‬التسامح‭ ‬الإسلامى‭ ‬بعد‭ ‬الهجرة‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬والنصارى‭ ‬وحدهم،‭ ‬بل‭ ‬تعداهم‭ ‬إلى‭ ‬المشركين‭ ‬أيضًا،‭ ‬مع‭ ‬أنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬أصحاب‭ ‬كتاب،‭ ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬منهم‭ ‬تآمروا‭ ‬على‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬وأرادوا‭ ‬قتله؛‭ ‬حتى‭ ‬أخرجوه‭ ‬من‭ ‬بلده‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬وهى‭ ‬أحبُّ‭ ‬بلاد‭ ‬الله‭ ‬إليه،‭ ‬ثم‭ ‬حاربوه‭ ‬بعدَ‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬بدرٍ‭ ‬وأحدٍ‭ ‬والخندقِ،‭ ‬وقتلوا‭ ‬آل‭ ‬بيته‭ ‬وأصحابه‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنهم،‭ ‬وصدُّوه‭ ‬عن‭ ‬البيت‭ ‬الحرام،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬كلِّه‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬النبيُّ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬يعاملهم‭ ‬بالحسنى،‭ ‬ويأبى‭ ‬الدعاء‭ ‬عليهم‭.‬

ومن‭ ‬مظاهر‭ ‬التسامح‭ ‬والعفو‭ ‬عند‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭: ‬ما‭ ‬صدر‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬عفو‭ ‬عامٍّ‭ ‬عن‭ ‬قريش‭ ‬وأهل‭ ‬مكة‭ ‬جميعًا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬أمره‭ ‬نافذًا‭ ‬فى‭ ‬رقابهم،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ائتمروا‭ ‬به‭ ‬ليقتلوه،‭ ‬وعذّبوه‭ ‬وأصحابه‭ ‬فى‭ ‬مكة،‭ ‬وأخرجوه‭ ‬منها،‭ ‬وقاتلوه‭ ‬فى‭ ‬بدرٍ‭ ‬وأُحُدٍ،‭ ‬وحاصروه‭ ‬فى‭ ‬الخندق،‭ ‬وألَّبُوا‭ ‬عليه‭ ‬العرب،‭ ‬فقال‭ ‬لهم‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬يَا‭ ‬مَعْشَرَ‭ ‬قُرَيْشٍ،‭ ‬مَا‭ ‬ترَوْنَ‭ ‬أَنِّى‭ ‬فَاعِلٌ‭ ‬فِيكُمْ؟‮»‬‭ ‬قالوا‭: ‬خيرًا؛‭ ‬أخٌ‭ ‬كريمٌ،‭ ‬وابن‭ ‬أخٍ‭ ‬كريمٍ،‭ ‬قال‭: ‬‮«‬اذْهَبُوا‭ ‬فَأَنْتُمْ‭ ‬الطُّلَقَاءُ‮»‬‭ ‬أخرجه‭ ‬ابن‭ ‬إسحاق‭ ‬فى‭ ‬‮«‬السيرة‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬مظاهر‭ ‬تسامح‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬حُسن‭ ‬معاملته‭ ‬للمنافقين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬معه‭ ‬فى‭ ‬المدينة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يُشكِّلونه‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة،‭ ‬وقد‭ ‬تكررت‭ ‬مواقف‭ ‬الغدر‭ ‬والخيانة‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬المنافقين‭ ‬وحاولوا‭ ‬إشعال‭ ‬نيران‭ ‬الفتن‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭.‬

وكل‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬وغيرها‭ ‬تدل‭ -‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالًا‭ ‬للشك‭- ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬دين‭ ‬التسامح‭ ‬والسلام،‭ ‬وأن‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬انتقل‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬التسامح‭ ‬فى‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬قبل‭ ‬الهجرة‭ ‬النبوية‭ ‬إلى‭ ‬إقراره‭ ‬فى‭ ‬شكل‭ ‬مبادئ‭ ‬وقواعد‭ ‬وعلاقات‭ ‬مجتمعية‭ ‬ودولية‭ ‬وعالمية‭ ‬فى‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬بعد‭ ‬الهجرة‭ ‬الشريفة،‭ ‬وهذا‭ ‬أعظم‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تسامحه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬فى‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ضعفًا‭ ‬ولا‭ ‬عجزًا،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬منهج‭ ‬حياة‭ ‬وتطبيقًا‭ ‬وامتثالًا‭ ‬لتعاليم‭ ‬الدين‭ ‬القويم‭ ‬الذى‭ ‬أرسله‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬به؛‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬له‭ ‬سبحانه‭: ‬﴿وَمَا‭ ‬أَرْسَلْنَاكَ‭ ‬إِلَّا‭ ‬رَحْمَةً‭ ‬لِلْعَالَمِينَ﴾‭ [‬الأنبياء‭: ‬107‭]‬،‭ ‬وقد‭ ‬وصف‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬بعثته‭ ‬الشريفة‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬إِنَّمَا‭ ‬بُعِثْتُ‭ ‬لِأُتَمِّمَ‭ ‬صَالِحَ‭ ‬الْأَخْلَاقِ‮»‬‭.‬

وبناءً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭: ‬فالتسامح‭ ‬فى‭ ‬الإسلام‭ ‬مطلقٌ‭ ‬عن‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬والأشخاص؛‭ ‬فالمسلمون‭ ‬مأمورون‭ ‬بالتسامح‭ ‬مع‭ ‬عامة‭ ‬الناس‭ ‬فى‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬والأزمان؛‭ ‬فالتسامح‭ ‬سمة‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬المسلمين‭.‬

فضل‭ ‬نيل‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الأنهار

هل‭ ‬نيل‭ ‬مصر‭ ‬له‭ ‬أفضلية‭ ‬ليست‭ ‬لغيره‭ ‬من‭ ‬الأنهار؟

قال‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنهما‭ ‬فيما‭ ‬حكاه‭ ‬العلامة‭ ‬المؤرخ‭ ‬ابن‭ ‬زولاق‭ ‬فى‭ ‬‮«‬فضائل‭ ‬مصر‭ ‬وأخبارها‮»‬،‭ ‬والعلامة‭ ‬الشهاب‭ ‬النويرى‭ ‬فى‭ ‬‮«‬نهاية‭ ‬الأرب‮»‬،‭ ‬والعلامة‭ ‬المؤرخ‭ ‬المقريزى‭ ‬فى‭ ‬‮«‬المواعظ‭ ‬والاعتبار‮»‬‭ ‬‭: [‬لمَّا‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬آدم‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬مثَّل‭ ‬له‭ ‬الدنيا؛‭ ‬شرقها‭ ‬وغربها،‭ ‬وسهلها‭ ‬وجبلها،‭ ‬وأنهارها‭ ‬وبحارها،‭ ‬وبناءها‭ ‬وخرابها،‭ ‬ومن‭ ‬يسكنها‭ ‬من‭ ‬الأمم،‭ ‬ومن‭ ‬يملكها‭ ‬من‭ ‬الملوك،‭ ‬فلمَّا‭ ‬رأى‭ ‬مصر‭ ‬رآها‭ ‬أرضًا‭ ‬سهلة،‭ ‬ذاتَ‭ ‬نهر‭ ‬جارٍ؛‭ ‬مادَّتُه‭ ‬من‭ ‬الجنة،‭ ‬تنحدر‭ ‬فيه‭ ‬البركة،‭ ‬وتمزجه‭ ‬الرحمة،‭ ‬ورأى‭ ‬جبلًا‭ ‬من‭ ‬جبالها‭ ‬مكسوًّا‭ ‬نورًا،‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬نظر‭ ‬الرب‭ ‬إليه‭ ‬بالرحمة،‭ ‬فى‭ ‬سفحه‭ ‬أشجار‭ ‬مثمرة،‭ ‬فروعها‭ ‬فى‭ ‬الجنة،‭ ‬تُسقَى‭ ‬بماء‭ ‬الرحمة،‭ ‬فدعا‭ ‬آدم‭ ‬فى‭ ‬النيل‭ ‬بالبركة،‭ ‬ودعا‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬مصر‭ ‬بالرحمة‭ ‬والبر‭ ‬والتقوى،‭ ‬وبارك‭ ‬على‭ ‬نيلها‭ ‬وجبلها‭ ‬سبع‭ ‬مرات،‭ ‬وقال‭: ‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الجبل‭ ‬المرحوم،‭ ‬سفحك‭ ‬جنة،‭ ‬وتربتك‭ ‬مسك،‭ ‬يدفن‭ ‬فيها‭ ‬غراس‭ ‬الجنة،‭ ‬أرض‭ ‬حافظة‭ ‬مطيعة‭ ‬رحيمة،‭ ‬لا‭ ‬خلتك‭ ‬يا‭ ‬مصر‭ ‬بركة،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬بك‭ ‬حفظ،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬منك‭ ‬ملك‭ ‬وعز،‭ ‬يا‭ ‬أرض‭ ‬مصر‭ ‬فيك‭ ‬الخبايا‭ ‬والكنوز،‭ ‬ولك‭ ‬البر‭ ‬والثروة،‭ ‬سال‭ ‬نهرك‭ ‬عسلًا،‭ ‬كثَّر‭ ‬الله‭ ‬زرعك،‭ ‬ودر‭ ‬ضرعك،‭ ‬وزكى‭ ‬نباتك،‭ ‬وعظمت‭ ‬بركتك‭ ‬وخصبت،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬فيك‭ ‬خير‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتجبرى‭ ‬وتتكبرى‭ ‬أو‭ ‬تخوني،‭ ‬فإذا‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬عراك‭ ‬شرٌّ،‭ ‬ثم‭ ‬يعود‭ ‬خيرك‭. ‬فكان‭ ‬آدم‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬دعا‭ ‬لها‭ ‬بالرحمة‭ ‬والخصب‭ ‬والبركة‭ ‬والرأفة‭] ‬اهـ‭.‬

وبناءً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق‭: ‬فنيل‭ ‬مصر‭ ‬أفضل‭ ‬الأنهار‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا؛‭ ‬فقد‭ ‬مزجه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بالرحمة‭.‬

‭ ‬العدوى‭ ‬في‭ ‬الإسلام

ماحكم‭ ‬الدين‭ ‬فى‭ ‬العدوى؟

يجيب‭ ‬الشيخ‭ ‬عطية‭ ‬صقر‭ ‬رئيس‭ ‬لجنة الفتوى‭ ‬بالأزهر‭ ‬الأسبق

العدوى‭ ‬انتقال‭ ‬المرض‭ ‬من‭ ‬المصاب‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬بطريق‭ ‬مباشر‭ ‬أوغير‭ ‬مباشر،‭ ‬وكان‭ ‬العرب‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬الجسم‭ ‬المريض‭ ‬يؤثِّر‭ ‬حتمًا‭ ‬فى‭ ‬الجسم‭ ‬السليم‭ ‬عند‭ ‬وجود‭ ‬الفرصة،‭ ‬وذلك‭ ‬دون‭ ‬حساب‭ ‬أوتقدير‭ ‬لإرادة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭.‬

ولما‭ ‬كانت‭ ‬العدوى‭ ‬حقيقة‭ ‬واقعة‭ ‬لم‭ ‬يُنكرها‭ ‬الإسلام،‭ ‬وإنما‭ ‬أنكَر‭ ‬الاعتقاد‭ ‬الشائع‭ ‬حولها؛‭ ‬ولهذا‭ ‬جاءت‭  ‬نصوص‭ ‬تُثبتها‭ ‬كحقيقة‭ ‬طبية،‭ ‬ونصوص‭ ‬تَنفيها‭ ‬كمؤثر‭ ‬حتمى‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬إرادة‭ ‬الله‭.‬

فمما‭ ‬جاء‭ ‬فى‭ ‬إثباتها‭ ‬حديث‮«‬إذاسمعتم‭ ‬بالطاعونفى‭ ‬أرض‭ ‬فلا‭ ‬تَدخلوها،‭ ‬وإذا‭ ‬وَقع‭ ‬بأرض‭ ‬وأنتم‭ ‬بها‭ ‬فلا‭ ‬تَخرجوا‭ ‬فِرارًا‭ ‬منه”‭ ‬ولما‭ ‬سَمعه‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬رَجع‭ ‬من‭ ‬الشام‭. ‬ولما‭ ‬قيل‭ ‬له‭:‬‭ ‬“أفرارًا‭ ‬من‭ ‬قدَر‭ ‬الله‭ ‬قال؟‭:‬‭ ‬أفِرُّ‭ ‬من‭ ‬قدَر‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬قدَر‭ ‬الله‭. ‬وحديث‭ ‬“لا‭ ‬يُورِد‭ ‬مُمَرَّضٌ‭ ‬على‭ ‬مُصَحٍّ”‭. ‬وحديث‭ ‬“فِرَّ‭ ‬من‭ ‬المجذوم‭ ‬فِرارَك‭ ‬من‭ ‬الأسد”‭. ‬وعدم‭ ‬مبايعة‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬لرجل‭ ‬مجذوم‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬وفد‭ ‬ثقيف‭.‬

ومما‭ ‬جاء‭ ‬فى‭ ‬نفى‭ ‬العَدوَى‭ ‬حديث‭ ‬“لا‭ ‬عَدوَى‭ ‬ولا‭ ‬طِيَرة‭ ‬ولا‭ ‬هامَة‭ ‬ولا‭ ‬صفر”‭. ‬وحديث‭ ‬‮«‬فمِن‭ ‬أعْدَى‭ ‬الأول»؟‭ ‬وذلك‭ ‬فى‭ ‬مَعرِض‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الإبل‭ ‬يَدخل‭ ‬فى‭ ‬وسطها‭ ‬بعِير‭ ‬أجْربُ‭. ‬وحديث‭:‬‭ ‬وضع‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يد‭ ‬مجذوم‭ ‬معه‭ ‬فى‭ ‬الطعام‭ ‬وقوله‭:‬‭ ‬“كلْ‭ ‬باسم‭ ‬الله‭ ‬توكلاً‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬وثقة‭ ‬بالله”،‭ ‬وقد‭ ‬وضَّح‭ ‬ابن‭ ‬القيم‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬“زاد‭ ‬المعاد”‭ ‬وذكر‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬تَعارُض‭ ‬بين‭ ‬الأحاديث‭ ‬القوية،‭ ‬فالإثبات‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬سبب‭ ‬عادى،‭ ‬والنفى‭ ‬يُحمل‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تؤثِّر‭ ‬بنفسها‭.‬‭ ‬والهامَة‭:‬‭ ‬طائر،‭ ‬يَزعم‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬عظام‭ ‬الميت‭ ‬تَصير‭ ‬طائرًا‭ ‬يَطير‭ ‬من‭ ‬قبره‭ ‬يُنادى‭ ‬بأخْذ‭ ‬الثأر‭ ‬له‭ ‬وتقول‭:‬‭ ‬اسقونى‭ ‬اسقونى،‭ ‬فإذا‭ ‬أخذ‭ ‬بثأره‭ ‬سَكَتتْ‭.‬

والصفر‭:‬‭ ‬حيَّة‭ ‬فى‭ ‬البطن‭ ‬تُصيب‭ ‬الإنسان‭ ‬إذا‭ ‬جاع‭ ‬وتؤذيه‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يزعم‭ ‬العرب‭. ‬وقيل‭:‬‭ ‬أراد‭ ‬بالصفر‭ ‬الشهر‭ ‬الذى‭ ‬كانون‭ ‬يؤخِّرون‭ ‬به‭ ‬حرمة‭ ‬المحرم‭ ‬إلى‭ ‬صفر‭.‬