الكون وضع قدمه داخل بوابة عصر قد لا يكون العدوان المسلح فيه هو التهديد الأكبر، لكنه تغيير المناخ وتناقص المياه مع قلة الإنتاج الزراعي هو التحدي الأعظم للإنسانية في هذا القرن.. انتاج الطعام ما عاد يوفي باحتياجات بشر يتكاثرون كما الأرانب علي هذا الكوكب المسمي بالأرض.. أما الأرانب تتكاثر لتؤكل وأما البشر فيتكاثرون ليأكلوا.. يخرج الطفل من بطن أمه صارخا بالغريزة »‬جوعان»، ثم يبقي بنحو أو آخر مطالبا »‬بالمم»، حتي آخر العمر، وهذا غير سائر متطلبات الحياة من سكن وطعام وتعليم ووظائف وكيف الحياة.. إلخ.. إلخ.. إلخ. انما من البديهي أن الطعام والماء في المقدمة دائما بدونهما لا تقوم حياة.. وأنباء الغذاء والمياه علي مستوي العالم »‬مش ولابد»، في الحقيقة هي مفزعة وأقصد أنباء الزراعة والمحاصيل الزراعية التي تؤكل علي مستوي رقعة العالم. وأولي بوادر الصراع علي المياه والغذاء تتبدي في بوادر كونها ما عادت بسهلة المنال وبلايين البشر تنقصهم المياه الصالحة للشرب وللزراعة، والتغييرات المناخية تضرب الكون بموجات الحرارة الشديدة حالات الجفاف، غير بوادر شح المياه الصالحة للزراعة بين انحاء متفرقة هذا من ناحية، مع الزيادة الرهيبة في تكاثر البشر من ناحية أخري أصاب الإنتاج الزراعي في مقتل أدي بالضرورة لمستويات أدني في إنتاج المزروعات وهذا ما يفسر جانبا من أسباب تلك الزيادة المطردة لا تتوقف في أسعار الغذاء.. »‬معلومات من تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لاحوال العالم مع عام 2030». هكذا العالم في معظمه بدأ يواجه التحدي الأعظم وهو تقلص رقعة الزراعة بمعني تناقص أهم موارد الطعام والدول المستوردة للغذاء مثلنا بسبيل أن تدخل مرحلة شديدة الوطأة لفرط الشطط عالميا في ارتفاع أسعار الغذاء حتي ليتوقع أن يأتي يوم قد تغلو فيه أسعار استيراد الغذاء عن أسعار البترول!! ولاحظوا »‬ضمير الجمع» في اختياري لصياغة العبارات ربما في هذا الجمع ما يخفف من وقع ما هو آت: احتياطي الحبوب الذي انخفض عالميا بنحو بائن، والمخزون العالمي منه الذي يشح، والاحتياطي منه في أدني درجاته، هذا بينما أسعار القمح والذرة والأرز تنطلق بلا توقف لتقترب من الأسعار التي اشعلت الاضطرابات عام 2008 في نحو 25 دولة بين أنحاء العالم. وفق منظمة الأغذية والزراعة »‬فاو» اقتربت أسعار الغذاء من مستويات قياسية والأزمة الشديدة تدق علي أبواب عدد غير قليل من الشعوب.. فأما الدول المصدر للغذاء فانكفأت علي نفسها تلملم كفايتها لاطعام شعوبها أولا، فكيف يتوقع منها أن تهب لمساعدة الآخرين؟ هذه التوقعات وغيرها تجيء من تقييم في تقرير يشمل بعض معلومات صادمة عن أحوال المياه والزراعة والغذاء يقول عنها »‬ليستر براون»، وهو أحد الخبرات العالمية في هذا المجال أن متطلبات الغذاء اصبحت تزيد علي معدل الإنتاج العالمي وبالموال التالي الانهيار متوقع في أي وقت! ليستر براون نشر كتابا بعنوان »‬عالم علي الحافة»، يقول فيه إن الماء سيكون في غلاء البترول في الزمن- الآتي- »‬ولاحظ أنه لا يقول الزمن القادم ولا المستقبل بل الآتي بمعني أنه ليس ببعيد!». فاذا كان الماء قد يكون في سعر البترول، فإن الأرض الزراعية في تقييمه بسبيل أن تكون الذهب الجديد! وهي مترادفات وتشبيهات يقصد منها ان ينبه ويوقظ وينشر الوعي بما تؤدي إليه الزيادة الرهيبة الحالية في تعداد البشر مع تناقص الرقعة الزراعية التي تنتج الغذاء! بين الأسباب المطروحة الاتجاه في الأحقاب الأخيرة في آسيا بالخصوص إلي تربية الماشية واطعامها الحبوب مما أدي جزئيا إلي هذه الأزمة، فالطلب قد زاد علي استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان والآسيويون الذين ما كانوا بمستهلكي لحوم ولا لهم شهية لمنتجات الألبان، قد انفتحت شهيتهم علي البروتين الحيواني وأنواع الجبن والزبد في الحقبتين الاخيرتين بنحو خاص والأجيال الجديدة منهم بنحو أخص.. ما شاء الله الآن تجدهم وقد ازدادوا طولا بعد ما ادركوا سر قصر القامة المتوارث لديهم كانت بين أسبابه نقص البروتين الحيواني فيما يطعمون! محصلة كل ذلك أن نجد حاليا تدافع المستثمرين وانهمار مستثمراتهم علي الزراعة في العمق الافريقي.. حيث الأرض بكر وخصب وغير منهكة ولا مستهلكة فلا ينقصها سوي الأيدي العاملة وتدفق رؤوس الأموال.. من الصين، من كوريا الجنوبية، من دول خليجية، رؤوس أموال بمئات الملايين وتدفقت علي القارة السمراء.. الصين وحدها تستمر 800 مليون دولار في زراعات الأرز بموزمبيق.. والاردن لها بضع عشرات من الهكتارات في السودان لرعي الماشية والزراعة.. وكوريا الجنوبية في الأعوام استثمرت في استزراع مائة ألف هكتار في تنزانيا، غير مستثمري الشركات الكبري عابرات القارات ما بين لندن وول ستريت، هكذا تحولت الدول التي تعاني من نقص في أراضي زراعاتها إلي افريقيا.. فأين نحن يا مصر بين هذا كله؟؟ نستقصي عن أحوالنا الأسبوع القادم باذن الله.