كان كل من يحصل علي لقب «بك» قبل يوليو 1952 يتم مخاطبته رسمياً بصاحب العزة. وكان من يحصل علي لقب «باشا» يخاطبونه رسميا بصاحب السعادة. وقد أرادت إسعاد يونس أن تنسب ذلك بالمؤنث إلي برنامجها حيث تعني بأن مصر هي صاحبة السعادة.. ولكني أحب أن أذكرها بأنه كان هناك لقب أعلي من لقب «الباشا» وهو لقب «صاحب المقام الرفيع» وأذكر من بين الذين حصلوا علي هذا اللقب اثنين فقط وهما علي ماهر باشا - لانه نادي بعد وفاة الملك فؤاد الأول بقوله المشهور: «مات الملك.. يحيا الملك» وأصبح فاروق الأول ملكا لمصر - ومصطفي النحاس باشا حصل علي نفس اللقب باعتباره رئيس حزب الوفد وزعيم الأمة بعد سعد باشا زغلول.
أما بالنسبة للمرأة فأنا أذكر أن لقب صاحب المقام الرفيع كان يضاهيه لقب لا يقل عنه سموا وهو لقب «صاحبة العصمة» وقد حصلت زينب هانم الوكيل حرم النحاس باشا وحصلت عليه ايضاً كوكب الشرق المطربة العظيمة أم كلثوم. وكان المفروض ان تمنح اسعاد يونس برنامجها هذا اللقب.
استطاعت الفنانة اسعاد يونس وهي متعددة المواهب فهي ممثلة وكاتبة سيناريو ومنتجة سينمائية ومقدمة برنامج تليفزيوني رفيع المستوي اعطت من خلال حلقاته دروسا لمن يقومون بتقديم البرامج التليفزيونية من الرجال والنساء. اعطتهم دروسا في كيفية اختيار موضوع كل حلقة والإعداد لها بحيث تبدو علي معرفة كبيرة بالموضوع مع تجنب السخف والابتذال الذي نجده في كثير من البرامج حتي تحول الأمر إلي دعارة اجتماعية أو دعارة سياسية يضج منها الناس. ويأتي بعد ذلك الأهم من برنامج اسعاد يونس وهو تقنية التعامل مع الضيف حيث الاسلوب المحبب المليء بالألفة والتواضع مع الصوت الهادئ المليء بالثقة بالنفس والذي يساعد استخلاص المعلومات.
أنا أعلم ان إسعاد يونس فنانة مثقفة وتجيد اللغات وتقرأ كثيرا وهي لذلك اتبعت في حوارها مع الضيف الطريقة المعروفة «بالتوليد» cross examination وهي الطريقة التي ابتدعها سقراط في محاورته للشخص الذي يريد أن يستخرج منه المعلومات بشكل متدرج وبرقة شديدة وتواضع تام. وقد قام تلميذه افلاطون بكتابة تلك المحاضرات التي أفادت البشرية كثيرا في مجال الفلسفة تحت عنوان «محاورات افلاطون» بأسلوب لم يأت أحد مثله. وربما لم تقرأ اسعاد هذه المحاورات أو ربما قرأتها ولكنها استطاعت أن تحاكيها في ادارتها لبرنامجها التليفزيوني فأسرت القلوب والاذهان. فإن المرء يشعر وهو يشاهد برنامج «صاحبة السعادة» انه ليس مجرد مشاهد ولكنه يجلس هو الآخر مع اسعاد وضيوفها وكأنه أحد أفراد هذا البرنامج لا يسمع لغوا ولا صوتا مرتفعا إنما لغة الحديث العادي وهذا علي غير ما يحدث من صاحبات برامج آخري حيث يشعرن الضيف بالتوتر وقصر الوقت. هذا بالإضافة الي ثرثرة صاحبة البرنامج حتي إنها تحصل علي قدر نصف ما يقال في البرنامج فلا يعطين الفرصة الكاملة للضيف في حين اننا نري الهدوء والتواضع والثقة والمحبة في طريقة اسعاد في الحديث واستحضار الماضي والذكريات. ونحن جميعا نذكر الحلقة الجميلة التي كانت ضيفتها نجمة التليفزيون والسينما نجوي ابراهيم وسهرنا مع الحلقة حتي اقتربنا من الفجر ونحن نتمني المزيد. اذكر انني في اليوم التالي احسست ان مصر كلها كانت ساهرة مع اسعاد ونجوي. وكذلك الحلقة التي استضافت فيها نجمة السينما العظيمة لبني عبدالعزيز حيث احسسنا بأننا في صحبة صديقتين عزيزتين طالت وحشة كل منهما للآخري.
إن هاتين الحلقتين بل معظم الحلقات يجب تدريسها لطلبة وطالبات كلية الاعلام. أما بالنسبة لاسعاد يونس فلو كانت الالقاب مازالت سارية ولو كان الآمر أمري لكنت منحتك لقب «صاحبة العصمة».