كنوز | أخبار مسافرة

 أحمــد بهجــت
أحمــد بهجــت

بقلم: أحمــد بهجــت

مرت علينا «السبت الماضى» الذكرى العاشرة لرحيل الكاتب الكبير أحمد بهجت الذى غادر الدنيا فى 11 ديسمبر 2011، ونقدم لقراء « كنوز » بعض ما كان يكتبه فى «صندوق الدنيا». 

 


قديما كانت الأخبار تسافر على ظهور الخيل والبغال والحمير‏،‏ وكان الخبر يسير بسرعة الحصان إذا كان صاحبه يركب حصانا وبسرعة الحمار إذا كان صاحبه يمتطى ظهر حمار، ‏ومن هنا كان الخبر يحتاج إلى أسابيع أو شهور ليقطع الطريق من أول البلدة إلى آخرها‏،‏ ويحتاج إلى أسابيع أخرى ليخرج منها‏، وكان اتساع الكرة الأرضية يسمح لكثير من الدول بأن تعيش فى حالها دون أن تعرف ما يجرى حولها‏، وبالتالى دون أن تشارك فيه‏، ثم وقعت ثورة العلم والاتصالات فى القرن العشرين، ‏ ومع اختراع الراديو الترانزيستور وإطلاق الأقمار الصناعية بدأ عصر جديد تماما فى الأخبار،‏ أصبحت الكرة الأرضية مثل غرفة صغيرة واحدة‏، ‏ ذابت المسافات وانمحت وتلاشت وصار العالم مكشوفا للغاية ولم يعد هناك من يستطيع أن يخبئ خبرا أو يحتفظ به داخل صندوق الأسرار لفترة طويلة‏.‏


إن خبر سجن نابليون مثلا قد استغرق ‏12‏ يوما ليصل إلى سمع العالم، ‏ أما خبر وفاة كيندى فقد استغرق دقيقتين ونصفا ليغطى أطراف الأرض وينتشر خلال زواياها ويصل إلى الملايين‏، وبعد أن كان الخبر فى العصور القديمة يخرج وهو يحمل وجهة نظر من أذاعه فقط صار الخبر فى عصرنا ملكا للجميع ولم يعد يحمل وجهة نظر من يعلنه فقط وحده، لأن مهنة نقل الأخبار لم تعد مهنة محلية وإنما صارت مهنة عالمية، ‏ وأصبحت هناك مؤسسات متخصصة مهمتها كشف الأخبار وإذاعتها وتحليلها والتعليق عليها والتنبؤ بميلاد الأخبار التى لم تولد بعد، وترتب على هذه الثورة أن أصبح السيد الجديد هو القارئ أو المستمع أو المشاهد أو المتلقى للخبر‏.


النظر إلى أعلى


لا يستطيع المرء أن يسير فى الشارع المصرى وينظر إلى أعلى، ‏لو فعل هذا فإنه لا يضمن أن يصطدم بقطعة من الطوب‏، ‏أو حفرة‏، أو رصيف مرتفع أنفق مصممه وقتا وجهدا ومالا ليجعله مرتفعا حتى يصطدم به كبار السن‏، والأطفال‏، النظر إلى أعلى فيه ما فيه من مخاطر، برغم أن النظر إلى السماء فيه آيات بينات‏، السحاب يبنى قصورا خيالية غامضة يحار الذهن فى جمالها‏، ‏ وتفكر بينك وبين نفسك أى معجزة أن يكون كل ما تراه مجرد مياه تبخرت من البحار وتحولت إلى سحاب يحمله الهواء‏، وثقل السحاب يبلغ ملايين الأطنان‏، فكيف يحمل الهواء كل هذه الأثقال دون أن يحس به أحد، أو يلحظه أحد‏.‏


إن الهواء غير مرئى لأنه شفاف‏، ‏ لا أحد لا يراه ولا أحد يستغنى عنه‏، ‏وليست الحياة سوى اشتراك فى علاقة حميمة مع الهواء‏، تمضى فى تأمل السحاب، ‏ ويخيل إليك أن السحاب قد صنع ما يشبه قصرا تمرح فى حديقته الخيل‏، وقد يصرفك شيء عن متابعة المشهد، ‏ أو يشغلك شيء من أمور الحياة عن النظر والتأمل‏، فإذا عدت إلى المشهد بعد وقت طال أم قصر اكتشفت أنك أمام مشهد آخر‏، لقد صار القصر العامر المنيف جبلا موحشا‏، وتحولت الخيل التى تجرى فى حديقته إلى بحيرة واسعة‏، وتفكر أنت أن كل ما تراه صور أبدعتها يد القدرة الخالقة‏، ‏ صور مائية لا تلبث بعد قليل أن تسافر حول الأرض لتسقط كأمطار تتحول الأرض بعدها من الجدب إلى الخضرة‏، والقلب لا يملك أمام ما يجرى من صور الجمال المعجزة إلا أن يتمتم ‏:‏ سبحان الله وبحمده عدد خلقه‏، ‏ وزنة عرشه‏، ومداد كلماته‏، ورضا نفسه.


من صفحة «صندوق الدنيا»

إقرأ أيضاً|ذكرى رحيل الكاتب الساخر أحمد بهجت.. صاحب صندوق الدنيا