يوميات الأخبار

إبحار فى عقل.. تؤرقه أسئلة المستقبل!

علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب

 التعرف على المستقبل وتلمسه يجب أن يقع فى دائرة اهتمام البشر عموماً، كما أراه وأثمنه فرض عين، لا فرض كفاية..

مساء الخميس:

الحياة والموت، الخلود والعدم، الماضى والراهن،..، وغيرها من الثنائيات تشاغل العقل، وربما تؤرقه، لكن تظل أسئلة المستقبل أكثر ما يؤرق العقول، باختلاف اهتمام وثقافة كل صاحب عقل.

وفى اليوميات السابقة غامرت فى لحظة سيطر عليّ خلالها شغفى القديم/ المتجدد بالمستقبل فخاطرت بالسباحة فى نهره، وبين روافده.

ورغم أنه من النادر أن أعيد قراءة ما أكتبه، وجدتنى مدفوعاً بقراءة يوميات نوفمبر الماضى، من ثم وجدتنى مدفوعاً بقوة غامضة للإبحار فى عقلى، أسأله وأجيب!

وثمة اقتناع راسخ يسيطر عليّ، فحواه أن السؤال الدقيق يفضى ـ غالباً ـ لإجابة صائبة، أو لنقل قريبة من الصواب وتخومه، ومن المستحيل الاقتراب من دائرة الصواب إذا طرحنا السؤال الخطأ فى صياغته أو منطقه.

اعتقدت دائماً فى سلامة هذه القاعدة التى تحكم العلاقة بين السؤال والإجابة، لذا أتحرى الدقة عندما أمارس نوعاً من الرياضة الذهنية على طريقة «س و ج»، فما بال الأمر حين يتعلق بأسئلة تخص المستقبل؟!

هل أتطلع إلى نوع من اليوتوبيا، أى الحلم بمجتمع مثالى لا مكان فيه للجور أو القبح أو الظلم أو الفقر،...،... وأن يسود فقط الحق والخير والجمال؟

ربما كان ذلك فى شرخ الشباب، حين يسيطر على المرء بحكم قلة الخبرة الحياتية، والمحكات العملية، والنظرة المثالية لكثير من الأمور، والحلم بلا سقف أو حدود، لكن مع تقدم العمر بمحصوله المعرفى، وتراكم الخبرات، تصبح معالجة المستقبل وقضاياه محكومة أكثر بثقافة الزمن بأبعاده الثلاثية: الماضى، الحاضر، المستقبل، دون تجاهل أى منها، بعيداً عن المطلقات، ومهما كان الأفق بحمولته من الأحلام والتطلعات والطموحات، فعلى الإنسان أن يبحث فى ممكنات المستقبل، حتى تثمر جهوده ثماراً، يستطيع أن يتمتع بمذاقها فى حياته، أو يضمن أن يكون ذلك من نصيب الأبناء والأحفاد، أى أن يكون ما يصبو إليه بالإمكان تحققه إن لم يكن فى الغد، فبعد غدٍ، أو الغد الذى يليه!


أفقت من تأملاتى على نشرة أخبار عامرة، بما لا يدعو للتفاؤل بشأن المستقبل القريب، حيث الجدار الوهمى بين اللحظة الراهنة، وما يعقبها لا تبشر بالأمل، ربما بفعل عدوانية مفرطة، وأنانية بالغة تسيطر على المشهد، تترجمه الأخبار المتوالية، وما يصاحبها من صور يغلب عليها اللونان الأحمر القانى، والأسود القاتم.


آويت إلى فراشى، وقلت: الصباح رباح بإذن الله.


فرض عين لا كفاية

 

صباح الجمعة:

كالعادة، خاصم النوم جفونى بعد صلاة الفجر، احتسيت قهوتى، وبدأت يومى، ومرة أخرى ألحت عليّ أسئلة المستقبل، ولم أملك إلا أن أمارس رياضتى الذهنية، عوضاً عن رياضة بدنية لا تصلح للمنزل، لأن عمادها المشى ليس إلا!


أسأل نفسى، وأجيبها:

هل المستقبل حكر على أهل أروقة العلم والفكر والسياسة، أو بتعبير آخر نخبة القوم؟

أظن العكس هو الصواب، فالتعرف على المستقبل وتلمسه يجب أن يقع فى دائرة اهتمام البشر عموماً، سواء أدركوا ذلك، أم مارسوه بعفوية، المهم أن يكون ذلك الاقتراب رشيداً.

هل التفكير فى المستقبل شرط لنجاح الفرد أو الجماعة؟

بالتأكيد.. نعم لأن الجرى فى المحل لا ينتج تقدماً، بل العكس، فإن ظللت فى موقعك بينما يقود الآخر تفكيره فى الغد للأمام، فلاشك أنك فعلياً تتقهقر.

ماذا يعنى ذلك؟

باختصار؛ التفكير فى المستقبل ـ كما أراه وأثمنه ـ فرض عين، لا فرض كفاية.

هكذا ترى الأمر، دون أن تجد مبالغة فيما تذهب إليه؟

نعم؛ أعتقد جازماً أنه من الصواب، بل عين الحكمة أن يبدأ كل إنسان بنفسه، وأن يمارس فعل التفكير فى المستقبل إذا كان يتطلع للارتقاء، ولحياة أفضل فى كافة المجالات.

أراك مفرطاً فى التفاؤل!

تهمة لا أدفعها، وشرف أدعيه، ويحضرنى هنا مقولة تولستوى: «الجميع يفكر فى تغيير العالم، لكن لا أحد يفكر فى تغيير نفسه»!

التغيير سنة الحياة، ولكن..


ولكن؛ سأكملها لك، ثمة صعوبات فى الخطوات الأولى، وإذا لم يسع الإنسان لتغيير واقعه، بل نفسه أولاً، فلا تحدثنى عن المستقبل.


وماذا عن المتحجرين باسم المقدس، ويعتبرون الاقتراب، مجرد الاقتراب من سؤال المستقبل «حرام»؟!


أذكر هؤلاء بما يذهب إليه المتصوفة، ويتفق مع العلم الحديث، أقصد الحدس أى الوصول للمعرفة دون تفسير أو تعليل، والمثير حقاً أن ثمة جهوداً بحثية تسعى لتطوير التنبؤ الحدسى والرهان على تحول هائل فى مجال الدراسات المستقبلية ترتيباً على ذلك!


ما هذا التفاؤل، إن هؤلاء يرفضون أهل التصوف؟!


أقول لهم تذكروا قول الرسول الكريم: «إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها»، وكذلك «إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، وإعمل لآخرتك كأنك تموت غداً».. ترى هل هناك رؤية أكثر بلاغة - فى هذا السياق - من الهدى النبوى.


خلاصة القول: أنت مأمور بالعمل من أجل المستقبل حتى والقيامة توشك أن تقوم، ثم إن السعى فى الدنيا وكأنها أبدية، بينما تعمل للقاء ربك كأنك تلقاه غداً، درس بليغ آخر، يؤكد أن الاهتمام بالمستقبل لا يقتصر على حياتنا المعاشة، وإنما يتجاوزها للفوز بثمار المستقبل الخالد فى الدار الآخرة.


هموم المستقبل فى المعرض


ظهر السبت:


هاتفنى صديق عزيز، ينتمى إلى عالم النشر، يبشرنى بأنه لا مجال لاحتمال تأجيل دورة معرض القاهرة الدولى للكتاب، فى نسخته الثالثة والخمسين، فى أواخر يناير المقبل.


بالطبع كنت غاية فى السعادة بعدما زعم من يدعون دائماً العلم ببواطن الأمور، أن تحورات كورونا، لاسيما أوميكرون قد تدفع للتأجيل، مثلما حدث فى الدورة الفائتة.


المعرض إذاً فى موعده، وسوف يستمر فترته المحددة، وبالطبع فى ظل إجراءات احترازية تضمن سلامة الزائرين والعارضين فى آن معاً.
ولأن هاجس المستقبل يظلنى هذه الأيام، وجدتنى أطلق العنان لنفسى ، متمنياً الاهتمام الاستثنائى بهموم المستقبل فى الإصدارات الجديدة المرتقبة بمناسبة المعرض.


قرأت أنه ولأول مرة، سوف يتم تخصيص قاعة لكتاب وأنشطة الأطفال تضم جميع الناشرين فى هذا المجال، قلت وأليس للمستقبل حقه؟


لماذا لا يكون هناك مجرد جناح، ولا أقول قاعة بالكامل لجميع الكتب والمنشورات لمؤلفين مهمومين بالمستقبل كل من زاوية رؤيته، أو تخصصه؟
لماذا تحظى كتب التراث بصالة عرض، بينما تتوه المؤلفات والأبحاث الخاصة بالمستقبل بين الأجنحة والأرفف؟


لا أقلل من أهمية كتب التراث، لاسيما إذا اجتهد المحققون فى تنقيتها من الخزعبلات والإسرائيليات، لكن لابد أن يحظى المستقبل بحق يتناسب مع قدره وأهميته.


أظن أن الفكرة جديرة بأن تحظى باهتمام د.إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، ود.هيثم الحاج رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، بالاحتفاء بكل ما يتعلق بالدراسات المستقبلية الصادرة من كل دور النشر، وأعتقد أن الفكرة سوف تصادف ترحيباً من الناشرين والاتحادين المصرى والعربى، فمازال فى الوقت متسع ـ كما أتصور ـ للتعاطى مع هذه الفكرة، ومن ثم السعى لتفعيلها، ولو بحجم متواضع يضعها محل الاختبار، وأظن أن نجاحها سوف يدفع باتجاه تخصيص قاعة بالكامل فى الدورات المقبلة للمعرض.. لنجرب، ونرى.


بانوراما مثلث الزمن!


عصر الأحد:


خلال الأعوام الأخيرة، وفى خضم التحولات التى شهدتها العشرية الثانية من القرن الحادى والعشرين، والأحداث الصاخبة التى عشناها، كان ثمة ملاحظة شاركتنى فيها أقلام عديدة، وأصدقاء كُثر تتعلق باهتمام واضح لأى متابع لحركة النشر مصرياً وعربياً، بأن ثمة اهتماما بالرواية التاريخية، ولا يمثل ذلك بالنسبة لى أى غضاضة، فالعودة للتاريخ غالباً ما تلازم لحظات التحول الكبرى فى حياة الأمم عموماً.


لكن ما كنت أتمناه أن ينافس الرواية التاريخية، أبحاث ومنشورات تتعلق برسم اتجاهات المستقبل، وملامحه.


لا أضع الماضى فى مواجهة المستقبل، وإنما هى دعوة لأن يحظى المستقبل بالقدر الذى يتوازى مع أهميته.


أتذكر أثناء رئاستى لتحرير كتاب اليوم، وإدارة قطاع الثقافة فى مؤسسة أخبار اليوم، أننى ما مللت الدعوة لمن توسمت فيهم اهتماماً بشئون المستقبل فى تقديم أعمالهم للنشر هنا أو هناك، لكنى لم أحظ سوى بالنزر اليسير من الإسهامات، بينها كان معظم ما يتم تقديمه يرتبط بالحاضر أو الماضى!.


كنت أداعب بعض المثقفين من المترددين على مكتبى متسائلاً:


لماذا لا تبحثون فى قضايا الحاضر عبر منظور مستقبلى؟


وأضيف جاداً:


لماذا لا تضعون نصب أعينكم مثلث الزمن ماضيه وحاضره ومستقبله، لإبداع اجتهادات بانورامية لا تتوقف عند بعد واحد من أبعاد الزمن؟
للأسف كانت كفة الماضى ترجح مرة، وكفة الحاضر ترجح مرات، بينما نصيب المستقبل أقل القليل!