السينما والتاريخ: لا وجود للفيلم في المجال الذهني للمؤرخ

السينما والتاريخ: لا وجود للفيلم فى المجال الذهنى للمؤرخ
السينما والتاريخ: لا وجود للفيلم فى المجال الذهنى للمؤرخ

كتب : عاطف محمد عبد المجيد

فى كتابه «السينما والتاريخ» الصادر عن المركز القومى للترجمة بالقاهرة، وترجمته د. سحر سمير يوسف، يقول الكاتب والمؤرخ مارك فيرو إنه مع بداية الستينيات كانت الصفوة والحكام يريدون تجاهل صورة التلفاز على غرار الأجيال السابقة عليها التى تقلل من شأن السينما، وفى ما مضى كان النظام السياسى يسعى إلى احتوائها بشكل أكبر من رغبته فى احتواء أحداث الماضي، من ثم أصبحت الصورة التليفزيونية  رهانًا ثقافيًّا وسياسيًّا فى الوقت نفسه. فيرو يرى أن الفيلم قد نجح أخيرًا فى اكتساب وضعية الوثيقة، لكن ذلك فى مجال علم الأنثروبولوجيا أكثر من التاريخ، كذلك كان نجاحه أوسع فى الدول الأنجلوسكسونية منه فى فرنسا وإيطاليا أو روسيا.        

                 
الكاتب يذكر هنا كذلك أن آخر صيحة كانت استخدام الفيديو وتوظيفه من أجل الأغراض التوثيقية، أى استخدامه من أجل كتابة التاريخ المعاصر: كانت التحقيقات المصورة التى تلجأ للاستعانة بالذاكرة والشهادات الشفوية أصبحت هى الرائدة وتفرض نفسها، وبذلك، يقول فيرو، ساعد الفيلم على وجود وخلق تاريخ مضاد غير رسمي.


منتج ثقافى
الكاتب يؤكد هنا أن قياس أو تقدير السينما من الأمور العسيرة، غير أن بعضًا من تأثيرها يبدو جليًّا فى بعض المواضع، ذاكرًا أن فيلم «اليهودى سوس» قد حقق نجاحًا واسعًا فى ألمانيا، بعيدًا عن الأوامر التى كان يصدرها جوبلز للعرض، كذلك لم تكن الأفلام المناهضة للنازية والأفلام التى تكرس للتضامن الوطنى تلقى النجاح فى البلاد إلا إذا لم تمجد المقاومة فى البلاد المحتلة، ولا حتى تمجيد الصراع فى مواجهة المؤسسات الشرعية فى ألمانيا، وعدم طرح مسألة المبادرة الحرة لكل مؤسسة.                                             
فيرو يكتب هنا فيقول إن الفيلم السينمائى مثله مثل كل منتج ثقافى أو عمل سياسى أو صناعة ما، وراءه دائمًا قصة، هى فى الواقع تشكل تاريخه الخاص به بما فى ذلك شبكة العلاقات الشخصية الناشئة حوله، ووضع الأشخاص والأشياء تاريخًا يتم خلاله تسوية كل الأمور المتعلقة بالمميزات والعذابات والطبقات والشرف، وحسابات المكاسب سواء أكانت من المجد أو من المال. ومتحدثًا عن المؤرخين والسينما يتساءل فيرو: هل من الممكن اعتبار الفيلم وثيقة غير مرغوب فيها من قبل المؤرخين؟ ويجيب قائلًا بأن عما قريب سيمر قرن على ظهور الفيلم، ولكنه ما زال متجاهلًا، فلم يتم حتى الآن تصنيفه، ولو من ضمن المصادر المرفوضة أو المهملة. الفيلم، يقول فيرو، لا وجود له فى المجال الذهنى للمؤرخ. فيرو يقول إنه لم تكن السينما قد ظهرت بعد عندما بدأ التاريخ فى اتخاذ عاداته وتنقيح أساليبه وأدواته، أو عندما كف عن السرد متجهًا إلى الشرح. كذلك، يقول فيرو، لغة السينما لغة مستغلقة كلغة الأحلام إذ تشتركان سويًّا فى حقيقة واحدة، وهى أن تأويلهما غير مؤكد.


ذهاب دون وعى
مما يؤكده الكاتب هنا أن الصورة لم تكن لها جذور ولا حاكم، سلعة رخيصة للشعب، ولم يكن مقدرًا لها أن تكون رفيقة لتلك العناصر المهمة التى تشكل مجتمع المؤرخ كبنود القوانين ومعاهدات التجارة والتصريحات الوزارية والنقابات العاملة والخطب، وهنا يتساءل المؤلف: كيف كان من الممكن لأحد تصديق أحداث الساعة المصورة بينما يعرف الجميع أن هذه الصور وهذا العرض التقريبى للحقيقة مختاران ويمكن تحويلهما، حيث يتم تجميعهما بواسطة المونتاج والخدع السينمائية؟ مضيفًا أنه ليس فى إمكان المؤرخ الاستناد إلى وثائق من هذا النوع، فالكل يعلم أنه يعمل داخل قفص زجاجي.      

                                                      
فى كتابه هذا الذى يتساءل فيه هل كان المؤرخون يذهبون إلى السينما تلقائيًّا دون وعي، يقول إن العادات القديمة قد تخلفت فى مهنة المؤرخ سواء كان ذلك لدى الماركسيين أو غيرهم، ومنها انتهاج أسلوب معين على وجه التفضيل للتخطيط واتباع مبدأ تلقائى فى ما يتعلق بالمصادر الإنسانية وهنا تغير مفهوم الزمن ذاته بالنسبة للتاريخ. مثلما يؤكد مارك فيرو هنا أيضًا أن بعض الأفلام استطاعت تفكيك وتفنيد آلية عمل  التاريخ المنطقي، وقد ساعد تحليل هذه الأفلام على الوصول لفهم أفضل للعلاقة ما بين الحكام والمجتمع. كذلك يقول فيرو إن أول حدث سياسى تم التقاطه بالكاميرا هو انتحار إحدى المناديات بمنح المرأة حق الاقتراع إثر اندفاعها تحت أقدام حصان الملك أثناء المسابقات التى كانت تقام فى مدينة إسكوت عام 1907، أما الاستخدام السياسى للفيلم فيرجع تاريخه إلى بدايات السينما، ففى عام 1901 أعاد إنجليز شنغهاى تقديم أحد الأحداث الإرهابية لتصوره الكاميرا، وتبين من ذلك بكل وضوح أن رعايا جلالة الملكة لا يمكنهم وضع ثقتهم فى هؤلاء. 


فى مؤلَّفه هذا لا يعتقد المؤلف فى وجود حدود فاصلة بين مختلف أنماط الأفلام، أو على الأقل من وجهة نظر المؤرخ، الذى يعتبر أن الخيال هو ما يُحكى وما يؤرخ له. كذلك يقول فيرو إن البعض يتخيل أن السينما غير قادرة على تقديم حقيقة الماضى والشهادة التى تقدمها تنطبق على أفضل الفروض على الحاضر فقط، وإذا نحينا جانبًا الوثائق وأحداث الساعة، تكون الحقيقة التى تقدمها السينما لا تتجاوز مقدار الواقع الموجود داخل رواية.


فى كتابه الذى يكتب فيه عن الأسطورة والتاريخ ويسأل هل هناك سينما مناهضة للعمل العسكري، يقول فيرو إن هناك تقليدا آخر فى تاريخ السينما وهو الأعمال التى تندد بتجاوزات الأنظمة العسكرية.  

                                                
ومما يصل إليه المؤلف هنا هو أن المفارقة تكمن فى أنه مع الوقت يطرد عمل تاريخى الآخر، لكن العمل الفنى يبقى.                                             


الكاتب يقول هنا فى معرض تحليله لبعض الأفلام والأحداث السينمائية إن الجمهور كان يعتبر السينما وسيلة للترفيه، أما صناع السينما فكانوا يعتبرونها فنًّا، وبهذا الشكل أصبحت العلاقة التى نشأت بين السلطة والجمهور والقائمين على السينما مرتكزة على سوء تفاهم ما بين الأطراف الثلاثة. 

 

أقرا ايضا | «ملحمة مصر الرياضية» تزين العاصمة الإدارية