إنها مصر

الصحف والثورة الخامسة

كرم جبر
كرم جبر

أحدثت الثورة التكنولوجية انقلابات هائلة فى الإعلام التقليدي، وسأضرب بعض الأمثلة: صحيفة فرنسية كبيرة جداً كانت توزع الملايين كل أسبوع، خرج محرروها يحملون نعشها و يودعونها لمثواها الأخير وتوقفت الطباعة الورقية.


كبريات الصحف فى العالم تمر بهذه المشاكل، وكنت فى زيارة إلى دولة خليجية من فترة قصيرة وعملت لفترة قصيرة فى إحدى صحفها من عشرين سنة، وكان المكان عبارة عن خلية نحل تعمل بالليل والنهار وقمت بزيارة المكان مؤخراً وجدته أطلالا وظلاما.


وسألت إيه الحكاية؟ قالوا خلاص الصحافة الورقية خلصت، وحل محلها الموقع الإلكتروني، وهذه الصحيفة كان فيها 2000 من العاملين أصبح فيها ٥٠ عاملاً، والأمر يشمل الدول الكبرى والنامية وأيضاً الدول الغنية وكل الدول فى الإعلام التقليدى فى الهم سواء.
جاءت الثورة التكنولوجية بأقدام ثقيلة وداست على الإعلام التقليدى وخلقت إعلاماً جديداً قوامه سوشيال ميديا.


السؤال هنا.. هل سيختفى العنصر البشرى من الإعلام؟ والإجابة: مستحيل.. لأن الإنسان هو سيد الآلة و ليس العكس.


العنصر البشرى لا غنى عنه، ولكن المطلوب أن نؤهل الجيل الجديد من الإعلاميين بوسائل التكنولوجيا الحديثة، حتى يستطيعوا أن يتواصلوا مع الرأى العام بأدوات العصر..

السنوات القادمة لن تشهد فقط تراجع الصحافة التقليدية، ولكن اختفاء الأحزاب السياسية بمفهومها التقليدي، أى الأحزاب التى لها مقرات ومؤيدون وأنصار يحتشدون بها، وبدأت بالفعل أحزاب السوشيال ميديا، وحققت نجاحات كبيرة فى بعض الدول، بجانب الاعتماد على التصويت الإليكتروني.


شركات الـ "سوشيال ميديا" الكبرى تحولت إلى كيانات متوحشة وأصبحت العملية مثل نقل الدماء فى الاتجاه العكسي، وتسخر كل شيء لصالحها وتحقق المليارات فى الإعلان والتوزيع، وفى نفس الوقت لا تعطى المؤسسات التقليدية أى قدر من الأرباح.. 


لو نظرنا على الحالة المصرية، فالإعلام التقليدى مازال متماسكاً، بالمقارنة بدول أخرى، لأن الدولة المصرية ترعاه وتتحمل جانباً من خسائره لإيمانها بدوره المهم فى تبنى القضايا القومية وسياسات الدولة وقضايا التنمية ورفع درجة الوعي.


السنوات القادمة، ستشهد اختفاء الكثير من الوظائف ومن بينها وظائف إعلامية كثيرة، أتذكر أننا أول ما بدأنا فى الصحافة كان جمع الحروف يكون بالرصاص، والآن أصبحت التطورات مذهلة، أتذكر عندما كنا فى زيارات للخارج كان أول شيء نبحث عنه لحظة نزولنا من الطائرة هو جهاز الفاكس أو تليفون، لنقوم بإرسال الرسالة الصحفية للزميل الموجود فى الجورنال، والخط يقطع ونحاول الاتصال وسط صعوبات كبيرة.


الآن وأنت فى الطائرة أو فى السيارة أو فى أى مكان تكتب رسالتك الصحفية وترسلها على الصفحة أو الموقع مباشرة، وهذه أمور مفيدة جداً بالنسبة للإعلام ولكن المهم اللحاق بالقطار.