هل تتخلى بريطانيا عن جماعات الإسلام السياسي ؟

حركة‭ ‬حماس
حركة‭ ‬حماس

تقرير يكتبه :عمرو فاروق  

  تداعيات قرار وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتل، بتصنيف حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس» على قوائم الإرهاب، استنادًا إلى مجموعة واسعة من المعلومات الاستخباراتية والصلات بالإرهاب، مازالت محل استفهام من قبل الكثير من المتابعين والمحللين المعنيين بملفات السياسة الدولية، ومدى تأثير ذلك على مستقبل الحركة والقيادات الحمساوية ومؤسساتها الاقتصادية القابعة في ضواحي لندن؛ إذ أن القرار يطرح الكثير من الأسئلة حول موقف بريطانيا ومدى تخليها عن دعم تيارات الإسلام السياسي والجماعات الأصولية، وتصنيفهم على قوائم الإرهاب في المرحلة المقبلة، وفي مقدمتهم جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي، الذي يتمركز ثقله السياسي والتنظيمي في ضواحي العاصمة لندن، بعد سقوط صلاحية مكتب الإرشاد بالقاهرة، وتولى إبراهيم منير (رجل المخابرات البريطانية)، الإشراف على إخوان الداخل والخارج.

قرار بريطانيا برجماتي قائم على المنفعة السياسية الخاصة المتعلقة بظروف سياسية محددة، ولا يستهدف في ذاته مكافحة الإرهاب، أو مواجهة الأيديولوجية الدينية المتطرفة، ومن ثم توقع تصنيفها لجماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي مستبعد جدًا، إذ أن بريطانيا تعد تاريخيًا الراعي الرسمي لتيارات الإسلام السياسي، وتستخدمهم كأوراق ضغط تمكنها من تحقيق مصالحها ومصالح حلفائها ممثلاً في الإدارة الأمريكية.

فثمة مفارقة ساطعة حول أسباب قرار التصنيف في تلك المرحلة التي تشهد تغييرات سياسية على مستوى منطقة الشرق الأوسط، في مقابل تغاضي الأجهزة الأمنية البريطانية عن توسع الحركة الحمساوية في بناء مؤسساتها وكياناتها سواء المالية والتجارية والدعوية والإعلامية على مدار عشرات السنوات، ورفض وضعها تحت المراقبة أو المحاسبة.

فلا يمكن إنكار تبعية حركة «حماس» للتنظيم الدولي للإخوان، وتبنيها أجندة تيارات الإسلام السياسي والجماعات الأصولية المسلحة منذ تدشينها عام 1987،وتمثل كذلك امتدادًا صريحًا للجناح المسلح الذي شكله حسن البنا في أربعينات القرن الماضي، تحت مسمى «النظام الخاص»، حاملاً رؤيته حول توظيف القوة في نشر توجهاته الفكرية في بناء دولة الخلافة المزعومة.

ترفع حركة «حماس» بجناحيها السياسي والمسلح (كتائب عز الدين القسام)، شعارات مشروع»التمكين» والوصول إلى»أستاذية العالم»، الذي تتبناه جماعة الإخوان منذ ثلاثينات القرن الماضي، في إطار الهيمنة على مقاليد الحكم والسلطة في دول المنطقة العربية والشرق الأوسط، فضلاً عن الدول الغربية والولات المتحدة، بناءً على وثائق متعددة خطت بيدي عناصر حمساوية تابعة للتنظيم الدولي مثل وثيقة محمد أكرم ،التي صاغها في 22 مايو1991، تحت عنوان «مذكرة تفسيرية للهدف الاستراتيجي للجماعة في أمريكا الشمالية»، وتم الإفراج عنها نهاية عام 2017.

شعارات «أكذوبة المقاومة» وظفتها حركة «حماس» ومن ورائها مؤسسات التنظيم الدولي  لجماعة الإخوان، في جمع الأموال والهيمنة على أكبر كعكة من التبرعات والصدقات سواء من عمق الدول العربية أو من الجاليات العربية والإسلامية في قلب الدول الغربية، عبر مئات المنظمات التي أسست تحديدًا لهذا الهدف استغلالاً للمشاعر الدينية تجاه قضية المسجد الأقصى ومعاناة الشعب الفلسطيني.

غالبية الأموال التي جمعت عبر المنظمات الحمساوية وكيانات التنظيم الدولي تم طرحها في بناء مؤسسات اقتصادية وتجارية وإعلامية ومدنية، تُخدم على أنشطة جماعة الإخوان في المنطقة العربية وفي أوروبا، ولعل أشهرها منظمة «الإغاثة الإسلامية، التي تم تأسيسها عام 1984، وكذلك مؤسسة «الأرض المقدسة» أسست عام 1989 ، ومؤسسة «صندوق إغاثة فلسطين»، أسست عام 1991، و»اللجنة الخيرية لمناصرة فلسطين» (CBSP) أسست عام1995، ومؤسسة «سنابل الاقصى الخيرية» تأسست عام 1999، و»صندوق الأقصى» تأسس عام 2001، وغيرها من الكيانات التابعة للحركة الحمساوية، فضلاً عن قيامها بدور رابط في تمرير الأموال بين المؤسسات التابعة للتنظيم الدولي في الخارج.

أسهمت حركة «حماس» في الكثير من أعمال الفوضى في المنطقة العربية خلال مرحلة محاولة تمكين الإخوان الإرهابية من رأس السلطة في عدد من الدولة العربية وعلى رأسهم مصر، وذلك من خلال اقتحامها للحدود الشرقية، واقتحامها لعدد من السجون المصرية، ومشاركتها المباشرة في أحداث العنف التي اجتاحت شوارع القاهرة عقب سقوط حكم الإخوان في يونيو 2013.

تمتلك حركة «حماس» ذاكرة تاريخية دموية ضد معارضيها وضد الشعب الفلسطيني، نفذتها تحت عباءة المقاومة والنضال المسلح للكيان الصهيوني، فتم الاعتداء على الصحفية رواء مرشد في مايو 2021، وكذلك  اغتيال إياد المدهون، الذى عثر عليه مقتولًا شمال قطاع غزة عام 2013، واغتيال سكرتير جمعية الكتاب المقدّس، في مدينة غزة الشاب رامي عياد بعد خطفه وتعذيبه فى أكتوبر 2007.

اتهمت منظمة العفو الدولية عام 2015، حركة «حماس»، بممارسة «حملة وحشية» ضد المدنيين الفلسطينيين فى قطاع غزة، وأنها وثقت قيامها بتنفيذ 20 حالة «إعدام بدون قرار قضائي»، وبحسب تقرير المنظمة، فإن حركة «حماس»، قامت بتصفية حساباتها مع خصومها من حركة «فتح» من خلال عمليات اختطاف وتعذيب وقتل، فضلا عن امتلاء سجونها بمئات المعارضين السياسيين.

في حقيقة المطاف نحن لسنا أمام حركة سياسية مدافعة عن قضايا الشعب الفلسطيني، ومناهضة للكيان الصهيوني، بناءً على التصريحات الصادرة عن القيادي الحمساوي محمود الزهار التي قال فيها؛ «واهم من يظن أن حماس مشروع مقتصر على القضية الفلسطينة، لكنه أبعد من ذلك بكثير»، في توضيح ضمني لدور الحركة ودعمها لمشروع التنظيم الدولى في قيام «دولة الخلافة» التي رسم حدودها حسن البنا وسيد قطب.

تمثل حركة «حماس» حلقة الوصل الفاعلة بين التنظيم الدولي والنظام الإيراني، في إطار العلاقة الوثيقة والتاريخية الجامعة بين جماعة الإخوان والنظام الملالي، وادعاءات التقارب الفكري والمذهبي بين السنة والشيعة، بجانب أنها حلقة وصل في إدارة ونقل الأموال من وإلى الحرس الثوري، والمساهمة في تدريب العناصر التابعة لحزب الله وفيلق القدس .

العلاقة بين جماعة الإخوان، والنظام الملالي الصفوي، ممتدة على مدار التاريخ المعاصر، في ظل تشابكات فكرية وسياسية وتنظيمية، صنعت حالة من الترابط في تحقيق مشاريع السيطرة الدينية على المجتمعات والشعوب ومحاولة إخضاعهم لما يسمى بـ»الخلافة» الرمزية، التي جعلها الطرفان ركنًا من أركان الدين ومن ثوابت العقيدة والشريعة الإسلامية فضلاً عن الإيمان بمفهوم «الإسلامية الأمامية»، ومما يترجم حالة التشابك والتواصل المستمر بين جماعة الإخوان والنظام الملالي، تدريس نظريات وأفكار سيد قطب في مدارس الإعداد العقائدي لدى «الحرس الثوري الإيراني»،بقرار من خامنئي عندما أصبح مرشداً للثورة الإيرانية عام 1989، وقيامه عام 1966 بترجمة كتاب «المستقبل لهذا الدين» لسيد قطب، إلى اللغة الفارسية، وكتب في مقدمة الترجمة أهمية الدور الذي أدّاه قطب، ونعته بصفة «المفكّر المجاهد»، وترجم كتاب «الإسلام ومشكلة الحضارة الغربية»، ووسمه بعنوان «بيان ضدّ الحضارة الغربية»، وكتاب «في ظلال القرآن».

قرار بريطانيا بتصنيف حركة «حماس» على قوائم الإرهاب، يأتي دفاعًا عن مصالحها الخاصة في المقام الأول، في ظل متغييرات على المستوى الإقليمي والدولي فيما يتعلق بالسياسات الإيرانية، إذ أنها رصدت زيادة نشاط حركة الأموال خلال المرحلة الراهنة من قبل مؤسسات على علاقة بالتنظيم الحمساوي، فضلاً  عن قيام تلك المؤسسات بدور وسيط بين الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وعدد من الكيانات التابعة للنظام الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وفقًا للكثير من التقارير الغربية.

القرار البريطاني تجاه حركة «حماس» يحمل الكثير من الدلائل المتعلقة بالإدارة الأمريكية التي مازالت منقسمة على نفسها، فيما يخص التعامل مع الملف الإيراني، لا سيما أن القرار تم الإعلان عنه من داخل واشنطن، وليس من داخل لندن، خاصة أن الجانب الخفي في هذا القرار ينحصر في محاولة قطع الأذرع الداعمة للسياسات الإيرانية في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم حركة «حماس»، توافقاً مع التصريحات الحادة والأخيرة لوزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، التي أطلقها من داخل «منتدى حوار المنامة» الأيام الماضية. تحاول الإدارة الأمريكية (عن طريق بريطانيا) الرد من خلال هذا القرار، على الاتهامات الموجهة إليها من قبل حلفائها من تهاونها وتخاذلها في التعامل مع التهديدات الإيرانية في الشرق الأوسط، فضلاً عن الرد على التسريبات التي روجت لسعي واشنطن رفع بعض العقوبات عن طهران، ورد الأموال المحتجزة والمتعلقة بـ»فيلق القدس» التابعة للحرس الثوري. كما لا يمكن تجاهل أن القرار البريطاني يأتي في محاولة لتطمين الكيان الصهيوني المحتل، إثر حالة الانزعاج التي تعصف به نتيجة السياسات الإيرانية ودورها في الشرق الأوسط، لا سيما في ظل الأحداث الأخيرة التي طفت فيها على السطح البصمة الملالية في لبنان والعراق وسوريا واليمن، بجانب تباطؤ النظام الإيراني في المفاوضات المتعلقة بالملف النووي مع الإدارة الأمريكية، ومحاولة كسب المزيد من الوقت لزيادة برنامجه النووي.