المسجد الإبراهيمي.. قصة «رابع الحرمين الشريفين» الذي استباحه رئيس إسرائيل

الحرم الإبراهيمي
الحرم الإبراهيمي

إن المساجد وُضعت في الأرض لتكون للمسلمين خاصة ووحدهم دورًا للعبادة، ومكانًا مقدسًا لا يُقبل النيل منه أو تدنيسه، لكن هذا لم يكن ليصل إلى آذان الإسرائيليين الذين دأبوا واعتادوا على استهداف المقدسات الإسلامية في أرض فلسطين، التي يحتلونها منذ عشرات السنين. 

وكما عُرف عن اليهود ودولة الاحتلال أنها ماضون في تدنيسهم للمقدسات الإسلامية في أرض فلسطين، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، كان الحرم الإبراهيمي الشريف هو الآخر في مرمى انتهاكات الاحتلال المستمرة دون توقف.

وأقدم الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوج، اليوم الأحد 28 نوفمبر، على اقتحام الحرم الإبراهيمي، وأضاء شمعدانًا في الحرم الإبراهيمي إيذانا ببدء الاحتفال بعيد "الأنوار" اليهودي، ورافقه قادة المستوطنين وأعضاء كنيست، في انتهاكٍ صريحٍ لحرمة المقدسات الإسلامية في فلسطين.

قدسية المسجد للمسلمين

قدسية المسجد عند المسلمين، تأتي كونه بمثابة رابع الحرمين الشريفين بعد المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة، والمسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس، كما أن له قدسية دينية عند اليهود، وهو يعتبر ثاني الأماكن المقدسة بالنسبة لهم بعد هيكل سليمان المزعوم.

وترجع قدسيته عند اليهود إلى الغار الشريف الذي يُدفن فيه نبي الله إبراهيم وبنيه إسحق ويعقوب، الذينِ تنحدر منهما نسب اليهود، وقد لُقب نبي الله يعقوب في سورة "مريم" بإسرائيل في قوله تعالى «وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا».

روايات حول المسجد

وترجع أساسات المسجد إلى عهد الملك هيرودس الأدومي، الذي حكم مدينة الخليل في الفترة ما بين عامي 37 قبل الميلاد و7 قبل الميلاد، وبعدها حوّل الرومان أساسات المسجد إلى كنيسة.

الملك هيرودس هذا، يُعرف بأنه قاتل سيدنا -يحيى عليه السلام- الذي مات شابًا، وقد تعددت الروايات حول سبب قتله لسيدنا يحيى، لكن الرواية الأكثر إجماعًا عليها أن الملك أراد الزواج من إحدى محارمه، وهو أمر محرّم عليه زواجها، ونصحه نبيّ الله يحيى -عليه السلام- بالبعد عن هذا الفعل الشنيع والمنكر الفظيع الذي ينوي الملك فعله وتنوي تلك الفتاة الإقبال عليه.

وعلى إثر ذلك سجنه الملك هيرودس، وطلبت منه الفتاة أن يقتل سيدنا يحيى، ليثبت لها حبه، فأرسل له من قتله، ووضع رأسه في طست ووضعه بين يديها.

وهناك رواية أخرى، تقول إن إحدى الفتيات من عائلة الملك وقعت في غرام سيدنا يحيى، وطلبت من أنه يعاشرها، فأبى امتثالًا لأوامر الله، فلما تم سجنه طلبت الفتاة من الملك قتله وإتيان رأسه في طست من الذهب ففعل، وأتى به، وحينما همت الفتاة أن تقبل رأس جاءت صيحة أماتتها وطارت رأس نبي الله يحيى لتصعد إلى السماء.

وبعد زوال ملك هيرودس وبناء الرومان كنيسةً عند أساساته، ثمّ هُدمت بعد أقل من 100 عام على يد الفرس، لتتحوّل بعدها إلى مسجد في العصور الإسلامية الأولى، لكن مع احتلال الصليبيين للمنطقة، بُني مكان المسجد كنيسة كاتدرائية، قبل أن يُنهي صلاح الدين الأيوبي كل هذا ويجعله مسجدًا خالصًا بدءًا من عام 1187 بتحريره بيت المقدس وفلسطين، وهو على وضعه هكذا إلى يومنا هذا.

مجزرة إسرائيلية في الحرم

هذا الحرم، الذي له قدسية خاصة لدى المسلمين، كان شاهدًا على مجزرة مروعة عام 1994 ارتكبها اليهودي المتطرف باروخ جولدشتاين.

وترجع وقائع الأحداث إلى يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر فبراير عام 1994، والذي كان يوافق الخامس عشر من شهر رمضان المعظم، حينما نفذ المستوطن الإسرائيلي المتطرف باروخ جولدشتاين، المجزرة البشعة.

ودخل جولدشتاين إلى الحرم الإبراهيمي وأطلق النار على المصلين، مما أدى إلى استشهاد 29 مصليًا فلسطينيًا قضوا نحبهم داخل المسجد، إضافةً إلى أكثر من 150 جريحًا آنذاك.

وفي الوقت ذاته، ارتكب جنود الاحتلال الإسرائيلي المتواجدون في الحرم جريمةً شنعاء، وذلك بأن قاموا بإغلاق أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا القادمين من خارج الحرم للوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى،

وفي وقتٍ لاحقٍ من ذلك اليوم، استشهد آخرون برصاص جنود الاحتلال خارج المسجد وأثناء تشييع جنازات الشهداء ما رفع مجموعهم إلى 50 شهيدًا.

وقتها تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها وكافة المدن الفلسطينية، وبلغ عدد الشهداء الذين سقطوا نتيجة المصادمات مع جنود الاحتلال إلى 60 شهيدًا ومئات الجرحى.

والمتطرف باروخ جولدشتاين، الذي كان يبلغ من العمر 42 عامًا وقت ارتكاب المذبحة، كان من مؤسسي حركة "كاخ" الدينية الصهيونية، وقد قدِم من الولايات المتحدة عام 1980، وسكن في مستوطنة "كريات أربع" المقامة على أراضي مدينة الخليل.

وإثر المجزرة، أغلقت قوات الاحتلال الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة لمدة ستة أشهر كاملة، بدعوى التحقيق في الجريمة، ووضعت الحراسات المشددة على الحرم وفرضت واقعًا احتلاليًا صعبا على حياة المواطنين في البلدة القديمة لمدينة الخليل، لتكون هذه إحدى حلقات الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والتي لا تنتهي، والتي رسخها اليوم رئيس دولة الاحتلال بانتهاكه حرمه المسجد الشريف.

اقرأ أيضًا: الرئيس الإسرائيلي يقتحم الحرم الإبراهيمي بالخليل