ورقة وقلم

الحضارة.. والتحضر

ياسر رزق
ياسر رزق

احتفال افتتاح «طريق الكباش» بعد موكب المومياوات يعبران عن مجد تاريخ وعظمة حاضر وأظن اقتران افتتاح العاصمة الجديدة والمتحف الكبير سيكتب فصلًا جديدًا عن حضارات هذا البلد

 

 

 

 

 


منذ احتفال موكب المومياوات الأسطورى بالقاهرة، أتطلع إلى احتفالية افتتاح طريق الكباش أقدم دروب العالم بالأقصر التى تحدت الزمن، ومن بعدهما أنتظر بشغف الاحتفال الذى أظنه سيكون أكثر إبهارًا، وهو الخاص بافتتاح المتحف المصرى الكبير فى منتصف العام المقبل، حسبما أتوقع.


عن موكب المومياوات قلت إنه لامس حد الكمال فى تعبيره عن مجد تاريخ وعظمة حاضر لهذا البلد، فلم أشهد فى حياتى، ولم أسمع أن حدث من قبل احتفال بكل هذه المهابة والبهاء والألق.


أدهشنا أنفسنا قبل العالم، بأن استطاع هذا الجيل تنظيم احتفال رسمى وتاريخى وفنى بهذا التناغم والهيبة والجمال، يكشف أن أحفاد صناع أول حضارة عرفتها البشرية، يحملون جيناتهم التى ثمة من يعتقد فى العالم أنها فوق بشرية..!


فى احتفالية ليل الخميس، أثبتنا لأنفسنا قبل شعوب العالم، أن موكب المومياوات، لم يكن «بيضة ديك»، أو ليس استثناء غير قابل للتكرار.


ومن ثم، يدفعنى الاعتقاد بأن افتتاح أكبر متحف لكنز كنوز البشرية وأهم حضارات الإنسانية، بالقرب من عجيبة عجائب الدنيا وهى أهرامات الجيزة، سيكون حدثًا غير مسبوق يرتقى إلى أهمية ومكانة المتحف المصرى الكبير.


عندما كانت الشاشات تعرض مسيرة شباب وشابات تجتاز طريق الكباش من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر بمسافة ٧٠٠ متر، بعد أن عاد تقريباً إلى مشهده الأول قبل ٣٥٠٠ عام مضت، وعندما كانت الكاميرات تتنقل بين معابد مصر الفرعونية على مر دولها القديمة والوسطى والحديثة، وتكشف كيف عادت إلى رونقها القديم، كانت انطباعات وجه الرئيس السيسى تبدو محيرة..!


كانت تبدو مزيجًا معجونًا من مشاعر شتى.


إحساس بالفخر لحضارة الأجداد التى كتبت أول فصول فى كتاب تاريخ الإنسانية.


إحساس بالسعادة والاعتزاز بشابات وشبان هذا الجيل الناهض الذى استعاد لهذه الكنوز أصالتها وأعاد لها جمالها القديم.


وأيضا شعور بقدر من إرهاق يوم طويل بدأه صباحًا بزيارة قرى أسوان التى ضارتها السيول وهدمت بعض منازلها، ولم يشأ أن يفتتح فى الليل إنجازًا يعود للتاريخ، دون أن يهدئ قبلها فى النهار من روع أبناء مصر المتضررين، ويؤكد لهم أن الحاضر أولى من التاريخ، مهما كانت عظمته وسؤدده.


ولقد أسعدنى أيما سعادة كلمات الرئيس السيسى لأبناء إحدى قرى غرب أسوان المتضررة وهو يقول لهم: «هناك ٥٠٠ شقة جاهزة بكل الأثاث ومستلزمات الفرش، يا دوب تجيبوا الهدوم، وممكن نجيبها لكم إحنا كمان. وده كله من خير مصر بلدكم».


ولم أستغرب موقف الرئيس وهو يعلن استثناء جميع قرى مركز أسوان من ترتيب مراحل تنفيذ مشروع «حياة كريمة»، لتطوير كل قرى الريف المصرى، ويأمر بضم قرى مركز أسوان إلى المرحلة الأولى للمشروع.


فذلك هو التحضر النابع من حضارة مصرية ممتدة تضرب بجذورها فى تاريخ ما قبل التاريخ.


< < <


ليس طريق «الكباش»، التاريخى هو وحده الذى طالته أيادى الترميم من أجل إعادة الشىء إلى أصله.


الأقصر بلدنا كلها، بآثارها وكنوزها ومعابدها، وشوارعها وكورنيشها، ونيلها الذى يسبق كل تاريخ، عادت فى صورة متحف مفتوح، وفى هيئة بهية تليق بأقدم مدينة عرفتها الإنسانية، ومسقط رأس أحمس الأول، محرر التراب المصرى من دنس الهكسوس.


وها نحن إذن نطالع عاصمة مصر القديمة تنهض، ونحن نستعد لافتتاح عاصمة جديدة، ونعيد لقاهرة الألف عام، رونق أحيائها الذى لا نعرفه إلا من صور الماضي، ونضيف إليها معالم حاضر، تصل تاريخها بمستقبلها كحاضرة حضارات العرب.


< < <


ثمة لمحات ذات دلالة تعبر عن نهج هذا النظام، يفصح عنها احتفال «طريق الكباش».


فلقد درجنا على عادة بعض الحكام القدماء، فى إزالة أسماء سابقيهم من على جدران المعابد والمسلات، لينسبوا إنجازات الأسلاف لأنفسهم، وعرفنا عن بعض الحكام المحدثين ولعهم بهدم منجزات سابقيهم..!


لكننا وجدنا فى احتفال ليل الخميس، حرصًا على الإشارة بوضوح، إلى أن مشروع طريق الكباش، بدأ فى عام ٢٠٠٥ ثم تعثر عام ٢٠١١، حتى جرى إحياؤه منذ ٤ سنوات. أى أن بداية المشروع كانت فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، والذى أعلمه أن صاحب فكرة إحياء هذا الطريق هو اللواء دكتور سمير فرج حينما كان رئيسًا للمجلس الأعلى للأقصر ثم محافظًا لها.


مثلما وجدنا فى أكثر من مناسبة حرصًا على التنويه بدور الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق فى ابتكار فكرتى متحف الحضارة والمتحف المصرى الكبير والسير فى تنفيذهما حتى توقفت الأعمال وتعثر المشروعان إثر أحداث ثورة ٢٥ يناير وما بعدها.


تلك المواقف تعبر عن احترام للنفس قبل احترام عطاء السابقين، وتكشف عن منظور مختلف لرؤية هذا النظام، بأن التاريخ هو حلقات متصلة، وأن من الظلم للشعب أن نبخس جهده فى مراحل سابقة، أيًا كان الرأى فيها.


على أن فتح جميع الملفات فى عهد الرئيس السيسى معًا، بدءًا من العمران وتغيير واقع حياة المصريين فى الريف والحضر وغيرها، مرورًا بالصحة والإصلاح الإدارى وصولًا إلى المنشآت والمواقع الأثرية، والسرعة القياسية التى يتم بها إنجاز كل تلك المشروعات العملاقة والقومية والكبرى، هو انعكاس لإرادة سياسية حقيقية على الارتقاء بالوطن وتقديم مصر إلى العالم فى صورة جديدة، وفى الحقيقة أن تلك الإرادة كانت تعوزنا على مدار قرابة ٤٠ عامًا مضت.


< < <


دلالة أخرى يؤكد عليها احتفال طريق «الكباش»، هى الإيمان بدور الشباب والثقة فى مواهبهم وإبداعهم وتفانيهم فى العطاء، فالذين صاغوا الاحتفالية ونظموها وأداروها على الأرض وشاركوا فى تنفيذها باللحن والموسيقى والغناء والاستعراضات الفنية والديكورات وكل مكونات الاحتفالية، هم شباب مبدعون قادرون على بلوغ قمم الرقى الفنى، فقط عندما تتاح لهم الفرص.


ولعل الاحتشاد الكبير أمام شاشات التليفزيون لمتابعة الاحتفالية، وردود الأفعال المنبهرة بها على وسائل التواصل الاجتماعى تؤكد مجددًا - بعد الأصداء الهائلة لاحتفال موكب المومياوات، أن الذائقة المصرية بخير، وأن العملة الجيدة تطرد حتمًا العملة الرديئة فى مجال الآداب والفنون بالأخص.


وفوق كل ذلك الإبداع، كانت جهود شباب الأثاريين والمرممين المصريين الأكفاء ذوى العلم، على مدار شهور طويلة وربما سنوات، فى إعادة التماثيل لأقرب ما يكون لصورتها الأصلية، وترميم الجدران والأعمدة فى شتى المعابد.


لذا، حرص الرئيس السيسى على أن يتوقف أثناء افتتاحه «طريق الكباش»، ليصافح مرممة شابة مصرية هى منال شوقى أبوالدهب، ويحادثها مهنئًا ومشيدًا بجهدها المتفانى وزملائها فى ترميمات صالة الأعمدة بمعبد الكرنك وترميمات معبد الأقصر.


< < <


لى أمنية أعلم أن تحقيقها بالغ الصعوبة لوجيستيًا ومراسميًا، هى أن يتزامن احتفال مصر العالمى بافتتاح العاصمة الإدارية فى منتصف العام المقبل، مع احتفالها العالمى بافتتاح المتحف المصرى الكبير.


أدرك أن كل مناسبة منهما لو أقيمت منفصلة، سوف يحضرها جمع من زعماء دول العالم وحشد من الشخصيات العالمية الكبري.


لكنى أتخيل الانطباع الذى سيتولد فى أذهان كل هؤلاء ومعهم الرأى العام العالمي، عندما يحضرون فى الصباح - مثلًا- افتتاح العاصمة دليل إبداع أحفاد الفراعنة، ويشهدون فى المساء افتتاح المتحف المصرى الكبير، بما يعرض من كنوز الحضارة المصرية القديمة الشامخة، أغنى وأغلى وأخلد التراث الإنسانى على مر العصور.


العام المقبل- بإذن الله- سيقول لكل العالم، إن مجد التاريخ هو نبع عظمة الحاضر لهذا البلد وهذا الشعب، وأن المصريين مثلما علموا العالم أول فصل فى كتاب الحضارة، بمقدورهم أن يسطروا فصلًا جديدًا عن التحضر.

 

سن القلم

 

منذ عرفت الدكتور خالد العنانى عقب توليه منصب وزير الآثار، ومنذ تكلم أمامى، ومنذ بدأ يعمل وينجز، ويحصد، أدركت أننى أمام مثال بليغ على اختيار الرجل المناسب فى  المكان المناسب وفى الوقت المناسب.


وحينما أسندت إليه وزارة السياحة فى توقيت عصيب، فى ذروة أزمة كورونا، وتابعت جهده المتواصل، أيقنت أن هذا الاختيار قد صادف بحق أهله.

 


الدكتور خالد العناني، عالم حصل على الدكتوراة فى علم المصريات، وعمل وكيلًا لكلية السياحة التى تخرج فيها، درس وحاضر فى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، كما عمل بتدريس اللغة المصرية القديمة، وهو يجيد بطلاقة 3 لغات.


وقد لمست أثناء حضورى منذ عامين افتتاح معرض «كنوز توت عنخ آمون» فى باريس، قدرته على التواصل الذكى مع خبراء الآثار ورجال السياحة، بجانب علمه الغزير وثقافته الرفيعة.


وكان أكثر ما لفت انتباهى فى شخصيته بجانب دماثة خلقه وأناقته المشرفة، احترامه لعطاء أسلافه من الوزراء، لاسيما أصحاب البصمات المشهودة، كالدكتور زاهى حواس عالم المصريات الأشهر والوزير الأسبق، ووجدته يقدمه على نفسه أمام عديد من الوزراء والسفراء والشخصيات الثقافية فى باريس.


قصة نجاح الدكتور خالد فى مهمته مديرًا لمتحف الحضارة منذ عام 2014، ثم الإشراف على المتحف المصرى بالتحرير، كانت هى أوراق اعتماده لمنصب وزير الآثار.


وإنجازاته فى هذا المنصب، والثقة فى قدرته على الترتيب لانطلاقة سياحية بعد أزمة كورونا، كانت هى مؤهلاته للجمع بين منصبى السياحة والآثار فى حقيبة وزارية واحدة.


أرى الدكتور خالد ـ وهو لم يبارح بعد سن الشباب ـ قدوة للأجيال الجديدة، فى العلم والمقدرة والكفاية وحسن الخلق، وهى سمات لابد أن يصل صاحبها إلى النجاح.


أتمنى للوزير الهمام الدءوب كل التوفيق فى محطاته المقبلة على مشواره الطويل للارتقاء بالآثار والنهوض بالسياحة.

 

 

تداعى إلى ذاكرتى، بعد الإنجازات المتتالية التى تتم فى مجال الآثار، تمثالان من أضخم ما تم اكتشافه من كنوز الحضارة المصرية القديمة وهما تمثال ميريت آمون وتمثال زوجها الملك العظيم رمسيس الثانى الذى يعد أضخم من تمثاله الشهير الذى كان يتوسط ميدان رمسيس بقلب القاهرة.


التمثالان تم اكتشافهما فى حفريات بإخميم بمحافظة سوهاج، ولم يتم رفعهما بسبب حجمهما الضخم، وجرى بالفعل ترميم تمثال رمسيس الثانى.


سألت الآثارى الكبير الدكتور زاهى حواس عن موقف التمثالين، وهل يمكن نقلهما إلى موقع آخر؟


قال إنه تم إزالة جبانة حديثة كانت عند موقع التمثالين، وإنشاء جبانة بديلة ضخمة على نفقة وزارة الآثار، لنقل المقابر إليها، غير أن أحداث ثورة يناير تسببت فى وقف المشروع.


يرى الدكتور حواس أنه من الأفضل، أن يكون التمثالان مصدرًا لجذب السياحة الثقافية إلى إخميم، بدلًا من نقلهما، فالمنطقة التى يوجد بها موقع الاكتشاف، كانت زاخرة بالمعابد الخاصة بالإله «مين» إله التكاثر عند المصريين، وقد ذكر الرحالة العرب الذين زاروا المكان فى القرن التاسع الميلادى فى مؤلفاتهم، أن المعابد التى شاهدوها أكبر من معابد الكرنك، أهم المعابد المصرية المعروفة.


ربما تكون الحفريات فى إخميم ، لاكتشاف هذه المعابد الخبيئة، ورفع التمثالين فى وسطهما من أهم المشروعات الأثرية فى السنوات القليلة المقبلة.

 

 

الأجواء المتحضرة التى سادت انتخابات النادى الأهلى أمس الأول، والمودة التى جمعت أعضاء النادى على مدار اليوم تكشف سر المكانة التى يحتلها الأهلى عربيًا وأفريقيًا وعالميًا. 


كان المؤكد ـ قبل اجراء الانتخابات ـ فوز الكابتن محمود الخطيب أسطورة النادى، فى ظل منافسة لم تكن موجودة، وجاء فوز قائمة الكابتن الخطيب بالكامل لعضوية مجلس الإدارة، ليس قدحًا فى إخلاص باقى المرشحين أو انتقاصًا من كفاءتهم، وإنما رغبة من جانب الناخبين فى استتباب روح الفريق داخل مجلس الإدارة من أجل تنفيذ البرنامج الانتخابى للخطيب وقائمته، وبالتالى استقرار النادى.


كل التهنئة للكابتن الخطيب وجميع الفائزين، والتمنيات الطيبة للذين لم يوفقوا، فى استمرار عطائهم لخدمة النادى.


وأتمنى أن نشهد فى باقى الأندية، وبالأخص نادى الزمالك أجواء مشابهة فى انتخاباته المقبلة، فالاستقرار الذى غاب عن الزمالك هو أهم ما يفتقده هذا النادى العريق.