مع احترامى

أيام وبنعيشها

فرج  أبو العز
فرج أبو العز

لا شىء أصدق فى التعبير عما يحدث فى المجتمع من تغيرات بل طفرات تعكس خللا اجتماعيا واضحا لا يقبل التشكيك سوى لغة الشارع ووسائل المواصلات العامة وصفحات الحوادث التى تصدمنا يوميا بجرائم لم نعتدها فى مجتمعنا وأبرزها حادث الذبح فى عرض الطريق بالإسماعيلية وحادث الزوجة والصديق اللذين دفنا الزوج «حيا» فى الدقهلية.. أحاديث ووقائع المواصلات العامة تكشف ما وصلنا إليه من خلل شباب فى عمر الزهور يتسابقون على مقاعد كبار السن دون وازع من نخوة أو احترام والغريب أن الشاب المفروض أنه فى ريعان فتوته يجلس على المقعد منهارا وكأن على رأسه الطير دون احترام لرجل كبير هده المرض أو سيدة حامل أو عجوز تكاد تجلس أرضا لتتحمل عناء الرحلة.
شباب وفتيات فى وصلة هزار وفرفشة مكانها ليست بالقطع وسائل المواصلات والغريب بل المريب أن الشباب يبدون أكثر حياء من الفتيات اللاتى يبادرن بالحركات والألفاظ الخادشة.. ناهيك عن مظاهر الإدمان التى نراها بدءا من المخدرات ومشتقاتها انتهاء بإدمان النت الذى أصبح لا يفرق بين شاب وكبير، فالكل فى شاشته لدرجة تنسيه محطة الوصول.. لغة الشارع أصبحت أكثر حدة وغرابة فى كل شىء، فالرجل يطلقون عليه «الحاج» والمسن «جدو» والشاب «يا سطى» والفتاة «صاروخ» إن لم تكن هناك ألفاظ أخرى لم تصل لمسامع أمثالنا بعد.
قديما كان من ينظر لفتاة أو سيدة مجرد نظرة يعتبر خارجا عن التقاليد ومنبوذا فى دائرته سواء فى محل سكنه أو موقع عمله، الآن أصبحت الأمور أكثر فجاجة لا نراها حتى فى الغرب الذى كنا نتندر على ما نراه فيه من سلوكيات غريبة علينا.. ناهيك عن كلمات المعاكسات التى كانت فى وقت سابق تعكس حياء ما.. الآن أصبحت «ع المكشوف» كلمات يندى لها الجبين.. عنف أسرى بل عنف مجتمعى نكاد لا نعرف أسبابه ودوافعه رغم وجود مراكز أبحاث متخصصة فى مختلف المجالات وأبرزها مراكز البحوث الاجتماعية التى تخصص لميزانياتها الملايين ولا نجد مردودا لجهودها بل مجرد ملفات تكدس على الأرفف والأدراج والأولى تنبيه المجتمع وبالتالى جهات التشريع عن المستجدات الاجتماعية التى يجب بل ضرورى أن يواكبها الإطار التشريعى بما يلزم من قوانين وإجراءات تقلل منها ولكن أكون مرفها وأقول لمنعها تماما فهذا يبدو من المستحيل فى ظل حقيقة أن التطور الاجتماعى المتلاحق غالبا ما يسبق الإطار التشريعى الذى عليه رصد أية تطورات ووضع حلول لمواجهتها.
كلنا مسئولون مؤسسات إعلامية ودينية وتعليمية وأجهزة الدولة والأسرة عما يحدث من تطورات فى المجتمع إما لأننا أغفلناها لفترة كنا فيها مشغولين بقضايا أخرى أو لأننا مازلنا نتعامل مع واقع متغير بكتالوج قديم أكل عليه الدهر وشرب ويجب علينا جميعا الاعتراف بالواقع فكيف نقول لأولادنا: خير الكلام ما قل ودل والثرثرة ماضية بلا حدود فى وسائل التواصل الاجتماعى بما يطول كل شىء حتى أدق الخصوصيات.. كيف نقول لأولادنا: أخلص فى عملك وهو يرى نماذج أمامه لم تخلص ولم تعمل من الأساس وتأخذ فرصة المجتهد.. وكيف نقول لأولادنا: ارض بنصيبك وهو يرى أناسا ترعرعت ونمت ثرواتها دون جهد.. وبعد أن أصبحت القدوة وبلا حسد للاعبى كرة القدم والممثلين والمطربين.
على مراكز الأبحاث الاجتماعية لدينا أن تعمل بجد واجتهاد لوضع نموذج جديد للقيم يرتب الأولويات حسب تطورات المجتمع وليس المفروض أن يكون من باب فن الممكن وليس المستحيل.. فما جدوى أبحاث نجريها وتظل حبيسة أدراجها.. علينا أن نعمل جيدا فى مفهوم التخطيط الاجتماعى طويل الأجل بخطط تعليمية وتربوية مدروسة جيدا حتى لا نفاجأ دائما بأن المطر يسقط شتاء.
العشوائية ليست من سمات الجمهورية الجديدة ويجب علينا جميعا أن نساند القيادة كل فى موقعه لإزالة العشوائيات ليست عشوائيات البناء فقط بل عشوائيات الفكر ومنهاج الحياة.