مشوار

«الإدمان» على بعد نفس واحد

خالد رزق
خالد رزق

أكثر من 40 سنة كاملة مرت من حياتى منذ بدأت فى ممارسة العادة الإدمانية الأسوأ وهى التدخين، 120 سيجارة يومياً تركت أثرها الثقيل من تراكمات القطران و النيكوتين بالرئتين و على جدران الشرايين، فساهمت مع عوامل وراثية مؤثرة أخرى فى اعتلال القلب و انسداد الشرايين و الجهاز التنفسى كله، لم تكف ثمانى دعامات حشرت حشراً بالقسطرة فى الشرايين لفتح مجرى الدماء إلى القلب، لكبح رغبتى العارمة الجامحة للتدخين و بشراهة.. إرادتى الشخصية بما يمليه على العقل من ضرورة الإقلاع عن التدخين بعدما صار مجرد تنفس الهواء يمثل مجهوداً صعباً كانت تنهزم حد الانسحاق أمام الحاجة إلى تلك الأنفاس الدخانية المدمرة، واستمر بى الحال حتى كانت لحظة المصير المحتوم: انسداد كامل بالشرايين التاجية الرئيسية وتصلب اعترى كل شرايين الجسم، أما الرئة فبالكاد تعمل و بنسبة لا تتجاوز 15% من قدرتها الوظيفية الطبيعية.. ساعات صعبة مع جراحة دقيقة تهرب من إجرائها خوفاً من نتيجة غير مضمونة أكثر من طبيب ماهر، و لكنها فى النهاية وبتوفيق من الله تمت على يد طبيب فوض أمره وأمرى إلى الله، فقام بترقيع عدد من الشرايين و ربط تفريعات و جسور بعدد آخر.. العملية نفسها لم تكن صعبة بالنسبة لى، فالحق أنى و منذ لحظة تخديرى و حتى إفاقتى لم أشعر بشيء، و لكن ما تلاها من أيام هو الذى حمل كل الصعوبات و يكفى عجزى شبه الكلى عن مجرد التنفس، وعموماً مرت العملية و أيام المعاناة الأولى بسلام وصار لى ثلاثة أشهر منذ أجريت لى، اختلف الحال قطعاً، سيما وقد توقفت اضطراراً عن التدخين، بات التنفس أكثر يسراً، وتراجعت آلام الذبحات القلبية التى كانت لا تنقطع فيما قبلها.
مررت بكل هذا وما عانيته قبل و بعد العملية كثير و مرير حتى أنى لا أرغب فى وصفه و نقله لآخرين ربما يمرون بنفس الطريق و لكن الذى أريد أن أقوله أنى و رغم كل المعاناة و المتاعب الصحية و النفسية التى مررت بها ما زالت تتنازعنى الرغبة فى العودة إلى التدخين، وأعرف أنى على بعد نفس واحد من العودة والحق أنها رغبة لا أعرف إن كنت سأملك القدرة على قهرها، وهذا بالضبط هو الإدمان..
امنعوا أبناءكم عن التدخين بكل وسيلة.