جعجعة بلا طحين

شريف عبد الفهيم
شريف عبد الفهيم

يبدو أن الموضة السارية تلك الأيام هي أن يخرج شخص ليهاجم أي شخص آخر لمجرد أن يكتب اسمه في الجرائد والمجلات والمواقع الإخبارية دون أن يعلم عما يتحدث أو لماذا يهاجم.


واليوم خرج علينا أحد جهابذة الرأي في البرلمان المصري ليقدم طلباً بإيقاف فكرة تقديم- أو إعادة تقديم للدقة- مسرحية "المومس الفاضلة" التي كتبها الفيلسوف الفرنسي الكبير جان بول سارتر وقدمت في السينما العالمية وعلى أكبر مسارح العالم ومنها مصر في فترة الستينيات من القرن الماضي.

 

اقرأ أيضا: سهير المرشدي عن اسم مسرحية «المومس الفاضلة»: سموا الأشياء بمسمياتها


وبنى ذلك النائب رأيه فقط على اسم المسرحية دون أن يعلم محتواها، والذي لو علمه لتوارى خجلاً من طلبه هذا، لكنه جنون الشهرة الذي أصاب الجميع ليخط اسمه في آلاف الأخبار التي سوف تتحدث مهاجمة أو مدافعة عن العمل، المهم أن اسمه سوف يذكر في تلك الأخبار.


لكنها آفة العصر الحديث، عصر التكنولوجيا الزائف الذي أصبح الترند هو المطلب الأول والوحيد في كل ما يكتب على مواقع التواصل والمواقع الإخبارية.


ومسرحية المومس الفاضلة ربما من أول وهلة وعند قراءة الاسم سوف يظن الكثيرون الذين لا يعلمون شيئاً عنها أنها تتحدث عن عاهرة تجوب الشوارع للبحث عن صيد مقابل حفنة من الدولارات، لكن الحقيقة أنها أبعد ما تكون عن ذلك، فهي قصة أخذ سارتر أحداثها من واقعة حقيقة عرفت في القديم إعلاميا بـ«فتية سكوتسبورو» عام 1931، حول فتاة تدعى ليزي التي تكون الشاهدة الوحيدة على واقعة تعدى رجل أبيض على فتاة ليل داخل القطار، ولكن توجه الاتهامات إلى راكب أسود البشرة والذي يهرب في محاولة لإثبات براءته.


وتتعرض ليزي لضغط شديد من قبل والد الرجل الأبيض، الذي يعمل سيناتوراً في مجلس النواب الأمريكي، في محاولة لجعلها تشهد ضد الرجل الأسود في المحكمة، وأمام رفضها يهددها بالقبض عليها بتهمة ممارسة البغاء.


هي إذن فتاة فاضلة وقفت أمامها جيوش الظلام لتغويها لتغير ضميرها، وإلا كانت التهمة التي ستوجه لها هي ممارسة العهر والدعارة، فأين الاتهامات التي صبها السيد النائب على العرض، لقد قدمت سيدة المسرح العربي سميحة أيوب المسرحية في الستينيات وقوبلت وقتها من كبار رجال الدولة بالترحيب وكُرمت من عدة محافل عن دورها في المسرحية، وانحنى لها جان بول سارتر مقبلاً يدها مؤكداً أنها تفوقت على كل نجمات العالم اللاتي قدمن العمل المسرحي، أم أن الأزمة في أن الفنانة إلهام شاهين هي التي قررت أن تقدمها.


يا سادة.. الفن بوابة ملكية لتهذيب النفوس وتنقية الضمائر ولا يهاجمه إلا خفافيش الظلام الذين يخافون أن تنكشف عوراتهم أمام المجتمع، فلترحموا أنفسكم وكفى جعجعة دون أن نرى لكم طحيناً.