« الأخبار » تحاور علماء الظل ( 5 )

الدكتور أحمد سليمان: نبحث عن أسرار اللحظات الأولى للكون

■ أحمد سليمان مع العالم كيب ثورن الحائز على جائزة نوبل فى الفيزياء سنة 2017
■ أحمد سليمان مع العالم كيب ثورن الحائز على جائزة نوبل فى الفيزياء سنة 2017

تطويع النصوص لتناسب العلم يسىء للدين.. وجهل بعض الشيوخ يزيد الإلحاد

تخصصت فى «الموجات الكهرومغناطيسية» وقالوا لى سيكون مصيرك «تصليح الدش»
 

د. زويل استقبلنى فى يومى الأول بكالتك.. وواجهت صعوبات العمل بمساعدته

نمتلك عقولًا يمكنها الإجابة عن أسئلة الكون الصعبة.. وينقصنا التمويل 
أمريكا تصرف المليارات لاستشراف المستقبل والمسلمون يعيشون مشاكل الإنسان البدائى

 

رغم صداقتى الإليكترونية بالدكتور أحمد سليمان الباحث المصرى بمعهد كالتك بأمريكا، والممتدة منذ نحو أكثر من عامين، إلا أن ما ينشره على صفحته بموقع فيسبوك، لم يكن يسترعى انتباهى، ربما لأن أغلبه كان يتعلق بأبحاث علمية شديدة التخصص، لم يشر فى تعليقه عليها إلى ما يثير فضولى الصحفى، ولكن قبل أيام كاد الفضول يقتلنى لمعرفة تفاصيل تلك المهمة العلمية التى يشارك فيها بقارة أنتاركتيكا بالقطب الجنوبى، والتى نشر عنها بعضًا من صور استعداداته للسفر، وصورًا أخرى من وصوله إلى هناك، وكان الأمر اللافت للانتباه اعتزازه الشديد بانتمائه المصرى، والذى دفعه لاصطحاب علم مصر معه إلى تلك المهمة فى الأرض التى لا تغيب عنها الشمس فى الشتاء، والتى تبلغ درجة الحرارة بها ٧٠ درجة تحت الصفر.


لم أتردد فى التواصل معه للإعراب عن رغبتى فى إجراء حوار معه ضمن سلسلة حوارات «علماء الظل» التى بدأتها «الأخبار» قبل شهور، ليأتينى الرد بالإيجاب بعد يومين، مع الاعتذار بأدب جم وذوق رفيع عن تأخره فى الرد، بسبب الوقت المحدود لخدمة الإنترنت فى محطة الأبحاث بالقطب الجنوبى، حيث لا تتوافر بها خدمات الإنترنت إلا لمدة 5 ساعات فقط فى اليوم عبر الأقمار الصناعية.

 


وبسبب هذه الصعوبات فى الاتصالات، أخذ الحوار مع سليمان، صاحب الوجه المبتسم دوما، كثيرا من الوقت، وكان اللافت أنه لم يتملل من كثرة الأسئلة، وكثرة التواصل على فترات لاستكمال الحوار، بل وحرص على أن يجيب عن كل سؤال باستفاضة تعكس رغبته فى نقل تفاصيل المهمة العلمية التى يشارك فيها وتوضيح أهميتها ونقل تجربته وقصة كفاحه التى بدأت من بهتيم فى شبرا الخيمة حتى وصوله لمعهد كالتك، كما لم يبخل علينا بالحديث عن رؤيته لحل مشاكل البحث العلمى وخلفيته الاجتماعية، وكيف أكسبته صلابة وإيمانًا وثقة فى قدرته على تحقيق ما كان يسعى إليه.. وإلى نص الحوار.

بداية: هل يمكن أن تعطينا لمحة مختصرة عن المحطات الرئيسية فى رحلة حياتك؟

ولدت فى مدينه بهتيم بشبرا الخيمة لأسرة بسيطة جدا، ودرست فى مدارس بهتيم بكل مراحل التعليم، وحصلت على مجموع 94% فى الثانوية العامة، وهو ما مكننى من الدراسة بكلية الهندسة بشبرا بروض الفرج، وهى تابعة لجامعة بنها.

 


وكنت أحلم بالدراسة والتعلم فى الجامعات الكبيرة فى أمريكا وأن تكون لى إسهامات ملموسة فى العلم، وقدمت على كثير من المنح بهذه الجامعات الكبيرة فى سنة 2010 بعد التخرج وفشلت، ولكن تعلمت أن أطور من نفسى وأعالج نقاط الضعف وأقدم مرة أخرى، وكان الأمر يبدو صعبا جدا، ولكنه بات سهلا بحسن الظن بالله.

 

 


من الواضح أن البيئة التى تربيت فيها أكسبتك مواصفات خاصة جعلتك قادرا على تحمل صعوبات هذه الرحلة؟

بالضبط، فقد تعلمت من والدى الأمانة والإخلاص، فهو يعمل مفتشا بمباحث إدارة تموين شبرا الخيمة، وكنت أصلى معه الفجر يوميا لمدة حوالى 10 سنوات إلى أن سافرت إلى أمريكا، وكان دائما ما يذكرنى بحديث الرسول «من صلى الفجر فى جماعة فهو فى ذمة الله». وبعد صلاه الفجر كان والدى يذهب للعمل والإشراف على المخابز لدرجة أنه كان يتنكر بأزياء أخرى لضبط المخالفين، وأذكر أن سيدة كبيرة جاءت له شاكية من أنها لا تتمكن من الحصول على الخبز، بسبب نفاذ الخبز لأن المخبز لا يخبز الدقيق كله، فانتظر لليوم التالى، وبعد صلاة الفجر، تنكر فى زى عامل بسيط وتربص بهذا المخبز وحرر له مخالفة، وهذا اليوم لم أنسه أبدا وتكرر كثيرا جدا.


ومن الأشياء الأخرى التى تعلمتها من والدى هى التزام الرزق الحلال، فالرجل الذى كان يعمل مفتشا للتموين نهارا، كان يعمل فى مصنع بعد الظهر بالرغم من حصوله على شهادة جامعية، لكى يكفى أولاده من الحلال، بدلا من أن يمد يده إلى الحرام.. وتعلمت أيضا من والدتى حسن الظن بالله وصدق التوكل عليه فى كل أمور حياتنا.


لقاء د.زويل


من الواضح التأثير الكبير للأب والأم فى تكوين شخصيتك؟

بالضبط، فكل ما ذكرته لك، كان له أثر طيب فى شخصيتى، وتعلمت أن أتحدى نفسى وأطورها حتى أتمكن من التقديم مرة أخرى فى الجامعات الكبيرة وأصل لهدفى، فحصلت على الماجيستير فى الهندسة الكهربائية بكلية الهندسة جامعة عين شمس بتقدير امتياز سنة 2013، وهناك قابلت زوجتى العظيمة المساندة لى فى كل خطوات حياتى، وانضممت أيضا لفريق بحثى بمعهد بحوث الإليكترونيات وتعلمت أساسيات البحث العلمى، ونشرت مقالات علمية فى مجلات علمية مرموقة، وعملت أيضا فى شركة الكهرباء حتى أتمكن من الإنفاق على نفسى وأيضا عملت فى نفس الوقت بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وقدمت مرة أخرى فى الجامعات الكبيرة فى 2014، ولكن هذه المرة كنت أقوى، وراسلنى أساتذة وعلماء من الجامعات الأمريكية الكبيرة، وكان منهم أساتذة بجامعة كالتك التى كان يعمل بها دكتور أحمد زويل لمدة 40 عاما، وحصل منها على جائزة نوبل سنة 1999 فى الكيمياء، ففرحت جدا أنه تحقق حلمى لأن كالتك تعتبر من الجامعات الأولى، وإن لم تكن الأولى فى العالم بالعلوم والهندسة، وأيضا يقع تحت ريادتها مختبر الدفع الصاروخى بوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وفعلا سافرت إلى جامعة كالتك بكاليفورنيا عام 2015، وكان ينتظرنى دكتور زويل فى مكتبه ودار بيننا حديث لم أنسه، حيث كان سعيدا جدا بأن طالبا مصريا وصل لجامعة كالتك من مصر مباشرة ومن خلال عمله كباحث بجامعة دكتور زويل بمصر ستة أشهر قبل السفر.
 

وهل تمكنت من التكيف سريعا مع الدراسة فى كالتك؟

 

 

 

 

واجهتنى صعوبات كثيرة فى بداية دراستى بجامعة كالتك نتيجة اختلاف التعليم بين مصر وبين الجامعة الأولى فى العالم، وكنت أنتظر دكتور زويل لأحكى معه أسبوعيا، وكان دائما ما يرشدنى ويقول لى إنه واجه نفس المشاكل فى بدايته.


وأيضا قابلت كثيرا من علماء نوبل فى كالتك، حيث إنها خرجت حوالى 76 عالما حصل على جائزة نوبل فى مختلف المجالات، وحصلت على الماجيستير من جامعة كالتك فى 2017، وأكملت عملى هناك كباحث دكتوراه فى مجال الهندسة والفيزياء الفلكية بمختبر الدفع الصاروخى بوكالة الفضاء الأمريكية ناسا.
 

الهندسة والفيزياء

ما أعلمه أنك تخرجت فى كلية الهندسة قسم كهرباء، فما هى العلاقة بين تخصصك والأبحاث التى تشارك فيها حاليا بالقطب الجنوبى؟

سؤال جيد للغاية ذكرنى بلقاء مع الدكتور زويل عندما عرضت عليه أول مقالة نشرت لى فى كالتك بعد أول عام هناك، وحصلت هذه المقالة على جائزة كأفضل ثانى بحث فى مؤتمر علوم الراديو بكوريا الجنوبية سنة 2016، وكان سعيدا جدا، ولكن قال لى جملة لم أنسها «ما هو المقصد العلمى وراء هذه المقالة التى يغلب عليها التصميم الهندسى؟».. فكرت قليلا ثم أجبته بضحكة خفيفة «حضرتك خريج كلية علوم وأنا خريج كليه هندسة، فتفكيرنا مختلف شوية يا دكتور»، ولكن فكرت كثيرا فيما قاله لى، وبعد قراءة وبحث قررت أدرس المواد الفيزيائية بجانب الهندسة، وأكمل فيها أبحاثى للدكتواره، لتعظيم الجانب العلمى فى أبحاثى، وفعلا درست كثيرا من المواد الفيزيائية كميكانيكا الكم وغيرها فى جامعة كالتك، لأنى لم أدرسها فى مجال الهندسة فى مصر، وأيضا قابلت العالم «كيب ثورن» الحائز على جائزة نوبل فى الفيزياء سنة 2017، والمؤلف العلمى للفيلم الحاصل على الأوسكار «انترستيلر»، ومكتبه مجاور لمكتبى بجامعة كالتك، ودار بيننا حوار تعلمت منه الكثير.


وتعكس مشاركتى حاليا فى تجربة القطب الجنوبى هذا المزج بين الفيزياء والهندسة، فأنا مسئول عن التصميم الهندسى والكهرومغناطيسى للتجربة، حيث إننى مسئول عن تصميم الكواشف الإليكترونية بمعهد كالتك ومختبر الدفع الصاروخى بوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وأيضا أعمل فى تحليل البيانات العلمية المرصودة من القطب الجنوبى، وبالتالى أعمل فى الجزء الهندسى والعلمى بالتجربة.

هل يمكن أن تعطينا مزيدا من التفصيل عن تجربتك البحثية حاليا فى القطب الجنوبى وما الهدف منها؟

تجربتنا عبارة عن تصميم تليسكوب علمى من قبل فريق بحثى تعاونى يحاول البحث فى نشأة الكون وبداية الزمن عن طريق رصد موجات عمرها بلايين السنين تسمى موجات الخلفية الإشعاعية للكونوموجات الجاذبية التضخمية وقياس خواصها الفيزيائية، وهذه الموجات تعطينا معلومات كثيرة عن ما حدث فى بداية الكون ولحظة الانفجار العظيم وكيف تكونت العناصر الأساسية التى تدخل فى تكوين كل شىء حولنا، ويشارك فى تصميم هذه التجربة جامعة كالتك ووكالة الفضاء الأمريكية وجامعة هارفارد وجامعة ستانفورد وجامعة مينسوتا.


ويعتبر القطب الجنوبى هو البيئة المناسبة على كوكب الأرض لرصد تلك الموجات بدقة بسبب جفاف وبرودة القطب الشديدة، وسيتم نشر نتائج التجربة فى المجلات العلمية المرموقة مثل «فيزيكس ريفيو ليتر»، وهى المجلة العلمية الأولى فى العالم بالفيزياء حسب تصويت جوجل سكولار، وينشر فيها معظم العلماء الذين حصلوا على جائزة نوبل، وأفتخر أنى مصرى وعربى مشارك فى هذه التجربة العلمية وهذه المقالات والنتائج العلمية تساهم بشكل كبير فى فهمنا للكون الذى نعيش فيه.


القيمة العلمية

قرأت قبل ذلك تقارير نشرت عن مشاركتك فى تجربة بحثية فى القطب الجنوبى قبل التجربة الحالية.. هل تحمل التجربة الجديدة اختلافا عن سابقتها أم أنها استكمال لعمل سابق؟

نعم سافرت القطب هذه المرة لاستكمال نفس التجربة التى بدأناها عام 2019، والتجربة تحتاج إلى مراحل لتجهيزها واختباراتها وتطويرها حتى تكون مستعدة للرصد الدقيق للموجات الكونية فى فصل شتاء القطب الجنوبى، حيث تصل درجة الحرارة إلى 80 درجة تحت الصفر.


وغالبا ما يسافر جزء من فريقنا العلمى التعاونى كل عام فى فصل صيف القطب الجنوبى لإنشاء بقية التجهيزات وتنفيذ مراحل بناء التليسكوبات فى ترددات زمنية مختلفة، لأن موجات الجاذبية من الصعب جدا رصدها، فهناك بلايين الدولارات تصرف حول العالم لمحاولة رصدها من الأرض ومن الفضاء، وهناك احتمال كبير جدا أن الفريق العلمى الذى يرصدها سوف يحصل على جائزة نوبل لأهميتها البالغة فى علم الفيزياء، فهذه الموجات ألهمت أجيالا من علماء الفيزياء منذ قياس الخلفية الإشعاعية للكون فى الستينات لكتابة الكتب وبناء التجارب لقياسها وقياس خواصها الفيزيائية، وتنفق تمويلات ضخمة لهذه التجارب.

وما هى القيمة العملية من فهم نشأة وماضى الكون وكيف حصل الانفجار العظيم، فالبعض يتساءل عن مردود هذه الأبحاث على حياتنا الآن؟

القيمة العلمية تكمن فى الإجابة على سؤال أبدى وتاريخى سأله الإنسان لنفسه منذ بداية الخلق، وهو «كيف بدأ الكون وما هو أصل كل شىء حولنا»، وأيضا ما نقوم به هو تجاوب مع أمر الله لنا فى كتابه الكريم حين قال « قُلْ سِيرُواْ فِى الْأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ»، فتخيل أن غير المسلمين يفعلون ذلك، بينما المسلمون مشغولون بمشاكل الإنسان البدائى، وكأنهم جاءوا إلى كوكب الأرض أمس.
 

لم توضح ما هو مردود ذلك على حياتنا...

فهم الكون وبدايته يعطينا معلومات عن حاضره وتوقع مستقبله وما أن كانت هناك أكوان متوازية موجودة، وهل هناك كائنات حية تعيش فيها ولا نعلم عنها شيئا، فعلى سبيل المثال، تعطينا معلومات عن توقعات وقت هلاك كوكب الأرض ومجموعتنا الشمسية بالكامل، فالنجوم كالشمس لها عمر محدد وسوف تهلك ويهلك كوكب الأرض معها كما هلك غيره، وهذه المعلومات نعلمها عن طريق فهم الكون ونشأته ومراحل تطوره إلى نجوم ومجرات وطاقة مظلمة وغيرها عبر بلايين السنين إلى أن نراه الآن، إنها حقا جهود بحثية هدفها البحث عن الخالق فى أسرار خلقه.


العلم والدين

حديثك يكشف وكأن أبحاثكم مفيدة فى تدعيم ركائز الإيمان، على عكس ما قد يفهمه البعض؟

«العلم والدين» عنوان شائك جدا ويجب التكلم فيه بحذر، لأن الدين ثابت لا يتغير، بينما العلم يتغير ويتطور يوما بعد يوم، وفى النهاية لابد للعلم أن يثبت ما هو فى الدين، لأن الدين جاء من الخالق.


وهناك بعض علماء الدين للأسف يقومون بلى النصوص لتناسب العلم الحديث، وبالتالى عندما تأتى نظرية أخرى تصحح ما قبلها وتثبت أنها خطأ، هنا يظهر الدين بشكل غير جيد وهذه هى المشكلة، ولكن أيضا لا مانع أن نتفكر ونحاول فهم الآيات الربانية كما قال الله « أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن» ولكن بموضوعية.
مثال على ذلك العالم نيوتن وضع نظرية فى وقته، قال فيها إن الوقت ثابت لا يتغير فى أى مكان فى الكون، وكانت هذه النظرية مشهورة جدا وقتها، وكانت تخالف كلام الله فى آياته الزمنية المختلفة الموجودة فى القرآن الكريم، كتنقل الملائكة بين السماء والأرض فى زمن مختلف تماما عن زماننا نحن، وغيرها من الآيات الزمنية الأخرى فى القرآن الكريم، بعدها بعشرات السنين جاء العالم أينشتاين بنظرية تنقض نظرية نيوتن، وتقول إن الزمن يتغير فى كل مكان فى الكون وليس ثابتا، وهذا ما تم إثباته عمليا من خلال قياس موجات الجاذبية فى 2016، حيث أكد ذلك أن هناك تغيرا فى نسيج الزمان والمكان فى الكون.

ربما النظرة السلبية السائدة عن مثل هذه الأبحاث يرجع لربط البعض فى وقت سابق بين نظرية «الانفجار العظيم» التى تفسر نشأة الكون وبين الإلحاد؟

سؤالك يذكرنى بفيديو شاهدته فى قناة أمريكية لشاب مصرى يناقش عالما مشهورا من علماء الدين على قناة مصرية، وقال الشاب إنه ملحد ولا يعترف بوجود إله لأنه يؤمن بنظرية «الانفجار العظيم» عن نشأة الكون، وقبل أن يكمل كلامه طرده المذيع وقال له عالم الدين إنه يحتاج إلى علاج نفسى، وهذا الفيديو انتشر كثيرا بعد أن تمت ترجمته باللغة الإنجليزية، وبالتأكيد شوه صورة الدين فى عدم قابليته للنقاش، وفى رأيى هذه من الأسباب الكبيرة فى إلحاد كثير من الشباب لأنهم لم يجدوا المنطق والعقل فى الرد على أسئلتهم المنطقية أيضا، والمشكلة أن جهل بعض علماء الدين بالعلم الحديث وتطوراته والتجارب العلمية التى تثبت هذه النظريات أحدث فجوة كبيرة فى مجتمعنا المصرى، فنظرية الانفجار نظرية تم إثباتها بتجارب علمية وعملية، وكان أشهرها قياس الخلفية الإشعاعية للكون فى الستينات وحصل بسببها مكتشفها على جائزة نوبل فى السبعينات، وهذه الإشارة موجودة حولنا فى كل مكان فى السماء، كدليل من الله عن نشأة الكون وأنا أصلا أكمل أبحاثى فى نفس النقطة البحثية من مرصدنا بالقطب الجنوبى، ونظرية الانفجار العظيم بالأخص تفترض أن الكون عمره حوالى 14 مليار سنة مر خلالها بمراحل كثيرة منذ لحظة الانفجار، وقد تظن منذ الوهلة الأولى أنها تتعارض مع آيات خلق الله فى السموات والأرض فى ستة أيام ولكن لا نعلم مراد الله فى كلمة «أيام» أهو كان يعنى يوما فى زماننا أو يوما عند ربنا بمقدار آخر، وهذه اجتهادات بما لدينا من علم.


أسئلة تاريخية

قد ينظر البعض لمثل هذه الأبحاث على أنها «رفاهية» فى وقت يحتاج فيه العالم لأبحاث تخص الطاقة والغذاء وتحلية المياه.. فكيف ترد على هؤلاء؟

هناك بعض الأبحاث التى لها مردود يومى على حياة الإنسان، وغيرها لها مردود على مستقبله، فهل تقارن بين إنسان يعيش فى مكان ما أول ما يستيقظ صباحا، يفكر كيف يوفر أساسيات حياته كغذائه اليومى له ولأولاده، وتقارنه بإنسان يعيش فى مكان آخر تتوفر فيه هذه الأساسيات، والآن أصبح عقله خاليا فقط لعمارة الكون والتطلع للمستقبل حيث يفكر ويتطلع لتطورات العلوم التقدمية الأخرى كالفضاء والفلك وغيرها، إنها فعلا قد تكون رفاهية وبعيدة المنال لمن لم يعش فى هذا الزمان المتقدم، ومازال يفكر كمن يعيش فى كهف ولديه مشاكل الإنسان البدائى منذ ظهوره على كوكب الأرض، فأمريكا تصرف بلايين الدولارات سنويا على الأبحاث الفلكية والفضاء والكون لأهميته البالغة فى معرفة مستقبلنا ومستقبل مجموعتنا الشمسية ومستقبل هذا الكون الذى نعيش فيه.. والله سبحانه وتعالى نفسه أمرنا بالتفكر والبحث ولا أنسى قول الدكتور مصطفى محمود «إن الله أقرب إلى الذين يجتهدون فى فهمه من الذين يؤمنون به إيمانا أعمى».

وهل استشراف مستقبل الكون يستحق قيام المؤسسات الحكومية الأمريكية بإنفاق ملايين الدولارات؟

نعم يستحق، وهذه الأبحاث بالفعل ممولة من المؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم وهى المؤسسة الحكومية فى أمريكا المسئولة عن تمويل الأبحاث المهمة للعلم ولأمريكا، وأيضا التجربة ممولة من وكالة الفضاء الأمريكية ناسا.


والحكومة الأمريكية تعتبر دراسة الكون ونشأته مهمة فى علم الفيزياء وللولايات المتحدة، لأهمية ذلك فى الإجابة على أسئلة تاريخية سألها الإنسان لنفسه مثل «أين مكاننا فى الكون؟..

وإلى أين نحن ذاهبون؟.. وما هو مصيرنا ؟.. ومن أين أتت الحياه؟.. وهل نحن نعيش بمفردنا أم أن هناك حياة أخرى فى هذا الكون الذى يحوى مليارات الكواكب ومليارات المجرات؟.. وهل هناك أكوان تعيش خارج نطاق الكون ولا نعلم عنها شيئا؟ وماذا عن أصل كل شىء؟».


وتسعى أمريكا ليكون لها السبق فى الحصول على إجابات، لاسيما أن معظم الدول والفرق البحثية فى أوروبا تنفق الملايين وراء البحث عن نفس الإجابات.

وهل يمكن أن يكون لدينا باحثون يعملون فى مصر على الإجابة عن مثل هذه الأسئلة، أم أن الأمر يحتاج لإمكانيات مادية وتجهيزات بحثية ضخمة؟

مصر مليئة بعقول عبقريه، ولكن للأسف نتيجة عدم توافر التمويل اللازم لعمل الأبحاث التى تجيب على هذه الأسئلة، سيكون من الصعب العمل عليها، فتمويل هذه المشاريع البحثية يتعدى مليارات الدولارات، ولكن لأهميتها فى علم الفيزياء والتنافس بين دول العالم المتقدم فى الوصول لإجابات، يجعل ذلك دولة مثل أمريكا لا تبخل فى الإنفاق.


ميزانية البحث العلمى

على ذكر الإنفاق، ما رأيك فى نسبة 1% من الدخل القومى كميزانية سنوية للبحث العلمى فى مصر.. هل هى كافية أم أننا نحتاج لزيادتها؟

من المؤكد أنها ليست كافية ونحتاج لزيادتها لتوفير أمرين أساسيين، أولهما الدخل المناسب للباحث أو العالم فى المراكز البحثية حتى يكون عقله متفرغا تماما للبحث والإبداع، والشىء الثانى التمويل لشراء المعدات والتسهيلات اللازمة لبناء التجارب العلمية، فلو وفرنا الأمرين للعالم المصرى فى بلده يستطيع عمل إنجازات كثيرة جدا، وأعتقد أن القدر الحالى للميزانية يمكن الاستفادة منها فى أبحاث طبية كثيرة مهمة ولها أولوية لمصر فى الوقت الحالى.

الأزمة الأزلية فى البحث العلمى المصرى الانفصال بين البحث العلمى والتطبيق.. كيف نحل هذه المشكلة من وحى تجربتك فى أمريكا؟

عن طريق زيادة ميزانية البحث العلمى، فالعقول المصرية العبقرية لديها قدرة على عمل أبحاث علمية مرموقة، ولكن عدم توافر بعض الإمكانيات فى بعض المراكز البحثية يحول بينها وبين إثبات هذه الأبحاث ونشرها فى مجلات علمية كبيرة، ويجب القول أيضا إن هناك معامل بحثية وجامعات فيها إمكانيات جيدة جدا وتنتج أبحاث علمية عظيمة، وأتذكر أيضا أن دكتور زويل أدرك هذه النقطة جيدا وبناء على ذلك اشترى معامل وتجهيزات علمية بملايين الجنيهات فى جامعة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وكنت أرى مثلها تماما فى جامعة كالتك، وهذه التسهيلات تمكننا من مواكبة التقدم العلمى فى الخارج ومساعدتنا على تطبيق أبحاثنا ونشرها فى مجلات ودوريات علمية عريقة، وأتمنى من الإدارة المصرية الاهتمام بمدينة زويل، لأنها حقا خطوة عظيمة نحو وضع مصر على خريطة الطريق العلمى فى السباق العالمى.


النشر البحثى

وهل ترى أن مؤشرات النشر البحثى التى أحرزت فيها مصر مراكز متقدمة مؤخرا تعد مؤشرا جيدا لتطور البحث العلمى أم أنها مؤشر خادع فى ظل عدم الاستفادة من مخرجات هذه الأبحاث؟

بالتأكيد مؤشر عظيم وتم بالفعل الاستفادة من بعض هذه الأبحاث ورأيت ذلك بنفسى فى الأماكن البحثية التى تعلمت فيها فى مصر قبل سفرى لأمريكا مثل معهد بحوث الإليكترونيات، وجامعة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وكلية الهندسة بجامعة عين شمس، والجامعة الأمريكية بالقاهرة، فقد تعاملت مع عقول مصرية مبدعة تعلمت منهم الكثير.


وأخيراً.. كيف تقيم محاولات تطوير التعليم الأساسى حاليا التى تجريها وزارة التربية والتعليم فى أسلوب التعليم باستخدام التابلت وطريقة الامتحانات؟

لقد قرأت عنها وأرى أنها خطوات جيدة جدا ضمن خطوات كثيرة يحتاجها التعليم الأساسى للتغير والتطوير للأفضل، لكنى أتفهم أيضا أن الموضوع يحتاج لبعض الوقت لحدوث التغير الكامل.


ومن الخطوات الهامة أيضا تغير فكرة التعليم من التلقين والحفظ إلى التفكير والتطوير، وهذه هى الفجوة الكبيرة التى واجهتها فى أول سنة دراسية فى جامعة كالتك، فأتذكر دكتور فى مادة الرادار فى كالتك وضع امتحان حتى يحله كل طالب فى منزله ومسموح ترى المعادلات وتقرأ الكتب، ولكن ممنوع أن تتناقش مع زميل آخر، والأسئلة الموجودة بالإمتحان لن تجد مثلها أبدا فى أى مكان لأنها تعتمد على فهمك الجيد للمادة من كل الجوانب، فإذا كنت كذلك تستطيع الإجابة والابتكار فى حل الامتحان، وليس المطلوب منك حفظ المعادلات لأنك ستنساها حتما، ولكن المطلوب أنك تفكر وتبدع وهذه نقطة جوهرية، وهذه الخطوة تجعلك تستكشف عقليات كثيرة مفكرة ومبدعة ومدفونة وسط الطلاب.


وهناك أيضا خطوة أخرى وهى تغيير عقلية الطالب نفسه وإيمانه بأن العلم يمكن أن يغير حياته، وأنه ليس مجرد شهادة حتى يعمل فى النهاية بغيرها، وتوسيع إدراكه بأهمية العلم، وأنك تستطيع استكمال تعليمك خارج مصر، وأيضا إظهار النماذج العظيمة مثل دكتور زويل والدكتور مجدى يعقوب والدكتور فاروق الباز والدكتور مصطفى السيد.